قفز الطب قفزة نوعية وصولاً إلى عصرنا الحالي، إذ أصبح إجراء عملية خطيرة أو صعبة روتيناً اعتيادياً، وليس بالندرة التي كان فيها من قبل. ويرجع ذلك للتخدير، فلك أن تتخيل المعاناة التي يشعر بها المريض، إذا تم إجراء عملية خطيرة له وهو في كامل وعيه، فكان المريض يسير إلى غرفة العمليات، وكأنه يسير إلى غرفة التعذيب. ونشر موقع "هافينغتون بوست" طرقاً عدة، لجأ إليها الأطباء للتمكن من إجراء العمليات رغم الألم المصاحب لها، مثل تقييد حركته بمساعدة مجموعة من الممرضين ذوي البنية الجسدية القوية، أو اللجوء إلى وضع قطعة من الخشب على رأس المصاب ثم الطرق عليها بشدة أو ضربه خلف جمجمته بواسطة جسم حاد، حتى يفقد وعيه لتبدأ العملية. وبعد ذلك اكتشف العلماء النباتات والعقاقير المخدرة، مثل الكوكايين الذي يسبب عند استنشاقه الدوار، والأفيون والماريغوانا اللذين كانا يستعملان للتخفيف من الآلام. وأصبح علم التخدير تخصصاً مستقلاً بذاته مع اكتشاف الكيميائي الأميركي صموئيل غوثري في العام 1831، مادة الـ"كلوروفورم"، وهو عبارة عن سائل شفاف وذو رائحة مميزة، وكانت تلك المادة تضمن تخديراً سريعاً ومريحاً للمريض، وكانت تستخدم في تخدير المريض عبر استنشاقه. وكان الطبيب الاسكتلندي المتخصص في أمراض النساء والتوليد، جيمس يانغ سيمبسون، أول من استعمل مادة الـ"كلوروفورم" للتخدير في عملية جراحية، وذلك أثناء عملية ولادة في بريطانيا في العام 1847. وكان سيمبسون معروفاً بتعاطفه الشديد مع المرأة الحامل، وسعيه الدائم للتقليص من آلام ولادتها، وكان أيضاً أول طبيب يوظف العلاج بالإبر لتوقيف النزيف. وعند نجاح استخدام الـ"كلوروفورم"، واجه معارضة ونقداً شديدين، خاصة من قبل أطباء التوليد ورجال الدين. ومن جهة، اعتقد الأطباء أنها تسبب العديد من الأضرار مثل اضطرابات في وظائف الكبد والاضطرابات الكلوية. ومن جهة أخرى، اعتبر رجال الدين التخدير محرماً دينيًا فكتب العالم سيمبسون أشهر مقالاته Account of A New Anaesthetic" "Agent، الذي استخدم فيه عدد من آيات الكتاب المقدس المسيحي كرد على اعتراضاتهم فعُرف حينها بـ"الفيزيائي المؤمن". ثم صار استخدام الـ"كلوروفورم" شائعاً منذ العام 1853، بعدما استخدمته الملكة فكتوريا أثناء ولادتها للأمير ليبولد، وبذلك حصل سيمبسون طبيب الملكة على لقب "بارون"، تقديراً له على بحوثه وتجاربه الناجحة.