بدأ الربيع العربي ضد أنظمة الاستبداد وبدأت معه الثورة السورية، فانتفض الشعب الكردي بشكل سلمي مع باقي مكونات الشعب السوري في ثورة الحرية ضد نظام قامع للحريات، وعمّت التظاهرات جميع المناطق الكردية رافعة شعارات «إسقاط النظام»، وتأسست على أثرها تنسيقــيات شبابية وحركات سياسية وثقافية بعيـــدة كل البعد عن الأحزاب الكردية التقليدية وتجاوزتهــــا لتطالب بحقوقها المشروعة والعادلة، لكن الواقع كان مختلفاً، فقد بدأت تلك الأحزاب، بالتنسيق مع بعـــض القوى الكردستانية، بالتغلغــل داخل الثورة وتفتيت تلك التنسيقيات وتقليص دور الشباب والمرأة ووضعهم جميعاً تحت سقف مؤسسة خاصة وفرض قيود على مطالبهم لتتحول الشعارات رويداً رويداً من إسقاط النظام والمطالبة بالحـــرية إلى شعارات حزبية براقة لا معنى لها على أرض الواقع. وبات الطريق مسدوداً أمام الشعب الكردي، وأصبحت تلك المؤسسة ما يسمى «المجلس الوطني الكردي» مجرد غطاء لاحتواء الشارع وضبطه وحماية مصالح النظام، وفتحت الأحزاب مكاتبها إلى جانب الفروع الأمنية في مدينة القامشلي، وتحت حمايتها، فانتهت تلك الثورة في المناطق الكردية. لم يستسلم الشعب السوري وبقي صامداً يطالب بحقوقه المشروعة، ما دفع النظام إلى استخدام القوة للقضاء على ثورته السلمية، فما كان من مفر إلا أن يبدأ ذلك الشعب الدفاع عن نفسه وتشكيل جيش حر انضم الأكراد إلى صفوفه، ما سبّب قلقاً لدى بعض القوى الكردستانية، لا سيما أن حزب «أزادي» الكردي بدأ تشكيل كتائب عسكرية لمواجهة قوات النظام في حلب، وسرعان ما استدرجهم من قبل إقليم كردستان العراق وتشكيل الاتحاد السياسي عام 2014 مع بعض الأحزاب الأخرى. ولم تمض أشهر حتى تم تفكيك ذلك الاتحاد لتحييد الأكراد عن محاربة النظام وسحب جميع الكتائب الكردية من صفوف «الجيش الحر»، في حين استمرت ثورة الشعب السوري في المناطق الأخرى، وتحول الصراع إلى حرب مفتوحة بين «الجيش الحر» وجيش النظام وحلفائه من «حزب الله» وإيران والروس. تدخلت الأمم المتحدة لتمارس مهامها في الحل السياسي من خلال مؤتمرات دولية، لا سيما أن المعارضة المسلحة لا قدرة لها على مواجهة النظام وحلفائه ولا تملك أسلحة متطورة فضلاً عن غياب حلفاء لها على الأرض للدعم والمساندة. فتشكلت «هيئة الائتلاف الوطني» لتكون الغطاء السياسي لجميع المعارضين والمقاتلين على الأرض وإدخالهم كمعارضة سياسية في المفاوضات. وكان لا بد أن تضم ممثلين عن الأحزاب الكردية. فطلبوا من قوى كردستانية أن تنضم إلى هذه المؤسسة الكردية، باعتبار أن هذه القوى تملك قوات «بيشمركة روج أفا»، لكنها رفضت محاربة النظام، فإقليم كردستان العراق لا يستطيع أن يدفع بتلك القوات إلى مواجهة النظام خوفاً من تهديدات إيران وخلق مشاكل داخل الإقليم، على رغم أن المعارضة تكفلت بتقديم كل ما يلزم لقوات «بيشمركة روج أفا» من عتاد ومال كي تشارك في الثورة، لكن من دون جدوى، فتوصل الطرفان إلى اتفاق مشترك يقضي بضم بعض الأحزاب شكلاً من دون مضمون، في مقابل دعم مادي وإغاثي للمناطق الكردية وللمخيمات داخل إقليم كردستان. ووقّع الائتلاف على وثيقة مع المجلس الوطني الكردي لا تضمن أي حقوق كردية. اكتشف الشارع الكردي باستياء شديد ما يجري، ورفضت غالبيته تلك الوثيقة مؤكدة استعدادها للعمل على إسقاط النظام السوري، فـ «بيشمركة روج أفا» تأسست لمحاربة النظام، لكن قُوبل ذلك بالرفض، فأحد الأحزاب الكردية استملك تلك القوة ومن خلال المناهج السياسية الحزبية في معسكراته حوّل قضيتهم إلى اتجاه حزبي بحت وأصبح «لواء عسكرياً» لحماية ذاك الحزب ومصالحه في سورية المستقبل، حتى وصل الأمر إلى رفض انضمام أي مقاتل إلى صفوف «بيشمركة» من دون موافقة المكتب السياسي للحزب. وكل هذا سبب ضغطاً هائلاً من الشعب الكردي على المجلس، لكن رئاسة الإقليم في كردستان تهمها مصالحها لذا دعمت المجلس لتخفيف الضغط الشعبي عليه، ومارست مراوغة سياسية من خلال حملة تواقيع لإدراج القضية الكردية في وثيقة الحل في الأمم المتحدة، لكن عدم الاعتراف بهذه الحملة أكد أن أميركا والدول الداعمة للمعارضة وحتى المعارضة نفسها هي مع الشعب الكردي في سورية لنيل حقوقه إذا حارب الشعب النظام، فالحقوق تؤخذ بالنضال والتضحية، لكن المجلس الكردي ليس من أولوياته إسقاط النظام ولا حتى مواجهته سياسياً، لذلك غضت المعارضة والمجتمع الدولي النظر عن مطالب الشعب الكردي. إن تاريخ الثورة السورية مدون بدماء السوريين بكافة شرائحهم (الكردي والعربي) وبقية المذاهب والطوائف، وهي بريئة من الأجندات الحزبية والإقليمية التي وقفت إلى جانب النظام من دون شعور بمعاناة الشعب السوري. والشعب الكردي الذي تعرض طوال خمسين عاماً للظلم والاضطهاد من قِبل نظام البعث لم يتوان يوماً عن المطالبة بحقوقه ولا عن النضال والتضحية، وقد تركت انتفاضة 2004 في القامشلي بصمة لا تنتسى، وصلت إلى قلب العاصمة دمشق، لكن الأحزاب الكردية حينها أخمدت تلك الانتفاضة. ويعود التاريخ ليكرر الخطأ نفسه اليوم مع الثورة السورية فيكون الشعب الكردي ضحية مصالح الأحزاب السياسية المدعومة من القوى الكردستانية.