×
محافظة الرياض

الحثلان يفتتح مهرجان ليالي المزاحمية

صورة الخبر

كانت الساعة عند التاسعة مساء بتوقيت الغرب الأميركي، ومن غرفتي الفندقية في مدينة سياتل، عندما خطف دونالد ترامب أصوات ولاية أميركية مثل "ويسكونسن" التي لم تذهب لمرشح جمهوري منذ عام 1984، كان إعلانا يشبه الزلزال لأن هذه الولاية هي من قفزت به إلى ما فوق الرقم "217" في المجمع الانتخابي، وهو الرقم المطلوب لكسر حاجز النسبة. في اليوم التالي ذكرت محطة "CNBC" أن لحظة الإعلان قد شهدت تحطيم ما لا يقل عن ألف شاشة تلفزيونية في لحظات رفض وغضب في مختلف البيوت الأميركية. لا يشبه هذا التحول الأسطوري في فوز ترامب الكاسح إلا بعض فرق كرة القدم التي تتقدم بالأربعة في الدقائق العشر الأخيرة بعد أن كانت متأخرة بثلاثة أهداف، وهذا لم يفعله سوى فريق ليفربول عندما قلب النتيجة نفسها على "الميلان" ذات نهائي أوروبي تاريخي بمدينة إسطنبول التركية. فوز ترامب المدهش هو هزيمة تلقائية لكل شيء: أولا، هو الهزيمة القاتلة لكل استطلاعات الرأي التي لم يأت واحد منها على الإطلاق ولو بنبوءة تقارب أو تعادل ما بين المعسكرين في الأشهر الأخيرة. ثانيا، هو هزيمة صادمة لكل أباطرة الإعلام ولكل محللي السياسة والاجتماع وكل خبراء الانتخابات الأميركية. ثالثا، هو هزيمة نكراء وضربة موجعة إلى الحركة النسائية الأميركية "pheminism"، وهنا سأكتفي بما قاله، تيم كين، مرشح هيلاري لمنصب نائب الرئيس، في الجملة الأولى من خطاب الاعتراف بالهزيمة، وهو يقول: هذه النتيجة تظهر بوضوح أن المزاج الأميركي لم يتهيأ بعد للقبول بامرأة في البيت الأبيض. وعلى المكشوف، فعل دونالد ترامب في حملته الانتخابية كل الأخطاء التي تشير إلى هزيمة مؤكدة. مناظرات تلفزيونية هشة ضعيفة، لغة حادة بفوقية تصل أحيانا حد العنصرية، عداء للمرأة والملونين، تمييز معلن ضد المهاجرين والأديان الوافدة والأقليات. إقصاء واضح للصوت اللاتيني القوي وصل حد التأكيد ببناء الجدار الشهير مع المكسيك. رفض كل الاتفاقيات بما فيها "نافتا" التي يستفيد منها اليوم خمسون مليون أميركي. كان كل العالم يتساءل: كيف سيفوز بهذه اللغة وبهذا التمييز والإقصاء، وبهذا البرنامج المخيف، فإذا بنا نكتشف أنه كان أذكى من الجميع، وأنه كان يتعمد هذه الآلية كي يفوز..... ولكن كيف؟ أدرك دونالد ترامب أن حصانه الجامح هي أصوات ما يمكن تسميته بـ"القوة الرجالية البيضاء" خارج المدن الكبرى في الولايات المتأرجحة، وبالتحديد في منتصف الشرق وفي ولايات الغرب الأوسط. هؤلاء وحدهم يشكلون ربع القوة الانتخابية، فيما سيأخذ الربع الثاني الكافي من أصوات الولايات الجمهورية المحسومة. استمال ترامب أصوات هذه القوة الرجالية البيضاء عبر النفخ الممنهج في مخاوفهم التلقائية من الإرهاب والملونين والمهاجرين والاتفاقيات التي تفتح الحدود الأميركية. هؤلاء مثله يؤمنون أن أميركا بيضاء ومسيحية. وكل ما فعله ترامب ليس إلا جلسة قصيرة لحسابات النسبة المئوية، وترك خصمه هيلاري لتخدير استطلاعات الرأي وللنوم في عسل الإعلام، مثلما ترك لها أصوات الملونين والأقليات والمهاجرين وحتى الأديان، بما فيها اللوبي الصهيوني الذي لم يذهب إليه في المطلق، وهي سابقة في الانتخابات الأميركية. كل ما فعله بالاختصار أنه ناور في سبع ولايات من المتأرجحة، وحتى في داخل هذه الولايات ذهب إلى الكنز المفقود من القوة الرجالية البيضاء. ترك كل بقية الخريطة الأميركية الشاسعة لخصمه، ولربما فهمت هيلاري ما فهمه كل العالم الآن هذه الحقيقة المؤكدة: كان دونالد ترامب يعرف، وحده، أنه سيفوز منذ اليوم الأول لحملته.