مع حلول فصل الشتاء في كل عام يكثر الحديث عن ذكريات ما قبله من الفصول وحوادث فيضان الشوارع والكباري وغيرها بالمياه، وكذلك اختلاط مياه الأمطار بمياه الصرف الصحي، وأكثر من ذلك ما حدث في بعض الفصول الماضية في مناطق كثيرة من حدوث وفيّات بالغرق وخسائر في الممتلكات وخراب في البنى التحتية وغيرها. وتكرر ذلك كل عام رغم أن وزارة الشؤون البلدية والقروية تقدر التكاليف الخاصة بالإستراتيجية الوطنية لتصريف مياه الأمطار ودرء أخطار السيول بكل مدن المملكة بحوالي 94 مليون ريال خلال ثلاثين عاماً بدءاً من ميزانية عام 1431/1432 هـ وحتى ميزانية عام 1462/1461هـ، مضافًا إليها معدلات التضخم خلال هذه العقود الثلاثة، وكما نشر في الصحف فإن الإستراتيجية المقرر تنفيذها خلال الأعوام الثلاثين سيتم تنفيذها على أربع مراحل، وقد تعاونت الوزارة في إعداد هذه الإستراتيجية مع كل من وزارة الاقتصاد والتخطيط، وكذلك مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية التي زودت الأمانات بالمصورات الفضائية والتقارير الخاصة بالمدن المستهدفة بهذه الإستراتيجية التي تهدف إلى توفير الحماية للمدن والقرى وصونها من أخطار السيول، وكذلك توفير شبكات تصريف مياه السيول والأمطار خاصة في المدن والقرى الأكثر تأثراً وتحديد أولويات تنفيذ مشاريع تصريف مياه الأمطار والسيول وإعداد البرامج والجداول الزمنية وكذلك تفعيل الأنظمة والإجراءات التنفيذية ووسائل المراقبة لمواجهة التعديات على مسارات الأودية وإعادة هيكلة الإدارات المختصة بالسيول بالأمانات والبلديات وإعداد الكوادر الفنية العلمية المتخصصة. ولم تغفل هذه الإستراتيجية أيضًا إعداد وتنفيذ منهجيات حديثة لتشغيل وصيانة المشاريع. المأمول طبعًا مع وجود مثل هذه الإستراتيجية التي خصصت لها الموارد والكوادر البشرية اللازمة أن تضع حداً لمعاناة المواطنين خلال السنوات الماضية من أخطار السيول وفيضانات المياه، بل تحويل هذه السيول والفيضانات إلى فوائد إيجابية تجعل من الممكن الاستفادة منها في ري الحدائق والأشجار المغروسة في الشوارع، بل والاستفادة من توصيات بعض الدراسات العلمية في هذا الجانب التي أشارت إلى أهمية استثمارها في الاستزراع الرعوي وإنتاج المحاصيل والأعلاف والمحافظة على الغطاء النباتي والتنوع الحيوي وغير ذلك؛ وبذلك نكون قد تخلصنا من أخطارها وسلبياتها من جهة واستفدنا من هذه المياه التي لا تذهب هدراً فقط، بل يهدر معها الكثير من الإمكانات وتخرب البنى التحتية مثل الشوارع والأرصفة والأنفاق والجسور علاوةً على ما قد يترتب على ذلك من خسائر في الأرواح والممتلكات المتعلقة بالمواطنين. لم يعد مستساغًا أن يتم التعامل مع هذه الكميات الكبيرة من الأمطار بعملية الشفط التي تقوم بها بعض السيارات المحملة بالصهاريج «الوايتات»؛ لأن الأمر خاصة في حالات الأمطار الغزيرة يغدو كمن يغرف بحراً بملعقة، وهو وإن كان محاولة للتخفيف من معاناة الناس كان يمكن قبولها فيما مضى، إلا أن الأمر لم يعد كذلك مع وجود هذه الإستراتيجية التي تناولت المشكلة من كافة جوانبها، ووضعت الحلول العلمية والعملية الممكنة لها.. وإنه مما يدفع للثقة والاعتزاز أن يتم ذلك كله بأيد وعقول سعودية مخلصة من أبناء الوطن الذين عليهم- بعد عون الله- تعلق الآمال والطموحات وتتحقق بإذن الله.