"عندما نعطي نُلهم الآخرين على العطاء"، هذا ما قاله الملياردير الأميركي "وارن بافت" أحد أغنى أغنياء العالم، حين أطلق مبادرته الخيرية في التبرع بنصف ثروته الشهيرة "وعد العطاء" مع صديقه الملياردير "بيل جيتس" صاحب شركة "مايكروسوفت" الذي تبرع هو الآخر بما يزيد عن نصف ثروته، إذ تُقدر ثروة بافت بما يزيد عن 54 مليار دولار، فيما يفوقه "جيتس" بما يزيد عن 67 مليار دولار، ولكم أن تتخيلوا حجم نصف ثروتهما التي تبرعا بها للأعمال الخيرية الإنسانية كم ستعادل، والمسألة لم تقف لديهما عند حد التبرع فقط، بل استطاعا عبر تلك المبادرة الخيرية أن يحرضا ما يقارب أربعين مليارديرا من أغنياء العالم الغربي ليس فيهم عربي سوى واحد من أصل عربي ـ بحسب معلوماتي ـ وهو الملياردير البريطاني السوداني الأصل محمد إبراهيم، ليتبرعوا بنصف ثرواتهم عبر تلك المبادرة "وعد العطاء"، التي تقضي بتعهد الأثرياء المنتمين لها بذلك للأعمال الخيرية والإنسانية، وما لفت انتباهي مقولة أحد هؤلاء المليارديرات الذين انضم لمبادرتهما، وهو الملياردير الروسي "فلاديمير بوتانين"، بأنه "فعل ذلك لا ليخلد اسمه كفاعل للخير وإنما ليرسخ قيما معينة لدى أبنائه ولحمايتهم من عبء الثروة المبالغ فيها ومن مضارها التي من بينها، أن يفقدوا الدافع لتحقيق إنجازات جديدة أثناء حياتهم المستقلة" وطبعا ممن انضم لهذه المبادرة مؤسس الفيسبوك ورئيس شركة إنتل وآخرين. وبعيدا عما يُحسر قلوبنا العربية، بما يفعله أثرياء الغرب الذين يعيشون واقعا مزدهرا في بلادهم مختلفا تماما عن الواقع في بلادنا العربية، التي أنهكتها الحروب والنزعات الطائفية والسياسية، فأكثرت من الأرامل واليتامى وذوي الاحتياجات الخاصة، ونشرت الفقر والمرض والجهل، لتزداد ثروات أثرياء العرب ثراء، ويزداد الفقراء فقرا، دون أن نرى هكذا مبادرات "تنعش القلب العربي الحزين"، حتى خرجت علينا - منذ أسابيع قليلة - الفتاة السعودية ابنة الـ17 عاما، التي رفضت حتى الإشارة إلى هويتها، لتتبرع بـ50 مليون ريال تمثل ربع ما تملكه من ميراثها، وسجلته في المحكمة كوقف للأعمال الخيرية، وقبل الأمس لحقتها إحدى المليارديرات السعوديات سيدة مُسنة "80 عاما" لتتبرع بنصف مليار ريال أي خمسمئة مليون ريال، كامل ثروتها، ووثقت ذلك في المحكمة العامة بالرياض لأجل الأعمال الخيرية. وبصدق أعظم الخير أن تكون ملهما بسنّ سنة حسنة، وقد ألهمت مراهقة سعودية ابنة 17 عاما السيدة الثمانينة لأن تقوم بما قامت به ـ بارك الله في حياتهما ـ ويؤكدا أن النساء فعلنها في ظل تقاعس أثريائنا الرجال، الذين يتبرعون بأقل القليل ولا ينسون خلال تبرعاتهم فلاشات الصحفيين لتغطيتها، فيما ينسون أن ما يخرجونه من أموالهم وحساباتهم "المليارديرية" يزيد منها لا ينقصها، وهو ما يؤكده ديننا العظيم بالنص القرآني، وليس عليهم إلا أن يتأملوا فقط في ثروة الملياردير "بيل جيتس"، الذي تبرع بنصفها للأعمال الخيرية، إذ يحتل مرتبة ثاني أغنى أغنياء العالم للسنوات الثلاث الماضية، إذ بلغت ثروته عام 2010 "53 مليارا"، وفي 2011 "56 مليارا"، وفي 2012 "61 مليارا"، وفي 2013 "67 مليارا"، فهل لديهم قدرة الاستيعاب أم لا؟!