مع انطلاق الاستشارات النيابية غير الملزمة التي يقوم بها رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، بدأت تظهر بعض المؤشرات الخلافية بين الفرقاء السياسيين حول الحصص الوزارية ومطالب كل فريق في موازاة التباين في المواقف حول صيغة الحكومة، بين «الوحدة الوطنية» أو تلك التي تقتصر على الموالاة، رغم تأكيد كل من الحريري ورئيس الجمهورية ميشال عون على بذل الجهود لعدم إبعاد أي جهة وكي تكون حكومة جامعة لكل الأطراف. ويوم أمس، عاد رئيس الجمهورية وأكد خلال استقباله وفد سفراء مجموعة الدعم الدولي، أن لبنان مقبل على مرحلة جديدة يتعزز فيها الاستقرار السياسي باحترام الميثاق والدستور، مشددا على أن «تطبيق القوانين هو المعيار الوحيد الذي يرسم حركة الدولة ومؤسساتها لإنهاء حالة التراخي». ولفت إلى أن أولويات المرحلة المقبلة هي إنجاز قانون جديد للانتخابات النيابية التي ستجري في موعدها، مضيفا: «جمع اللبنانيين حول سياسة داخلية وطنية، سيليه جمعهم حول سياسة خارجية واحدة». وفي وقت تتجه فيه الأنظار إلى موقف الثنائي الشيعي (ما يسمى «حزب الله» و«حركة أمل») من المشاركة في الحكومة بعد تلويح رئيس مجلس النواب نبيه بري باحتمال بقائه في المعارضة، أعلن يوم أمس أمين عام ما يسمى «حزب الله» حسن نصر الله، تفويضه لبري للبحث باسمه بشأن الحصص الوزارية، في حين قال النائب في «تكتل التنمية والتحرير» الذي يرأسه بري، علي خريس، إن قرار الكتلة في المشاركة أو عدمها سيكون موحدًا مع حلفائها، ما يسمى «حزب الله» ورئيس اللقاء الديمقراطي وليد جنبلاط، ورئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية، مؤكدا في الوقت عينه مدّ اليد للآخرين ومقاربة الملف الوزاري بإيجابية، مع العلم بأن فرنجية أعلن بعد لقائه الحريري أمس، أنه طالب بتمثيل كتلته بحقيبة أساسية في حكومة وحدة وطنية. وفي حين قال النائب في «القوات» جورج عدوان يوم أمس بعد لقاء الكتلة مع الحريري: «نريد حكومة يلتزم بها الجميع وبقراراتها دون غياب أو تعطيل، ومن يريد ممارسة التعطيل أو المعارضة فالباب مفتوح له ليكون خارج الحكومة»، وهو ما سبق لرئيس الحزب سمير جعجع أن أعلنه، أوضح النائب في الكتلة نفسها، أنطوان زهرا لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك فرقا بين حكومة الوفاق الوطني وبين تلك التي تعمل للوفاق الوطني، وبالتالي عندما نقول تبقى المعارضة خارج الحكومة فليس القصد إبعاد طرف معين، إنما انطلاقا من أن إشراك كل المكونات يعطّل الديمقراطية وبالتالي من الأفضل أن تسير الأمور بشكل طبيعي من خلال وجود الموالاة والمعارضة، في وقت اعتدنا منذ اتفاق الطائف على حكومات الوحدة الوطنية، الأمر الذي عطّل المساءلة والمحاسبة». وعلى الرغم من أن زهرا اعتبر شبه الإجماع على شخص الحريري بتسميته رئيسا للحكومة أمرا جيدا، فإنه رأى فيه إشارة سلبية في سعي كل الأطراف إلى مطالب وزارية، وبالتالي فكل من سمّاه يريد الحصول على المقابل عبر الوزارات. ونفى زهرا المعلومات التي تشير إلى أن المباحثات الوزارية تجري فعليا في الكواليس والاستشارات النيابية ليست إلا شكلية، قائلا: «لا بأس أن يكون هناك بعض المباحثات في الكواليس، إنما لا يعني أنها نهائية، وعلينا انتظار انتهاء الاستشارات والبدء بالبحث العملي ليبنى على الشيء مقتضاه». وفي ضوء الجدل غير المباشر بين «القوات» ورئيس مجلس النواب نبيه بري حول المطالبة بوزارة المال، قال زهرا: «يجب أن تتمثل القوات بشكل لم تتمثل به سابقا، حيث لم تكن لها مشاركة فعلية في الحكم قبل ذلك، وهذا يجب أن يتم انطلاقا من حجمها التمثيلي والسياسي ومشاركتها البرلمانية المشرفة لتكون شريكا فعالا في الحكم، بما لا يقل عن وزارة سيادية نفضّل أن تكون المالية ووزارات أخرى خدماتية، وهذا ما سنطالب به رئيس الحكومة المكلّف وننتظر منه الرد». وهو ما أعلنه عدوان أيضا، قائلا: «القوات تطالب بحقيبة سيادية ووزارة خدماتية أساسية ووزارة متوسطة». في المقابل، نفى خريس في تصريح لـ«الشرق الأوسط» البحث في الحصص والحقائب خلال لقاء الكتلة الحريري، لافتا إلى أن هذا الأمر متروك للرئيس بري متمنيا على الأطراف السياسية عدم رفع سقف المطالب وتسهيل تأليف الحكومة. ولفت إلى أن الحديث بتفاصيل توزيع الوزارات سيتم لاحقا بعد حسم صيغة الحكومة، وهل ستكون مؤلفة من 24 أو 30 وزيرا، وإذا اعتمد الخيار الثاني فيجب أن يحصل الشيعة، أي الحزب و«حركة أمل» على 5 وزارات بينهما واحدة سيادية على الأقل. وحول الخلاف بشأن وزارة المالية مع «القوات» قال خريس: «ننتظر ونرى في الأيام المقبلة كيف ستحسم الأمور». وعن اجتماع الكتلة مع الحريري ضمن مواعيد الاستشارات النيابية يوم أمس، أكد خريس أنه لم يتم خلال اللقاء الحديث عن الحقائب والحصص، إنما كان التأكيد على كيفية عمل الحكومة والتركيز على الإصلاح الإداري ومحاربة الفساد والتوافق على قانون عصري للانتخابات، إضافة إلى إقرار موازنة في أسرع وقت. وهو ما أعلنه النائب في كتلة بري أنور الخليل، بعد اللقاء مع الحريري قائلا إن «الاجتماع كان مفيدا ومنتجا وصريحا جدا في كل الأمور التي تهمنا وتهم المواطن»، مضيفا: «لم نطلب حقائب معينة على الإطلاق ولكن طلبنا أن يكون الأمر عادلا بين الناس». وكان الحريري قد استهل استشاراته النيابية في يومها الأول ظهرا، باستقبال رئيس مجلس النواب نبيه بري، ومن ثم بلقاء جمعه مع رئيس حكومة تصريف الأعمال تمام سلام، وآخر مع رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة، الذي قال: «وصلنا إلى مرحلة لم يعد بإمكاننا التساهل في إدارة الشأن العام»، مضيفا: «نحن في حاجة إلى تشكيل حكومة بشكل سريع، وذلك يقتضي تعاون جميع المعنيين بالشأن السياسي لتسهيل عملية التأليف». من جهته، أكد رئيس حزب الكتائب، سامي الجميل وكتلته، بعد لقائه الحريري: «في هذا الجو الإيجابي الموجود في لبنان، لا يمكننا إلا أن نكون إيجابيين، ونعطي فرصة لإنقاذ لبنان من واقعه المرير». كما قال النائب في «تكتل التغيير والإصلاح» إبراهيم كنعان بعد الاجتماع مع الحريري، إنه «ليس الوقت للحديث عن المقاعد الوزارية، لكننا طالبنا بتمثيل الأقليات في الحكومة وطرحنا مسألة المداورة بالحقائب». وعلى صعيد البيان الوزاري، قال كنعان: «إن خطاب القسم شكل نقطة التقاء وتأييد من مختلف الكتل النيابية بالعناوين التي حملها». وفيما من المتوقع أن تلتقي كتلة ما يسمى «حزب الله» الحريري اليوم، ضمن مواعيد اليوم الثاني للاستشارات النيابية، وهو اللقاء المباشر الأول من نوعه منذ سنوات، دعا نصر الله أمس «إلى التعاطي بإيجابية مع العهد الجديد؛ لأننا أمام فرصة ذهبية للحفاظ على بلدنا ومواجهة التحديات، ورهاننا كبير على قدرة الرئيس عون في إدارة الملفات». وقال في كلمة له: «لم نسمّ الحريري لكننا قمنا بكل ما يلزم لتسهيل التكليف، وندعو إلى تشكيل حكومة وفاق وطني، ففي كل الحكومات السابقة كان تكتل التغيير والإصلاح يشعر بالغبن، وكنا نحن وحركة أمل لا نقبل بأي تشكيلة لا ترضيه». ورأى أن «من حق الرئيس بري على التيار الوطني الحر ألا يشارك في حكومة لا تشارك فيها حركة أمل». وقال: «لا أحد يريد أن يعطل تأليف الحكومة، ولكن الرئيس بري هو من يفاوض باسمنا». وأضاف: «لنضع خلافاتنا جانبا، نحن نريد لهذا العهد أن ينجح كما الحكومة. المطلوب التعاطي بإيجابية، وهذا ما ننتظره، سنساعد ولن نألو جهدا، ولكن الأساس التعاطي معنا بصدق».