حوادث العنف الأسري طفحت على السطح، وكل يوم نسمع ونقرأ عن قضية عنف حدثت هنا أو هناك كـ(الضرب والاعتداء والعضل والحرمان من ممارسة الحقوق الطبيعية في الحياة مثل التعليم والزواج) وقد تنوعت القضايا بتنوع أمزجة الأشخاص الممارسين لهذا العنف حتى بلغ مرحلة إزهاق الروح . ومع جريان حالات العنف ظلت وسائل محاربته تقف عند استقبال الحدث من غير وجود مبادرات متقدمة لاجتثاث هذه الظاهرة . وقد يكون السبب في عدم تقدم وسائل محاربة هذا العنف خصوصية النظام الاجتماعي الذي نعيش فيه، حيث يتقبل المعنف أو المعنفة صنوف التعنيف بالصمت لمعرفته ما قد يحدث له من نبذ وإقصاء من محيط أسرته لو أنه باح بما يجده من تعنيف ويقينه بأنه لن يجد جهة تحتويه بعد البوح بما يجده من تعنيف احتواء كاملا . ومشكلة المؤسسات الاجتماعية لدينا انتظارها حدوث العنف والتعامل مع كل قضية بمفردها من غير وجود خطة استراتيجية تستهدف معالجة العنف واستقبال حالاته قبل أن تصل إلى المراحل المتقدمة كإزهاق الروح وهو تعامل لا يليق بمؤسسة أنشئت من أجل استباق الحدث لا انتظار وقوعه، واستباق الحدث يقتضي وجود أنظمة متقدمة أيضا تمكن هذه المؤسسات من حماية أفراد الأسرة قبل تطور العنف ووصوله إلى مرحلة إزهاق الروح سواء من المعنف أو ممن يقع عليه التعنيف كتعبير صارخ عن يأسه وضيقه الشديد مما يجد فيلجأ إلى الانتحار . فدور الحماية مثلا لاتستطيع استباق نتائج حالات العنف بالوصول إلى بيت المعنفة أو المعنف وإنقاذه فهذا ليس من صلاحياتها فهي دور الحماية تستلم الحالات المحولة إليها من قبل الشرطة والمؤسسات الإصلاحية والاجتماعية بينما لو تقدم النظام في إجراءاته بمنح الدور الصلاحية باستقبال الحالات تلفونيا وبمجرد التبليغ بوقوع العنف تقوم دور الحماية باستكمال بقية الإجراءات كالاتصال بالشرطة، وتأمين المسكن، والعناية الصحية والنفسية ومن غير إعادة النظر في صلاحيات الجهات المحاربة للعنف الأسري فسوف نظل مستقبلين للحدث وليس سباقين في محاربة العنف. وكان من الضروري على وزارة الشؤون الاجتماعية العمل على تجديد وتطوير آليات مواجهة العنف بإعطاء المزيد من الصلاحيات لدور الحماية (أو المطالبة بها) بدلا من أن تكون جهة إيواء أو جهة تنتظر حدوث الحادثة، وأعتقد لو حدث تقدم في الإجراءات ربما استطعنا تجفيف منابع العنف الأسري بصورة أفضل مما هي عليه الآن .