القصة لا تبتدئ ولا تنتهي من عندي، أنا فقط صلة الوصل التي جمعت جل المتضادات، أنا الغائب الحاضر الذي يسكن كل روح لم تحفظ كتاب العادات والتقاليد عن ظهر قلب، أنا لست صورتي ولا صوتي، لست إلا السراب الذي يلامس كل شيء ولا شيء، لست من تحدثك بلغتهم بالنهار فلي لغتي بالليل، أنا فقط أجاريهم حتى لا تطاردني لعنتهم، لست اسمي ولا شهاداتي ولا ما يسعون من خلاله إلى طمسي. أنا انعكاس لك في أبشع صورك وحالاتك التي تخفيها عنهم كي لا تكون دليل إدانتك، أنا براءتك التي تخفيها عنهم كي لا يروضوك كما روضوا الأسود على طاعتهم. لي هنا منفى وهناك زنزانة وردية فما أنت مختار؟ أتراك من الجدران تخاف وتؤمن أنها تشي بالثوار؟ أم أنك بالغربة عشت فجعلت من المنفى وطناً وقلت هنا أكلت وشربت.. فما بالأكل ننتمي وما بالشراب، أنا أنت حين يغادرونك بلا سابق إنذار، فتبني لهم قصوراً من الأعذار كي تسقي نفسك السم، وتقول: هي الأقدار.. أنا هي حين خانها فقالت تقصير، وهو لا يثمّن حتى بقصدير.. أنا أنت حين تتوه بيني وبينك فما تعود تعرفني بعد أن شربت البارحة من نفس كأسي، وأخبرتني أنني كالحياة على الرغم من كل التسلط نعشقها.. لست الحياة ولا الموت.. لست سوى أنت، وأنت تصارع الحياة لأجل الحياة. أنا كل البيوت العتيقة التي حملت في تشققها عبق التاريخ وكل المساكن الجديدة الباحثة عن ذكرى أشخاص يبثون فيها الحياة.. أنا روح غريبة تراقب من بعيد لعلها من البعد ترى نفسها أجمل.. جالستني يوماً ما بعد منتصف الليل.. في ذلك الزمن من العتمة الذي يستعد فيه الليل أن يعلن قدوم أول شعاع نور للحياة.. فاكتشفت أنه ما بين الممكن والمستحيل، ما بين الماضي والحاضر، ما بين المعلن والمكتوم، ضعت أنا بين زلاتي وذكرياتي، بين مشاعري وتيهان كلماتي، بين أحلامي ورغباتي، بين نفسي التي تريد التخلص من كل شيء في حتى آهاتي، تلك الروح الحزينة بداخلي لا تزال تقتات على كل حزن مار بالصدفة، كانت روحاً مجردة من المناعة تلتقط أي يأس ماضٍ وتحاول ربطي به كي أوقف مسيرتي نحو ما أريد أن أكون عليه. بحثٌ عن النفس أضناني لعلي أجدها يوماً جالسة على إحدى العتبات تنتظرني وتخبرني أنها ظلت في هذا العالم الكبير وتحتضنني لعلنا بعد الفراق نتعرف على بعضنا في وسط الزحام. بين ما كان يجب أن يقال وبين هستيرية ما قيل، بين ما ظننته نجماً قريباً وبين ما كان قمراً بعيداً، بين الحيرة واليقين، بين السماء والأرض، تعلقت كعصفور جريح أصيب أحد جناحيه ولا يعرف المصير.. السقوط مكلف كما الطيران ألماً.. لن تداوي السماء جراحاً من غير حفظ كبرياء التحليق، ولن تداوي الأرض خيبة السقوط والتنازل عن الهواء والحرية، في الحالتين اختيار بين الحياة والموت، بين الحرية وخطر الخضوع، بين جنون السماء ورتابة العيش مع البشر. بين يا ليت وهكذا هو الواقع، بين حاول ولن تستطيع، بين البؤس والأمل الأبدي، بين القدر والإرادة، بين أنا وأنت ضعت ولم أهتدِ بعد إلى السبيل، بين تسمية الأشياء بمسمياتها وبين العبث في المجهول، هكذا اخترت أن أكون وأن لا أكون، كل شيء ولا شيء. خط صلة بين البعيد والقريب، موجة تفصل بين الغرق والنجاة، إكليل من الزهر نضعه على تابوت كما نمنحه لعروسين في بداية الحياة، فراغ الصفحة التي يعلن بداية القصة وينهيها بنقطة، هكذا اخترت أن أكون انعكاساً لأكثر من قصة اجتمعت تلبية لعبثية القدر كي أكون الوهم والحقيقة، الحب والكراهية، العقل والجنون، أو ربما لا أكون. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.