×
محافظة الرياض

شاهد: مفحط بصحبة فتاتين يستعرض وسط حشد كبير من المتجمهرين

صورة الخبر

الشارقة: محمدو لحبيب بعد صراع شرس مع مرض السرطان، توفي أمس الأول الممثل والمخرج المسرحي التونسي المنصف السويسي، لتنتهي بذلك مسيرة من الفعل الإبداعي الفني، كوّن خلالها فقيد المسرح العربي، أجيالا من المسرحيين والفنانين العرب على المستويين الأكاديمي والميداني، وذلك على امتداد الخريطة العربية من الماء إلى الماء، وعرّف خلالها بالمسرح التونسي في مختلف الأقطار العربية، وعرض الأعمال التونسية في أقطار عربية مغاربية ومشرقية وخليجية عديدة، هي: العراق، والكويت، والإمارات، وقطر، والبحرين، والأردن، وسوريا. يعتبر السويسي أول مخرج نقل المسرحيات التونسية إلى تلك الأقطار، تماماً كما كان أول سفير للمسرح الإماراتي في رومانيا، فمسرحيتا صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة النمرود، والحجر الأسود قدمهما السويسي في رومانيا، وقد خلق تواصلاً عربياً فعالا، عن طريق تأسيس مهرجان أيام قرطاج المسرحية الذي فتح الباب للفرق العربية، لتتعامل ولتتعاون ويعرف بعضها بعضاً، ونتج عن ذلك جولات مسرحية وتبادل للزيارات. على صعيد الإخراج أخرج الراحل السويسي أعمالاً مسرحية عربية عديدة في أكثر من بلد عربي، ففي الكويت أخرج باي باي لندن وباي باي عرب والقرار ورأس أمول ومدينة المقنعين.. وفي قطر أخرج رحلة جحا إلى جزيرة النزهاء وفي الإمارات عدا عن الحجر الأسود والنمرود وطورغوت هناك مسرحية دوائر الخرص وفي مصر وا قدساه، وفي الأردنالبلاد طلبت أهلها، وكلها كانت بإنتاج عربي مشترك. تلقى السويسي كما كبيراً من الجوائز والتقديرات والتكريمات عن مجمل أعماله المسرحية، وكانت كما يصفها هو نفسه ليست مجرد جوائز كيفية بل كمية، ذلك أنه عمل للمسرح على مدى خمسين سنة بلا توقف، ولم يشغل نفسه بأي شيء غيره، وفي جعبته سبعون عملاً مسرحياً، ووصل معدل عروض أعماله إلى 200 عرض في السنة، وهذا رقم كمي كبير، ويعتبر السويسي من المسرحيين الذين نجحوا في حل المعادلة الصعبة القائمة على النجاح الفني إلى جانب النجاح الجماهيري. لم يكن السويسي فناناً منتجاً للمسرح فقط، بل كان كذلك مؤسساً لمؤسسات مسرحية، منها فرقته الخاصة، والفرقة المسرحية المحترفة لمدينة الكاف التي كانت الأساس الذي انطلق منه المرحوم السويسي في أعماله، ثم أسهم في تأسيس فرقة مسرح الجنوب في قفصة، حيث بعث فريقاً من الكاف لتأسيس تلك الفرقة، ثم بعدها فرقة مدينة القيروان في الوسط، وهي مدينة عقبة بن نافع رضي الله عنه، وهي عاصمة الثقافة في تونس، وكانت كل تلك الفرق على نهج فرقة الكاف، ولديها التوجهات الفكرية والاختيارات الجمالية نفسها، ثم أسس السويسي سنة 1975 مهرجان مسرح البحر الأبيض المتوسط، في كراكت حلق الواد في القلعة الأثرية الإسبانية في مدينة تونس، ولا يزال هذا المهرجان قائماً حتى الآن، ثم أسس المسرح الوطني في قطر، ثم مسرح الطليعة في الكويت، وهناك أخرج باكورة أعماله وهي السؤال للكاتب العراقي محي الدين زنكنة، ثم أسس المسرح الوطني في الإمارات الذي جمع فيه آنذاك كل الفرق الفنية، وأشرف فيه على أول دورة نظمتها وزارة الثقافة سنة 1982، وكان من المتدربين فيها أحمد الجسمي، ومحمد يوسف وغيرهما من المسرحيين الإماراتيين البارزين اليوم. أسس الراحل السويسي بعد ذلك المسرح الوطني التونسي سنة 1983، ومهرجان أيام قرطاج المسرحية كبعد تنشيطي لأعمال المسرح الوطني التونسي، وهو مهرجان عربي إفريقي دولي يقام مرة كل سنتين، بعدها أنشأ مؤسسة خاصة سماها سويسي فنون. كانت للسويسي لمسته الاحتفالية الخاصة بمسرحه، وتختصر عنده تلك اللمسة موضوع المشاركة وتوريط المتفرج، ذلك أنه كان يقدم مسرح اللحظة والظرف والتاريخ في الوقت نفسه، إلى جانب مسرح الفرجة الشعبية، مسرح الاتصال المباشر والعلاقة الحميمية، وقوة حرارة التواصل. كان الراحل السويسي يؤمن بأن المسرح قطبان، وليس قطباً واحداً، فهو ليس الممثل فقط، فالممثل مرسل، ولا بد له من متلقٍّ، وإذا لم يجد المتلقي المتفاعل لا يتحقق التواصل، وإذا لم يتحقق التواصل، فلن يتحقق الهدف الأسمى من المسرح الذي هو التطهير والتغيير، فبالمسرح يتطهر الإنسان لكي يتغير ويغير. وقد كان الراحل حريصاً جداً على صحة تلك العلاقة بين الممثل والمتلقي وبين الممثل والجمهور، مراعياً أن تكون علاقة صحية متينة نابضة بالحياة، تلقائية عفوية مقامة على الصدق في التلاقي والتفاعل. يعتبر السويسي أن المسرح فعل مادي تطبيقي لا بد له من تنفيذ أو إنجاز، وليس تصوراً فكرياً فقط. لذلك كان يخلط آليات ووسائل وأساليب عدة يكيفها كل مرة حسب الموضوع وحسب خصوصية المضمون، وحسب خصوصية الجمهور والمجتمع، فهو يعتبر أنه لا يوجد مسرح في المطلق، مثلما أنه لا يوجد مسرح في الأفكار النظرية أو الافتراضية. في عمله على مسرحيات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة النمرود والحجر الأسود وطورغوت ويعتبر أن ما شده إلى تلك المسرحيات هو المضمون الفكري الذي هو مضمون ثوري، تقدمي، إنساني يدافع عن عبقرية الإنسان وقدسية الإنسان وحقوقه، ومكانة الإنسان الذي ينبغي أن يكون حراً يعيش في مجتمع المساواة والعدل، فمضمون المسرحيات يعالج قضايا هي من مشاغل الواقع الآنية ويجد لها صدى في التاريخ، ويجد لها صدى في نبشه للماضي، ولكنه يستحضر هذا الماضي ليس من أجل هذا الماضي، وإنما من أجل الحاضر والمستقبل، ويرى أن التاريخ فيها يصاغ بصيغ جديدة، فهو لا يتكرر لأن الصياغة جديدة، ذلك أن صاحب السمو حاكم الشارقة يتحدث في كتاباته المسرحية عن اليوم في فضاء الأمس، وهذا يخلق نوعاً من التباعد أو التغريب البريشتي لدى المتفرج، فالمتفرج يتفرج وهو يقارن بين ما يعيشه هو وبين هذا التاريخ، وهذا ملمح إبداعي جيد. ذلك أن النص لا يسقط في المباشرة، لا يحدث الناس عن أحوالهم بشكل مباشر، لأن المباشرة يمكن أن تكون لغة السياسة أو لغة الصحافة، ولكن ليست لغة المسرح والأدب والفن. وقد كان الراحل السويسي يرى أن نصوص سموه تحمل كثيراً من الإيحائية، فهو يحيلك عن طريق نموذج ماض إلى أشياء في الواقع، فحين تتفرج على مسرحية النمرود لا يمكن إلا أن يطوف بذهنك كل أشكال النماريد الذين تعرفهم في حياتك، وكل متسلط أو متجبر، كل منغلق أو مستبد بالنفوذ، كل من يلغي الحوار، ويلغي الآخر ولا يرى إلا شخصه، ويصاب بعقدة الكبرياء والتعالي والغرور. النقطة الثانية التي كان السويسي يقول إنها اجتذبته إلى مسرح صاحب السمو حاكم الشارقة، هي أنه يكتب للمسرح من دون ادعاء أو تكلف، ومن دون ثرثرة كلامية زائدة، فليس في نصوصه لغو ولا تستطيع أن تحذف شيئاً منها، فهو يعطيك المختصر المفيد كما يقال، الذي يتيح لك أن تستعمل خيالك، وأن تسرح في النص كما تريد وتستنطقه كما تشاء، وهذه سمة من سمات النصوص الأركيولوجية العميقة. ترك السويسي رحمه الله ميراثاً مسرحياً يستحق الاحتفاء، ويعد بأن يتحول دوماً إلى عنقاء رمزية تعيد تجسيد روحه الإبداعية، حتى ولو طوى الموت جسده. ثقافية الشارقة: فنان مجدد أصدرت إدارة المسرح في دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة بيانا جاء فيه: نتقدم بأحرّ التعازي للأسرة المسرحية في تونس وجميع الأقطار العربية في رحيل الفنان التونسي القدير منصف السويسي (مواليد 1944) الذي وافته المنية بعد معاناة مع المرض، مساء أمس الأول. وتابع البيان: بفقد السويسي يفقد المسرح العربي مخرجاً وممثلاً وإدارياً فذاً أثرى برؤاه وأفكاره واقتراحاته المتطورة والمتجددة المشهد الثقافي العربي لأكثر من نصف قرن، لقد كان للراحل دوره المؤثر في بدايات الحركة المسرحية الحديثة في الإمارات حيث أشرف على الورشة التدريبية الأولى التي نظمت مطلع ثمانينات القرن الماضي حين استقدمته وزارة الثقافة والإعلام في الدولة كخبير مسرحي، وعلى يده تدربت وتعلمت أجيال عدة من المسرحيين الإماراتيين، ولسنوات ليست بالقصيرة شارك الراحل في العديد من التجارب التي قدمها مسرح الشارقة الوطني، ومن ذلك إخراجه لعملين من تأليف صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وهما النمرود 2008 والحجر الأسود 2011 وكان أخرج مسرحية ثالثة لصاحب السمو حاكم الشارقة مع فرقته الخاصة تحت عنوان طورغوت 2012 كما كان للفقيد حضوره المبدع والملهم في فعاليات أيام الشارقة المسرحية لدورات عدة.