استقر سعر خام برنت في الربعين الثاني والثالث للعام الحالي عند 45-46 دولارا للبرميل وهو اقل بقليل من معدل سعره بالربع الثالث لعام 2015م الذي كان عند 50.5 دولار. ولأن اسعار الغاز العالمية مرتبطة بطريقة غير مباشرة باسعار النفط فلقد انخفض ايضا معدل سعر الغاز الطبيعي في الربعين الثاني والثالث من هذا العام بحوالي 23% عن مستويات الربع الثالث من العام الماضي. الاكيد ان انخفاض اسعار الطاقة اضر بالشركات العالمية. وتعتبر شركات شل وتوتال وبريتش بتروليوم BP اهم الشركات الأوروبية العاملة بهذا القطاع بعد الشركتين الامريكيتين اكسون موبيل وشيفرون. وربما يؤدي القاء الضوء على اداء هذه الشركات تصور ما يحصل بعالم الطاقة من متغيرات ولو بشكل مختصر. قبل ايام اعلنت شركات شل وبريتش بتروليوم وتوتال نتائجها المالية للربع الثالث من العام الحالي وجاءت النتائج جيدة بالمجمل وتحمل بطياتها بعض الامل لصناعة النفط والغاز بالعالم. ولقد ربحت شركة شل وهي ثاني اكبر شركة نفط بالعالم غير حكومية بعد اكسون حوالي 2.8 مليار دولار بالربع الثالث مقابل مليار دولار فقط بالربع الثاني وحوالي 2.4 مليار دولار بالربع الثالث لعام 2015م. وهذا يشير الى ان شل بدأت بالتعافي. وكانت نتائج شل بالربع الثالث كالتالي: ربحت عمليات انتاج النفط 4 ملايين دولار فقط بعد خسارة 1.32 مليار دولار بالربع الثاني 2016م. والجدير بالذكر ان شل تنتج حوالي 4 ملايين برميل باليوم منها مليون برميل من امريكا الشمالية. واما قطاع التكرير بشل فقد كان الحصان الاسود لارباح الربع الثالث حيث جاءت الارباح مرتفعة وسجلت 2.1 مليار دولار. ولكن اهم ما يميز أرباح شل للربع الثالث هو قطاع الغاز الطبيعي. ومن المعلوم ان شل ركزت بالسنوات الاخيرة على هذا القطاع خاصة بعد استحواذها على شركة BG البريطانية للغاز الطبيعي وهذا ما اكد نظرة شل وسياستها بالتحول التدريجي من شركة نفط وتكرير الى شركة يغلب على ادائها انتاج وصناعة الغاز الطبيعي. ربح قطاع الغاز الطبيعي في شل بالربع الثالث 931 مليون دولار وهو اعلى من ارباح الربع الثاني واعلى من ارباح الربع الثالث لعام 2015م. وهذا يدل على اهتمام شل بالغاز الطبيعي ومحاولة الاستفادة القصوى منه ولاسيما في ظل الاستثمارات الهائلة التي انفقتها شل على الغاز الطبيعي. ويكفي ان نعلم ان انتاج الغاز في شل يتخطى 50% من اجمالي انتاج الشركة وهذا يعني ان شل اضحت اقرب لكونها شركة غاز من شركة نفط. وتستحوذ شل الان على 20% من اسواق الغاز المسال ولها ناقلات عملاقة تجوب البحار محملة بالغاز، والجدير بالذكر ان انتاجها من الغاز المسال يبلغ ضعف انتاج اقرب منافس لها وهي شركة اكسون. واما شركة بريتش بتروليوم فلقد ربحت بالربع الثالث 1.7 مليار دولار بعد ان حققت خسارة كبيرة بالربع الثاني تقدر بحوالي 2.25 مليار دولار وهذا يعني ان اداءها بهذا الربع قد تحسن بشكل يثير الدهشة. ولقد خسرت بريتش بتروليوم في اخر سنتين حوالي 9 مليارات دولار ولكنها كانت قد ربحت ما بين 2011-2014م حوالي 60 مليار دولار مما يجعلها قوية وقادرة على مواجهة التحديات. ولكن الملاحظ ان ارباح قطاع انتاج النفط قد ارتفعت بالربع الثالث الى 1.2 مليار دولار بعد ان حقق خسارة 100 مليون دولار بالربع الثاني. وانخفضت ارباح بريتش بتروليوم من حصتها مع شركة روزنفت الروسية الى حوالي 120 مليون دولار بعد ان وصلت الى 382 مليون دولار بالربع الثاني 2015م وهو ما يوحي بأن صناعة النفط الروسية ليست بأحسن حالاتها. واما شركة توتال الفرنسية فلقد ربحت حوالي 2 مليار دولار للربع الثاني وحققت تقريبا نفس الارباح بالربع الثالث لهذا العام وهو ضعف ارباحها للربع الثالث من عام 2015م وهذه اشارة الى تعافي صناعة النفط للشركات الاوروبية. ربحت توتال من اعمالها بانتاج النفط والغاز حوالي 900 مليون دولار بالربع الثالث وتقريبا نفس المبلغ من اعمالها بقطاع التكرير والبتروكيماويات. وهذا يختلف عن نتائج شل التي ربحت فقط 4 ملايين دولار من اعمالها بانتاج النفط. والغريب ان توتال لم تحقق خسائر بقطاع انتاج النفط حتى بالارباع السابقة وحافظت تقريبا على ربحية حوالي مليار دولار. ومن هنا يستطيع المراقب ان يستنتج ان لكل شركة ظروفها ونقاط قوة ونقاط ضعف. بريتش بتروليوم عالقة بالقضايا بالمحاكم الامريكية بينما شل استثمرت 54 مليار دولار بشراء BG وبعدها انهارت اسعار الطاقة. وتحاول توتال الان الدخول والاستثمار بصناعة النفط والغاز الايرانية بعد رفع العقوبات وهي تشابه شل بهذه الاستراتيجية. وبالنظر الى الشكل نجد ان شل وتوتال اكبر الشركات الخمس من حيث معدل انتاج الغاز الى السوائل النفطية. ولكن بالنظر الى نتائج الشركات العالمية الخمس العملاقة نجد ان نتائج الشركات الاوروبية الثلاث توتال وشل وBP في عمليات انتاج النفط والغاز وبشكل عام افضل من نتائج شيفرون واكسون موبيل الامريكيتين اللتين حققتا ارباحا عن عمليات الزيت والغاز في الربع الثالث بحوالي نصف مليار دولار لكل شركة. بينما ربحت توتال 900 مليون دولار وبريتش بتروليوم 1.3 مليار دولار (يشمل حصتها بروزنفت) واما شل فقد ربحت 935 مليون دولار كلها تقريبا من صناعة الغاز بينما خرج قطاع انتاج النفط بشل بدون ربح وبدون خسائر. الحقيقة ان اكسون وشيفرون حققتا خسائر كبيرة تقارب 2 مليار دولار بالتسعة الاشهر الاولى لهذا العام من انتاج النفط التقليدي والصخري بامريكا. وهذا يدل على ان تجارة النفط الصخري قد اضرت بالمنتجين على الاراضي الامريكية بشكل كبير. ويكاد يتسبب بافلاس كثير من شركات النفط العاملة على الاراضي الامريكية. فلقد وصلت اسعار الغاز بامريكا الى اقل من 2 دولار للمليون وحدة حرارية واسعار النفط الى اقل من 30 دولارا للبرميل وهذا اقل من كلفة الانتاج لكثير من حقول الزيت والغاز غير التقليدي. قد تكون شيفرون وبريتش بتروليوم الاسوأ اداء في 2016م لعدة اسباب منها تورط شيفرون بمشاريع الغاز الاسترالية التي ارتفعت كلفتها بشكل كبير مع انخفاض اسعار الغاز العالمية بالاضافة الى تورطها بمشاريع الغاز والزيت غير التقليدي بامريكا الشمالية. واما سوء أداء بريتش بتروليوم فبسبب التعويضات والقضايا بالمحاكم الامريكية. وفي الختام وبحسب الشكل نجد ان شيفرون هي اكثر الشركات الخمس الكبرى من ناحية نسبة انتاج السوائل الى الغاز. وتشكل السوائل حوالي 66% من انتاج شيفرون بينما يشكل انتاج الغاز حوالي 44%. اما شل فيشكل انتاج السوائل اقل نسبة مقارنة بالشركات الاخرى اذ تصل نسبة انتاج السوائل الى 49% والباقي 51% غاز وتأتي توتال وBP بعد شل. وبهذا نستطيع القول ان الشركات الاوروبية تتجه للتوسع بانتاج الغاز الطبيعي على حساب النفط والسوائل البترولية. بينما استثمرت الشركات الامريكية الكثير من المال بمشاريع الزيت والغاز غير التقليدي مرتفع الكلفة. تتغير احوال صناعة النفط والغاز بمرور الايام والشركة الرابحة هي ما تستطيع قراءة المستقبل وتغير استراتيجياتها بشكل افضل من منافسيها. ولمواجهة التحديات المستقبلية أعلنت مؤخرا شركات النفط والغاز الكبرى مبادرتها بشأن المناخ ورصدت مليار دولار لإنشاء صندوق للاستثمار وعلى مدى عشر سنوات بالتقنيات التي تساعد على حماية البيئة، وكانت ارامكو السعودية من ابرز هذه الشركات. وتعهدت ارامكو باستثمار مبلغ 100 مليون دولار، بهدف تطوير تقنيات مبتكرة وتسريع وتيرة الاستثمار التجاري لها بما يسهم في خفض الانبعاثات الكربونية. تعهدت أرامكو باستثمار مبلغ 100 مليون دولار، بهدف تطوير تقنيات مبتكرة وتسريع وتيرة الاستثمار التجاري لها بما يسهم في خفض الانبعاثات الكربونية.