كانت والدتي (رحمها الله) بسعة قلبها أماً للجميع. لوهلة رأيتني طفلا متمرداً يتحايل كي لا يذهب إلى المدرسة وهي تحكم قبضتها القوية على معصمي تقودني إليها وأنا كاره، وأكثر من ذلك كانت هي التي تحفظ عن ظهر قلب مواعيد الاختبارات الصغيرة والكبيرة تنتظر نتائجها على أحرَّ من الجمر وتراجعها مع إدارة المدرسة. أمهات ذاك الزمان وقبل ارتفاع أسعار النفط والوفرة المالية وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية وما أدخلته في حياتنا من قيم استهلاكية وانحسار لقيم العمل والانتاج والمشاركة الفاعلة للمرأة، لانهماك الآباء واستغراقهم في العمل وتأمين المعايش، لذا كن يمثلن ركناً قويّا في التربية والعناية بالأطفال وتوجيههم. لذا كانت والدتي (أمطر الله قبرها شآبيب الرحمة) في ذلك مثل أمهات ذاك الزمان العظيمات لعبت دورها كاملاً في تحمل مسؤوليات أسرتنا، متقاسمة في ذلك المسؤولية مع والدي (أطال الله عمره)، وقد فعلت ذلك بحب وتفان واخلاص جعل البيت على بساطته يضوع برائحة الحب والاستقرار والطمأنينة. لقد كبرنا (وكدنا نكتهل) وتخرجنا واشتغلنا وتزوجنا وصار عندنا عيال (يحفظهم الله)، كبروا بدورهم وتزوجوا، وطيلة هذه السنوات لم يفارقنا ظلها يوماً، شجرة شامخة وارفة تلقي بظلها الوريف على الزوج والأبناء والأحفاد، ويتمدد ظلها ليشمل من هم خارج عائلتها، كان الجميع عيالها وهي أمهم، لا تكف عن إسداء النصح من رصيد حكمتها، ولا تكف عن الدعاء لهم، إلى أن لاقت ربها وهي على سجادتها مكبرة للصلاة في أواخر شهر الرحمة والغفران. رحمها الله رحمة واسعة وتقبل روحها قبولا حسنا وغفر لها وأنزلها بين الصديقين الصديقات، إنه سميع مجيب. إضاءة : ****** يقول أحد المستشرقين: إذا أردت أن تهدم حضارة أمة فهناك وسائل ثلاث هي: 1- اهدم الأسرة. 2- اهدم التعليم. 3- اسقط القدوات . فإذا اختفت اﻷم الواعية والمعلم المخلص والقدوة الحسنة، فمن يربي النشء على القيم ؟!