قبيل بضعة أسابيع، كانت دعوات مجهولة، تشق طريقها إلى الشارع المصري، رافعة شعار "ثورة الغلابة"، من أجل عزل الرئيس، وإبعاد الجيش عن الحياة السياسية في مصر. وقامت حركة، حملت الاسم نفسه "غلابة"، بكتابة شعارات على الجدران وعلى العملات الورقية، والترويج عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مستغلة تردي الأوضاع الاقتصادية، وارتفاع الأسعار، والتي تتجرع مرارتها قطاعات واسعة من المصريين. وكانت جملة الشعارات المرفوعة تدور حول "الغلابة هتكسر العصابة" و "نازل ولا متنازل؟"، وغير ذلك من شعارات. وأطلقت الحركة "قسما" لمؤيديها وداعميها، مطالبة التقيد به لتحقيق الآمال المعقودة عليها، وهو قسم يرى أن "النزول إلى شوارع مصر كلها، يستهدف القضاء على ما وصفته بـ "عصابة النظام الفاسد، والقصاص من كل من قتل المصريين". ويضمن القسم تعهدا تحريضيا، مفاده "ألا أعود إلى بيتي إلا بعد إسقاط هذا النظام الفاسد، وتحرير مصر وشعبها، والله على ما أقول شهيد". وهنا، وإزاء الغموض، الذي واكب دعوات التظاهر، والتي حُدد لها موعدا الحادي عشر من نوفمبر/تشين الثاني الجاري"11/11"، بات السؤال عن الجهة الداعية إلى التظاهرات، وعلاقة "جماعة الإخوان المسلمين" المحظورة بها. إذ برزت مؤشرات واضحة إلى العلاقة المباشرة بين الدعوات والجماعة. ومنها الاستخدام الرمزي للتاريخ المعلن للتظاهر، والذي يستخدم الأرقام "الأربعة" المتشابهة، وهو ما يعني رفع الأصابع "الأربعة" في إشارة إلى اعتصام "رابعة" الشهير، الذي أعقب ثورة الثلاثين من يونيو 2013، وإطاحة حكم "جماعة الإخوان" علي يد الجيش المصري، بقيادة الفريق أول عبد الفتاح السيسي، الذي انحاز إلى الثورة، إبان تقلده منصب وزير الدفاع وقبل اعتلائه سدة الحكم في البلاد. والأمر الآخر، هو ما كشف عنه مصدر أمني مصري واسع الاطلاع؛ مشيرا إلى أن الأجهزة الأمنية المصرية رصدت اتصالات سرية، جرت بين القيادات الإخوانية الهاربة، خاصة في تركيا وقطر، وبين شباب الجماعة داخل مصر لترتيب التحركات لتظاهرات 11/11؛ حيث خططت الجماعة للنزول إلى الميادين، ومحاولة احتلال "ميدان النهضة" و "ميدان الشهيد هشام بركات" النائب العام المصري، الذي اغتيل قبل نحو عام وأُطلق اسمه على الميدان، الذي كانت تحتله "جماعة الإخوان" قبيل ثورة الثلاثين من يونيو، والذي حمل وقتها اسم "ميدان رابعة". ورصدت الأجهزة الأمنية - بحسب المصدر الأمني - أن قيادات الخارج طالبت شباب الجماعة باستغلال الأوضاع الاقتصادية، التي تمر بها مصر في ظل ارتفاع أسعار الوقود وبعض السلع الغذائية، والعمل علي إثارة المواطنين، وخاصة "البسطاء" منهم، وحثهم على النزول إلى الشوارع تحت شعار "ثورة الغلابة". وقد تضمنت توجيهات قيادات الخارج "مهاجمة مؤسسات الدولة ومواقع الشرطة والسجون لتهريب القيادات الإخوانية وأعضاء مكتب الإرشاد، بمن فيهم الرئيس السابق محمد مرسي، وتوسيع دائرة العنف في سيناء، لإحداث حالة من الارتباك الأمني، وتنفيذ تفجيرات في مناطق متفرقة في البلاد لتشتيت قوى الأمن ونشرها في مناطق متفرقة، والعمل على إنهاكها". ويبدو أن رصد الأجهزة الأمنية "المبكر" لأهداف الداعين إلي تظاهرات"11/11" قد حفزها علي العمل المبكر لإجهاض تحركات الجماعة وأتباعها، وإفشال السيناريوهات المعدة للتنفيذ، قبيل حلول اليوم المحدد، وهو ما دعا الأجهزة الأمنية للاستعداد التام لتأمين البلاد عبر مجموعة من الخطط الأمنية، تضمنت تعزيز الإجراءات الأمنية حول مؤسسات الدولة صبيحة هذا اليوم (11/11/2016)، والتركيز علي المواقع الشرطية والسجون، والاستعانة بقوات الأمن المركزي والعمليات الخاصة وقوات التدخل السريع، وذلك في إطار التنسيق مع القوات المسلحة، التي سبق أن أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي، في معرض رده غير المباشر على الداعين إلى تلك التظاهرات، أنها جاهزة للانتشار في أنحاء البلاد كافة، في فترة لا تتجاوز الساعات الست. هذا الرصد الدقيق لتحركات الجماعة وعناصرها داخل البلاد، سرعان ما أسفر عن الوصول إلى عناصر فاعلة، خططت للمشاركة المسلحة في دعوات هذا اليوم، والأيام السابقة له، لإثارة حالة من الفوضى في البلاد، حيث تمكنت الأجهزة الأمنية من إسقاط العديد من التنظيمات الإرهابية قبيل يوم"11/11"، كانت تستعد لتنفيذ جملة من عمليات العنف في مناطق متفرقة من البلاد، ومن بين أخطر التنظيمات التي تم الكشف عنها، هو ما سمي بـ "تنظيم الأكمنة". و"تنظيم الأكمنة"، الذي ضبطت الأجهزة الأمنية خمسة من عناصره، اعترفوا بأنهم خططوا لاستهداف أكمنة "المرج والسلام والخصوص" وعدة أكمنة شرطية أخرى، في نطاق القاهرة الكبرى، وأن الهدف من وراء هذه الهجمات هم "رجال الشرطة "لاغتيالهم بواسطة القنابل والعبوات الناسفة من أجل التسبب في وقوع خسائر بشرية فادحة، وخلق نوع من الفوضى في البلاد. وبحسب الأوراق التنظيمية والمنشورات التي ضبطت بحوزة المتهمين، فقد خططوا لارتكاب أعمال عدائية على نطاق واسع، وتوسيع دائرة العنف، وعودة مشاهد التفجيرات للعاصمة المصرية من جديد، وتشتيت قوى الأمن وإرهاقها. الدولة المصرية، التي أعلن مجلس وزرائها، الأربعاء (09/11/2016)، عن "الاستعداد لمواجهة أية محاولات تستهدف جر البلاد إلى مرحلة جديدة من الفوضى، تستند إلى بنود قانون التظاهر الجاري تعديله، والتي ترفض التظاهر من دون الحصول على موافقة رسمية من الجهات الرسمية، وهو ما لم يحدث لدى الداعين إلى تظاهرات"11/11". ولذا، سيتم التعامل مع الداعين إليها كخارجين عن القانون. وبطبيعة الحال، فإن إطلاق مثل هذه الدعوات إلى التظاهر لا ينفصل عن التوترات الاجتماعية المتنامية من جراء تفاقم الأزمات الاقتصادية الهيكلية، في ظل ما يصفه بعض المحللين بافتقاد السلطة التنفيذية في مصر لرؤية وسياسات تنموية مدروسة، وهو ما يسفر عن غياب الحاضنة الاجتماعية التي تعتمد عليها سياسيا، ويبرز عدد من الفجوات، التي تستغلها الجماعات المتربصة بالأوضاع السياسية المضطربة لتحقيق أهدافها، خاصة أن من الصعب استمرار الأوضاع على هذا النحو في ظل تحمل الجهاز الأمني وحده تبعات ما تتخذه السلطات من إجراءات اقتصادية حادة؛ حيث شكلت القرارات الحكومية الأخيرة، سواء بتحرير سعر الصرف، استجابة لمطالب صندوق النقد الدولي، وهو ما أفضى إلى انهيار قيمة الجنيه المصري بما يعادل ستين في المئة أمام الدولار الأمريكي، أو عبر حزمة ارتفاع أسعار المواد البترولية، التي أعلنت، مساء الخميس (03/11/2016)، والتي رفعت أسعار الطاقة ما بين 30-45 في المئة، شكلت تحديا لقدرات المواطنين، نجم عنه حالة من الاحتقان الشعبي، وهو أمر حاولت "جماعة الإخوان" استغلاله في دفع المزيد من الشرائح الاجتماعية لمشاركتها دعوتها إلى التظاهر في"11/11". ومن الواضح أن تذبذب سعر الدولار، وفشل الحكومة المصرية في السيطرة عليه، إضافة إلى ارتفاع الأسعار، قد دفع بالعديد من المحللين إلى مطالبة الحكومة المصرية بالتدرج المحسوب في تنفيذ قرارات الإصلاح الاقتصادي المأمول، وألا يكون الإصلاح كله منصبا على ارتفاع الأسعار، بل أن يمتد ليشمل المكافحة الجادة للتهرب الضريبي، وإعمال مبدأ الضرائب التصاعدية، ومراجعة الرواتب العالية لبعض الفئات، وترشيد الواردات، وإنهاض الصناعة، وإقالة السياحة من عثراتها. وكلها سياسات سوف تسهم في إجهاض أية دعوات مماثلة، وتحول دون حدوث هزات تؤثر علي مناخ الأمن والاستقرار في مصر. محمود بكري