هوليوود: محمد رُضا أصابت توقعاتنا جميعا (باستثناء توقع واحد فقط). فتلك الأفلام والمواهب التي توقعنا لها الفوز هي التي خرجت من حفلة الأوسكار بالتمثال الذي سعت إليه طوال العام. أوسكار أفضل ممثل ذهب إلى ماثيو ماكونوهي فعلا، أوسكار أفضل ممثلة ذهب إلى كيت بلانشيت في الواقع، أوسكار أفضل سيناريو مقتبس ناله «12 سنة عبدا»، وسيناريو أفضل إخراج انتهى إلى يدي ألفونسو كوارون. وحتى أوسكار أفضل موسيقى حط بين يدي ستيفن برايس مؤلف موسيقى «غرافيتي». في السياق ذاته، ذهب أوسكار أفضل فيلم أجنبي لـ«جمال عظيم»، وأوسكار أفضل تسجيلي لفيلم «20 خطوة بعيدا عن النجومية»، وأوسكار أفضل أنيميشن حصل عليه «متجمد»، وكله حسب التوقعات. الاستثناء هو أن أوسكار أفضل فيلم الذي كان محط منافسة كبيرة بين «12 سنة عبدا» و«جاذبية» طوال السهرة انتهى إلى الفيلم الأول الذي ذكرنا أن حصوله على الأوسكار سيكون مفاجأة غير مستبعدة ولو أننا توقّعنا هنا أن ينالها «جاذبية». الحقيقة أن ما تم حشده من أفلام في سياق مسابقة أفضل فيلم هو أكثر، وفي أحيان أخرى أجدى، مما حشده أي من المهرجانات السينمائية الكبيرة الثلاثة، برلين وكان وفينيسيا، في دوراتها الأخيرة. الأفلام هناك ارتفعت وهبطت وبعض الجوائز (كتلك التي تم توزيعها في مهرجان برلين الأخير) ذهبت إلى من لا يستحقها (كالفيلم الصيني «فحم أسود.. ثلج رقيق» المليء افتعالا). أما الأفلام التي اشتركت في المسابقة (تسعة) فألّفت بعض أهم ما تم إنتاجه عالميا وبعض أفضل ما تم تحقيقه من أعمال أميركية أيضا. كالعادة شهدت حفلة توزيع جوائز الأوسكار التي أعلنت ليل الأحد (يوم أول من أمس) كل ما تستطيع استيعابه من نجوم على خشبة صالة «دولبي ثيتر» في هوليوود أو في أرجاء القاعة المكتظة. امتلأ البرنامج بفقرات غنائية وأخرى كوميدية، وعرضت الشاشة الفيلم الأثير الذي يتجدد كل عام، ذلك الذي تحيي فيه الأكاديمية السينمائيين الذين رحلوا في عام. آخرهم من الأميركيين هو بالطبع فيليب سايمور هوفمان. لكن في يوم الأوسكار نفسه رحل سينمائي كبير لم يكن بالإمكان ضمه إلى ذلك المونتاج السينمائي الذي تم عرضه هو المخرج الفرنسي آلان رينيه، الذي كان عرض آخر أفلامه «حياة رايلي» في مسابقة مهرجان برلين. * ما يقضي على التوتر إلين ديجنيريس استمتعت للمرة الثالثة بتقديم فقرات البرنامج مازجة الجد بالمزح ومستفيدة من كونها تعرف في مونتاج التقديم التلفزيوني وتوقيته أكثر من سواها الذين سبقوها في هذه المهمة. لكن الثابت أن الأكاديمية لا تستطيع أن تقدّم لا حفلا موجزا، ولا حفلا جادّا. فكل من صعد تلك المنصة من مقدّمي الفقرات (من ستيف مارتن إلى ووبي غولدبيرغ مرورا بتاريخ بعيد من المقدّمين) عملوا بمقتضى المطلوب: أن يوفّروا للجمهور نكاتا مضحكة. أشياء تقال للترويح عن النفس وإثارة الضحكات الكبيرة. بعضهم، كحال ديجنيريس، نجح والبعض الآخر (بيلي كريستال مثلا) أخفق ولو على نحو معتدل. هل الكوميديا ضرورية؟ يمكن للمتابع أن يسأل، والجواب في نهاية المطاف: نعم. تصوّر لو أن الجو جامد ومكفهر والنبرة جادة والعملية ليست أكثر بكثير من تلاوة الأسماء والتصفيق وصعود المسرح لتسلم الجائزة وسط التصفيق.. لو لم يتخلل المزح الفقرات جميعا بل والغناء هنا وموقف استعراضي هناك. ضمن هذه المواصفات لم تأت الحفلة بجديد. بقيت شبيهة بشاحنة كبيرة تتقدّم ببطء لكن كل من عليها سعيد.. ربما حتى اللحظة التي أدرك فيها البعض أنه لم يفز. المسابقة كانت صعبة وبعض أقسامها (مثل الفيلم والإخراج والسيناريو والتمثيل الرجالي) كان أصعب من أقسام أخرى، لكن في الوقت ذاته فاز من كان يجب أن يفوز ومن لم يفز، وفي بعض الحالات فإن بعض من خسر فرصة التألق الأكبر في تلك الليلة لم يكن يستحق الخسارة. * حسرة عمليا تم تعويض خسارة «جاذبية» في نيل أوسكار أفضل فيلم بمنح مخرج الفيلم ألفونسو كوارون جائزة أفضل مخرج. بالتالي، فاز «12 سنة عبدا» بأوسكار أفضل فيلم، وخسر مخرجه ستيف ماكوين في سياق أفضل مخرج. وفي قسم التمثيل، كان متوقعا أن يكون العام عام كيت بلانشيت.. هي القطار الذي انطلق من أواخر العام الماضي مكتسحا جوائز عديدة في أوروبا وفي الولايات المتحدة والذي لم يكن سيتوقف قبل نيله الأوسكار وهذا ما كان. صحيح أن خطبتها على المنصة كانت مثيرة للملل، إلا أن تمثيلها كان، على الأقل، أفضل من إلقائها كلمة القبول. في المقابل ماثيو ماكونوهي نال الأوسكار عن دوره في «دالاس بايرز كلوب». لأداء الدور بنجاح خسر كيلوغرامات من وزنه فبدا نحيفا تصدّق أنه آيل للموت، كما ينص الدور. ربما هو هاجس «تخسيس» الوزن، ذلك أن منافسه الأول كريستيان بايل أضاف كيلوغرامات ليناسب الدور لكنه لم ينجز المأمول له. لقطة على وجه بايل وهو يصفق لحظة مغادرة ماكونوهي المنصة والجائزة بيده، تحمل نظرة حسرة واضحة. كلاهما في الحقيقة رائع في ما قام به. بروس ديرن، وكما توقعنا أيضا، كان له حضور شرفي، لكن الحال كذلك بالنسبة لليونارد ديكابريو الذي لم ينجز له دوره في «ذئب وول ستريت» الخطوة الأخيرة في السباق وشيويتل إيجيوفور الذي كان جديدا على كل شيء، وبدا ذلك بوضوح على ملامحه وفي عينيه الباحثتين في أرجاء المسرح. أكثر الممثلين والممثلات خبرة كان بلا ريب ميريل ستريب، التي جلست مرتاحة وطبيعية وهي تضحك وتصفق للجميع. عندما صعدت كيت بلانشيت لتسلم الأوسكار، بقيت ميريل في جلستها المسترخية كما لو أنها قرأت النتائج قبل إعلانها. في نهاية المطاف، الجوائز الممنوحة - على الرغم من صعوبة المنافسة - خلت من المفاجآت: لم يذهب أوسكار أفضل إخراج إلى ألكسندر باين مثلا، هذا المخرج المستقل الذي لا يصنع أفلاما هوليوودية. ولم يتوجه أوسكار أفضل فيلم أجنبي لـ«عمر»، ولا أفضل فيلم تسجيلي لـ«الميدان»، ولا حتى للفيلم السياسي المحبط «فعل القتل». وما يكشفه ذلك أن ستة آلاف عضو في الأكاديمية يعلمون تماما ماذا يريدون الحرص عليه: هوليوود التي تستطيع أن تشمل في ترشيحاتها كل الأساليب والأطياف لكنها ستنتخب دائما الموهبة التي تنتمي إلى هوليوود أكثر من سواها.