بقاء المؤسسة الرئاسية والحكومة اليمنية خارج الميدان الفعلي للحزم والحسم، أمر يضعف الشرعية والتحالف العربي معاً، ويقدم أوراقاً مجانية لتحالف صالح والحوثيين الذين يتباهون ليل نهار بأنهم باقون على الأرض، وأن مناوئيهم هاربون ينتظرون الحلول الجاهزة في أروقة الفنادق الفاخرة وحواضن اللجوء الدافئ. قبل حين كانت الذريعة وجود قوات صالح والحوثي في عدن.. لكن وفي ذات الوقت العصيب وسقوط جل مديريات عدن بيد الحوثيين وأنصار صالح لم يفت ذلك الأمر من عضد المقاومة الشعبية الشبابية العدنية الباسلة، ولم يمنع قوات التحالف العربي ، وفي مقدمتها قوات الإمارات من إنهاء وجود أسلحة ومعسكرات الحوثي وصالح، وتحقيق نصر مؤزر، من خلال منظومة القوات العربية والمقاومة الشعبية، وقد تسارعت حينها وتيرة الإنجازات الميدانية والعملياتية الشاملة من خلال إعادة تأهيل المنشآت الخدماتية الأساسية وفي مقدمتها منشآت الكهرباء والمياه والمدارس. لكن جيوب الشر والعدوان، وكما كان متوقعاً، ظلت كامنة هنا وهناك، وحاولت أكثر من مرة استخدام الفقاقيع الصاروخية العشوائية، لكنها اندحرت في نهاية المطاف، لتبقى عدن مدينة خالية تماماً من الحوثيين وأنصار صالح، وكانت هذه الحقيقة المجردة منطلقاً متيناً للشروع في تحرير بقية المناطق، بالترافق مع إعادة مأسسة الدولة من خلال عدن الكبرى وامتداداتها، وهذا ما حدث عملياً على خط مأرب وباب المندب، وسيمضي قدماً صوب الحديدة وتعز، وصولاً إلى صنعاء. في مثل هذه الأحوال كان من الطبيعي أن يتم ترسيخ قواعد الشرعية في الداخل، ذلك أن حجة عدم استتباب الأمن في عدن تقدم خدمة مجانية لصالح والحوثيين، بل إنهم ينتشون الآن فرحاً بهذا التخلي المريب من قبل البعض، عن منجز كبير يتمثل في تحرير عدن ولحج وأبين، وأجزاء واسعة من تعز وشبوة ومأرب والتهائم اليمنية. هذه الحرب المفروضة أساساً من قبل التحالف الانقلابي لصالح والحوثيين، لا يمكن لها أن تغالب الشر إلا بذات الأدوات التي يعرفها وينصاع لها المجرمون، وقد دلت الأيام على مصداقية وجبرية هذه الحقيقة، فالحوثيون والصالحيون، ليسوا في وارد التعامل مع المعطى السياسي المنطقي، بل إنهم يراهنون على تمديد الحرب، وعلى المزيد من تعطيل الدولة، كما أنهم يرتعبون من أي نجاح جزئي في أي منطقة يمنية، ولهذا كان تركيزهم على مدن الحسم والحزم في عدن وتعز، وما زالوا يراهنون على الخرائب التي تتكامل مع خذلان المتخاذلين المنتظرين للحلول السحرية الساقطة من علياء السماء. وبهذه المناسبة تجدر الإشارة إلى الإمكانية الواقعية لاتخاذ حلول جوهرية ترتبط بتعزيز وضع القيادات الميدانية في المناطق المحررة، ولعل تشكيل مجالس تشاركية في اتخاذ القرارات وترتيب الأوليات سيردم الفراغ الناجم عن الاختلال الهيكلي القاهر، في ظل غياب أبرز القيادات العليا وارتباك الهرم التسلسلي في الأداء والتسيير، مما يؤثر سلباً في استكمال التحرير العسكري باستعادة الدولة ووظائفها، وقطع الطريق على مدبري الفوضى المدمرة، فالمطلوب حصراً وجوهراً أن تقدم عدن النموذج الناصع للدولة القادمة، وأن يبدأ العهد الجديد بقوة دفع لا تعرف الانتظار ولا تراهن على الحلول السحرية القادمة من فراغ الانتظار اللزج. ليس من خيار أمام مؤسستي الرئاسة والحكومة المقيمتين في الرياض سوى متابعة دفع الاستحقاق الأكبر من خلال التموضع العملياتي الشجاع في الداخل.. واستكمال العملية السياسية وفق المستجدات، والرهان على رجال الداخل المقاوم، الصادقين مع أنفسهم وشعبهم، وللحلفاء العرب كل الحق في استكمال مشروع النصر من خلال استحقاقاته المؤلمة، فما يجري في اليمن يعيد للأمة كرامتها المهدرة، ويقدم للعالم رسالة ناجزة تتلخص في تغيير قواعد اللعبة التي تم التآلف معها لعقود خلت، وترسيخ الكيان العربي الموحد بقدر تعدده، والقابل لإصلاح الحال من خلال عبقرية التنوع التي لا تتعارض مع التكامل. omaraziz105@gmail.com