×
محافظة الحدود الشمالية

«مصرف الراجحي» ينظم حملة تطوعية في الحدود الشمالية

صورة الخبر

هذا ما يقوله طلاب الجامعات المضربون منذ حوالى ستة أسابيع في جنوب إفريقيا، والذين تعرض 850 منهم للتوقيف هذا العام بسبب تحركاتهم التي بدأت ضد زيادة معلنة في الأقساط في 2015، وتمكنت من تجميد تلك الزيادة لتعود اليوم. وانتهى التحرك الطويل وكل الملابسات التي رافقته إلى إثارة النقاش العام حول النظام التعليمي برمته الذي لم يتحرر من «طابعه الاستعماري» كما يقولون، ويقولون كذلك إن أسلوب التوقيفات كان مشابهاً لما عرفه آباؤهم إبان النضال ضد الفصل العنصري: في منتصف الليل ومن غرفهم الجامعية أو من بيوتهم، وليس من الشارع أو الجامعة أثناء التحركات. كثيرون من قادة الطلاب من الشابات، وبينهن واحدة تلقت 13 رصاصة مطاطية في ظهرها. كانت هذه الطلقات غير قاتلة وقادت الصبية الى المستشفى (فحسب!)، بينما سواها، وكان مصنوعاً من الرصاص الثقيل وأطلق من الخلف كذلك أثناء إضراب عمالي صيف 2012 في منجم بلاتين تملكه شركة بريطانية، «لونمين»، قتل 34 عاملاً أسود وجرح حوالى ثمانين على الأقل. وبات اسم الواقعة «مجزرة ماريكانا» (اسم المنطقة)، وهي غالباً ما تقارَن بمجزرة أخرى تشبهها وقعت في شاربفيل في 1960... زمن الآبرتهايد! يقول الطلاب إنهم يصوغون «حلماً جديداً»، فما انتهت إليه إفريقيا الجنوبية بعد 22 سنة على زوال نظام الآبرتهايد لا يطابق ما أملوه، ولا ما ناضل من أجله آباؤهم، بكل ذلك العناد ولسنوات طويلة. وهؤلاء هم الجيل الذي «ولد حراً» كما يُسمَّون، أي بعد 1994. أسباب الخيبة كثيرة وقوية وواقعية. فما زال نصف سكان البلد (54 مليوناً) يعيشون تحت خط الفقر، بينما هي واحدة من خمسة بلدان تنتمي إلى «بريكس»، تسمية أرادتها «الدول الناهضة» القوية لرابطتها ومشاريعها المشتركة الساعية إلى التحرر من مؤسسات المنظومة المهيمِنة، وعلى رأسها صندوق النقد والبنك الدوليان، الخاضعان في المقام الأول لسلطة الولايات المتحدة. والصين تقود البريكس، وهي صاحبة أكبر اقتصاد عالمي اليوم، فيما تعتبر إفريقيا الجنوبية صاحبة أكبر اقتصاد إفريقي، وإن كانت آخر الإحصاءات تشير إلى تجاوز نيجيريا لها. وهي تمتلك ثروة منجمية هائلة ومتنوعة وبنية تحتية متطورة. 80 في المئة من السكان من السود، و8.4 بيض من أصول أوروبية والبقية خلاسيون أو من الهنود والآسيويين، ما يبرر تسمية «أمة قوس قزح» التي أطلقها عليها القس ديزموند توتو، أحد أبطال نضالها، والذي ينافس في الاحترام الحائز عليه في الضمائر قائدها نيلسون مانديلا. سوى أن هؤلاء الفقراء كلهم سود. ولم تتجاوز نسبة الحائزين على مؤهل جامعي 5.3 في المئة من السكان السود في 2014، فيما هم 27.5 في المئة بين البيض. وعدد الطلاب الجامعيين تجاوز المليون، ربعهم فحسب من السود. وهم موزعون على جامعات رسمية وخاصة، وقد دخل السود الجامعات التي كانت مقتصِرة على البيض في ظل نظام الفصل العنصري، وهي التي تحركت في العامين الفائتين ونالت صدى إعلامياً كبيراً وعالمياً، بينما كانت التحركات الطالبية في الجامعات السوداء تنفجر دوماً وفي شكل متكرر منذ زمن طويل... بلا اكتراث. يغطي التعليم نظام منح وقروض بات عاجزاً عن تلبية ارتفاع الأقساط، كما يرهن الطالب لدين يمضي سنوات بعد ذلك ساعياً إلى سداده. وأما مساهمة الحكومة في كلفة التعليم فتنخفض باضطراد وهي بلغت هذا العام نسبة 18.4 في المئة منه، وتمثل 0.74 في المئة من الناتج المحلي الخام، وهي أدنى من المتوسط الإفريقي العام في هذا المجال. ويكلف طالب في كلية العلوم مثلاً ما متوسطه 3700 دولار في العام وهو مبلغ هائل إذ إن متوسط الدخل السنوي للفرد في البلاد هو 6600 دولار. وقد نُقلت الخدمات العامة في الجامعات إلى شركات خاصة، فتراجع مستواها وارتفعت تكاليفها على كاهل الطلاب بينما تخلصت الدولة من مسؤوليتها. خلال تحركاتهم، واجه الطلاب في الجامعات الـ 16 المضربة والمعتصمة، عنف البوليس كما عنف رجال شركات الحراسات الخاصة. وهؤلاء أطلقوا الرصاص المطاطي وقنابل الدخان المسيل للدموع واستخدموا خراطيم المياه، ومارسوا التحرش الجنسي. وشاركهم في العنف في شكل مباشر، أو تبريراً في المداخلات، بعض قادة «اتحاد طلاب إفريقيا الجنوبية» (SASCO) المنحازين إلى السلطة، تماماً كما كان البادئ بإطلاق الرصاص على عمال المناجم المضربين في 2012 قادة في «الاتحاد الوطني لعمال المناجم»، جنباً إلى جنب مع البوليس ومع رجال شركات الحراسات الخاصة المسلحين، فيما يرتبك ويتشتت «الاتحاد العام لعمال جنوب إفريقيا» (COSATU) بأعضائه المليونين، هو الذائع الشهرة كطرف أساسي في النضال ضد الآبرتهايد، وكجهة طالما مثّلت الجناح اليساري من «المؤتمر الوطني الإفريقي» (ANC) الحاكم منذ 1994. لكن وزير التعليم الحالي في البلاد هو نفسه سكرتير «الحزب الشيوعي» الرسمي. وتلك حالة استدرجت ولادة روابط وهيئات تتمرد على خيانة قادتها كرمى لعيون السلطة وباسم الواقعية، وتواطؤاً مع فساد مريع استولى على تلك النخبة السوداء الجديدة التي يقودها رئيس البلاد جاكوب زوما، المتعرض هذا العام وحده لثلاثة استجوابات في البرلمان لم ينجح أي منها في إسقاطه، وكان آخرها قبل أيام. لكنْ نُشرت في شكل علني تقارير وأخبار عن الصفقات المشبوهة (وأبرزها صفقة سلاح... كالعادة في كل مكان)، والعمولات، واستخدام الأموال العامة في منافع شخصية، والعلاقات الوطيدة التي تجمع زوما بعائلة قبطا الهندية الأصل، والأكثر ثراء في البلاد. وهي حالة يُطلق عليها «الاتحاد الديموقراطي»، حزب المعارضة الرئيس اليوم، بقيادة من كان رئيس منظمة شباب المؤتمر الوطني الإفريقي في الثمانينات، نعْت «الكارثة ما بعد الكولونيالية»، فيما يتهمه الحزب الحاكم بأنه إنما يطمع في الوصول إلى السلطة بغير الطريق الديموقراطي، و»عبر إثارة القلاقل»: مشهد كلاسيكي مألوف! وفي الحقيقة، فإن «دود التفاح منه وفيه» كما يقول المثل. فالصفقة التي عُقدت في 1994 لإنهاء الآبرتهايد أقرّت بتسليم السلطة السياسية والإدارية للسود ممثَلين بالمؤتمر الوطني الإفريقي ومانديلا، مقابل احتفاظ البيض بالاقتصاد. ورويداً، تحولت السلطة إلى مصدر لمراكمة الثروات الطفيلية لأصحابها، وهي في شكل عام متأتية عن أنواع لا حصر لها من الرشاوى. وهكذا دواليك.