تداولت وسائل التواصل الاجتماعي صورة لوزير الطاقة الياباني وهو ينحني -كما قيل- لمدة عشرين دقيقة أمام الشعب الياباني لانقطاع الكهرباء لمدة عشرين دقيقة..! وجدت نفسي أصطدم بالصورة في تويتر وفيس بوك وواتس أب عشرات المرات، مع سيل من التعليقات على الصورة وكلها طبعاً تهلل للوزير ولهذا الاحترام للشعب الذي أهينت كرامته بانقطاع الكهرباء ولن يعيدها سوى انحناءة الوزير عشرين دقيقة.. وهي في الواقع مدة طويلة وسوف تصيبه بالوجع والحمدلله أن الكهرباء انقطعت عشرين دقيقة وإلا لو انقطعت ساعتين كيف سيكون حال الوزير وهو منحنٍ كل هذه المدة؟ من المؤكد أنه سوف يحمل على المستشفى فوراً..! مقابل ذلك انهالت الشتائم على الوزراء وعلى من لم يهتموا بحال المواطن وهذه قضية أخرى خارج المقال وتحتاج بالتحديد شركة الكهرباء وفواتيرها المرتفعة وعدم احترامها للمشترك إلى سلسلة مقالات، ولكن القضية هنا تتعلق بانحناءة وزير الطاقة الياباني أمام المواطنين تكفيراً عن انقطاع الكهرباء..! حاولت التدقيق في الصورة فوجدت في خلفيتها وعلى لوحات كبيرة اسم شركة هوندا وأغلب من هم في الصف الأول مصورون وكاميرات تركز على الرجل المنحني مما يبدو أنه اجتماع.. بحثت عن صحة الصورة فوجدت أنها -أقصد الصورة- لرئيس شركة هوندا الجديد تاكاهيرو هاشيغو في أول مؤتمر صحفي له بعد توليه رئاسة شركة هوندا، داخل شركته وليس كما تم التعليق بأنه أمام الشعب الياباني الذي يحتاج أن يخرج في ساحات.. وليس في قاعة ونطلق أنه الشعب.. المشكلة ليست في عدم صحة ما هو مكتوب على الصورة ولكن في عدم تكليف الشخص نفسه بالتأكد من صحتها أو حقيقتها.. والتعليق دون فهم أو حتى قراءة للتعليقات السابقة أو التالية..! هذه الصورة نموذج فقط لما يجري من تعليقات على صور ومقاطع غير حقيقية تستغل لابتزاز عواطف المتابعين وتعليقاتهم وأحياناً زيادة متابعين.. ففي مقطع لشيخ يقول أن أبناءه رموه في دار المسنين لم يقنعني المقطع ورغم أنه وصلني على الواتس عدة مرات لكن لم يصل داخلي فبحثت عنه ووجدت أنه مشهد تمثيلي.. وكثير من المقاطع مشاهد تمثيلية يصدق الناس أنها حقيقية.. ويتفاعلون مع حقيقتها الواهمة.. دون تدقيق أو تمحيص أو فهم..! سيقول البعض أننا لسنا معنيين بتحليل صحة صورة أو مقطع نحن فقط متابعون، ولكن هل المتابع عليه أن يقتنع بما يراه دون أن يتأكد من صحته؟ هل عليه أن يصدق ما يراه دون أن يحرك مشاعره الداخلية وتخبره بأن مايراه مفبركاً أو تمثيلاً أو غير صحيح.. المشكلة ليست فقط في الصور والمقاطع ولكن أحياناً في تصريح أو أن أحدهم قال كذا.. وهو في الواقع لم يقل ونفى، وما قيل على لسانه غير صحيح ورغم قراءة ذلك التكذيب إلا أن المتابعين والمشاركين في وسائل التواصل الاجتماعي لا يصدقون إلا ما سمعوا به من المرة الأولى.. وعندما يعلق أحدهم أن ذلك غير صحيح تجد الذي بعده في التعليق يشتم ويسب ولا يعبأ بمن سبقه.. نحن أمام معضلة وهي الصورة والمشهد التمثيلي والخبر أو الحكاية المؤلّفة -وليست الحقيقية- الذي يخترق سياج المشاهد دون استئذان حتى لو كان غير صحيح.. هل نحن أمام أزمة وعي؟ وأزمة ثقافة وأزمة قراءة؟ أم أنها موجودة في الأصل وكشفتها مواقع التواصل الاجتماعي..!!