أبدى البعض استغرابهم من فشل مؤتمر جنيف الثاني الخاص بالمعضلة السورية، وعدم تحقيقه أي نتائج على الإطلاق، ما اضطر الأخضر الإبراهيمي للاعتذار للشعب السوري، ودفعه لتوجيه خطابه لجميع الأطراف ليعودوا إلى بيوتهم حتى إشعار آخر، ولكن البعض الآخر من المراقبين خصوصًا أكدوا أن الغريب حقًا هو نجاح هذا المؤتمر فيما لو نجح، لأن مقومات فشله بارزة للعيان من قبل انعقاده، وهو قد وُلد ميتًا كما يقال دائمًا، بل إن الوقائع تقول إن موافقة الحكم العلوي على المشاركة فيه لم تكن إلا لتوفير غطاء لعمليات إجرامية غير مسبوقة كان ينوي القيام بها، وليس هناك من فرصة سانحة أفضل من أيام المؤتمر. وقد حدث ذلك فعلًا، وقُتل من الشعب السوري خلال التحضير للمؤتمر وأثناء انعقاده أعداد لا توازيها أعداد من قتلوا خلال أشهر عدة مضت، كما أن موافقة الحكم الصفوي الرافضي ارتبطت بما قدمه على أنه بادرة حسن النية من السماح بإجلاء بعض المدنيين من حمص القديمة ممن صرعهم الجوع والمرض، ولم تكن تلك إلا بادرة سوء نية وطوية لغربلة هؤلاء السكان والقبض على من يريدهم الحكم النصيري إضافة إلى الشبان عامة الذين سبقوا إلى معتقلاته وزنازينه بالمئات وما يزال معظمهم فيها حتى كتابة هذه السطور. ذلك من ناحية، ومن ناحية أخرى حرص الحكم الفاشي على إخراج من استطاع إخراجهم من أهالي حمص القديمة من الصامدين الذين كانوا يرفضون الخروج على مدى أعوام رغم القتل والتدمير والجوع والبؤس والمرض لأنهم يعلمون حق العلم أنه بمجرد خروجهم من منازلهم وأحيائهم فسيتم تسكين زبانية النظام فيها من العلويين والشيعة اللبنانيين إضافة إلى الإيرانيين الذين وصلوا إلى سورية بالآلاف وجنّسهم الحكم العلوي بالجنسية السورية ليغير ديموغرافية الشام التي كانت وما تزال سنية منذ عهد معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه الذي تلعنه الرافضة قاتلهم الله. وعليه فإن مشاركة الحكم العلوي في (جنيف 2) لم تكن إلا لتحقيق جملة من المآرب التي كان يصعب تحقيقها لو أنه رفض المشاركة. ذلك عامل من عوامل إخفاق المؤتمر المعروفة من قبل انعقاده. والعامل الآخر الأنكى والأشد بلاء هو وقوف قياصرة روسيا إلى جانب الحكم العلوي وقفة لم يشهد التأريخ مثيلًا لها من جميع الدول المستعمِرة إمبريالية كانت أو شيوعية، فالقياصرة يعلمون حق العلم أن الحكم العلوي هو حليفهم الوحيد في المنطقة، وأنهم بحاجة إليه لتوفير موطئ قدم لهم في المياه الدافئة، وتوفير مركز لتوزيع نفطهم وغازهم وكازهم التي يقتاتون منها جميعًا، فروسيا ليست دولة صناعية كبرى كما يظن كثير من الناس، بل هي دولة يعتمد اقتصادها بالدرجة الأولى على الموارد الطبيعية، والدليل على ذلك أنها كانت أوشكت أن تعلن إفلاسها قبل عقد ونيف لولا أن أسعار النفط التي قفزت قفزات هائلة أنقذتها في المرحلة الحرجة. أما صناعاتها بما فيها أسلحتها فهي من الرداءة بحيث لا يشتريها إلا المفلسون أمثالها: المفلسون اقتصاديًا وسياسيًا، والذين يحتاجون إلى دعمها السياسي واللوجستي والعسكري لعدم شرعيتهم من أمثال بشار الأسد ومن شابهه، وقد تحدثت تقارير عسكرية كثيرة عن رداءة السلاح الروسي وتخلفه عن أسلحة الدول الأخرى بحيث لا يمكن خوض الحروب به اليوم، فمن يشتريه لا يشتريه إلا لقمع شعبه داخل بلاده تمامًا كما فعل بشار. وهؤلاء القياصرة هم أعدى أعداء العرب والمسلمين على مدى الدهر، ولا تهمهم ديمقراطية أو غيرها بل هم دائبون على دعم أي حكم ديكتاتوري قبل أن يقوم وبعد أن يقوم شريطة أن يسخر هذا الحكم موارد شعبه ومقدراته لخدمة أهداف القياصرة لقاء دعم الديكتاتور وتأييده وضمان عدم نجاح أي ثورة عليه، فالقياصرة يملكون "حق الباطل": حق الفيتو، ويستطيعون إفشال أي قرار أممي لا يكون في صالح خدمهم وعملائهم من الطغاة والمستبدين والحكام غير الشرعيين وفي مقدمتهم بشار الأسد. وبعد أن فشل (جنيف 2) ومن قبله (جنيف 1) ومن أهم مقومات فشلهما وفشل أي مؤتمر قادم تحيّز القياصرة وعداؤهم للأمة العربية والإسلامية، لابد من أن تكون للأمة العربية والإسلامية وقفة مع المصالح الروسية فيها مهما كانت ضئيلة، وعدم التعامل مع روسيا اقتصاديًا أو مساعدتها في فرض هيمنتها في أي بقعة من البقاع العربية والإسلامية، ولا يكون ذلك إلا بقرار شجاع من القادة العرب والمسلمين. Moraif@kau.edu.sa للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (53) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain