هيلاري كلينتون أم دونالد ترامب، أيهما يكون الأفضل لصالح الشرق الأوسط؟ كان هذا هو السؤال الذي طرحه عليّ بعض من الأصدقاء طيلة الأسابيع الماضية. وليس من السهل الإجابة عن هكذا سؤال نظرًا لأنه يفترض أن كلا المرشحين جيد وأن أحدهما يمكن أن يكون أفضل من الآخر. وبرغم ذلك، ماذا لو أن كلا المشرحين سيئ، وفي هذه الحالة سوف يكون السؤال على النحو التالي: أيهما سوف يكون الأسوأ بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط؟ وحتى في هذه الحالة، فإن العثور على الإجابة يتوقف على ما نعتقد أن المرشحين سوف يفعلانه لصالح الولايات المتحدة نفسها، لأنه إن كانت الولايات المتحدة غير قادرة على تنظيم بيتها من الداخل فلن تكون بالتالي قادرة على أن تقدم الكثير من الخير لأي دولة أخرى حول العالم. من خلال تاريخها القصير، وعبر فترات وجيزة وسريعة الزوال، تمكنت الولايات المتحدة وعلى الدوام من ضم واستيعاب التنوع العرقي، والديني، والفكري، والعنصري، وشكلت من وراء ذلك توافقًا وطنيًا حول القضايا الرئيسية الخاصة بالسياسات الداخلية والخارجية. غير أن هذا التوافق المجتمعي لم يعد له وجود. وفي حقيقة الأمر، مع استثناء وحيد في العقد الذي ضم بين جنباته حقبة الحرب الأهلية الأميركية، بما في ذلك مراحل ما قبل وما بعد الحرب ذاتها، حيث إن الولايات المتحدة اليوم هي أكثر انقساما على نفسها من أي وقت آخر في تاريخها الحديث. وعلى الرغم من ذلك، فلن يكون من الإنصاف إلقاء اللوم مرة واحدة على الرئيس باراك أوباما، ولكن ليس هناك مفر من الحقيقة الناصعة بأنه كان شخصية عامة مثيرة للانقسام بشكل كبير. فمن واقع فشله في العثور على صيغة واحدة للعمل والتعامل مع الكونغرس حاول الرئيس أوباما الالتفاف على المجلس التشريعي الأميركي كلما كان ذلك ممكنا، مما أضاف الكثير من الوقود على نيران الانقسام المشتعلة في الداخل الأميركي. وسوف يغادر منصبه بعد عدة أيام تاركًا وراءه حكومة منقسمة للغاية. فمن خلال تحويل قاعدة نفوذه إلى الائتلاف الذي يضم الأقليات العرقية والإثنية والدينية، دفع أوباما الأغلبية من الشعب الأميركي نحو الدعوات المتطرفة التي كانت منبوذة لديهم لعدة أجيال. هو يغادر منصبه ويترك وراءه مجتمعًا منقسمًا على نفسه. واليوم، حتى أن الحزبين الكبيرين في البلاد، الديمقراطي والجمهوري، منقسمان وسط انتكاسات مفاجئة للتحالفات داخل كل معسكر منهما. كما أنه يغادر منصبه تاركًا وراءه مؤسسة منقسمة. ومن خلال مراوغاته وكسله الفكري الواضح، عمل أوباما أيضًا على انقسام حلف شمال الأطلسي على ذاته، حيث فتح مساحات جديدة للقوى الانتهازية من مختلف الأحجام للخوض في مغامرات غير مدروسة مع دول الحلف. وهذا يقودنا إلى طرح السؤال الحقيقي: أي من المرشحين الحاليين هو أقل عرضة لتعميق هذه الانقسامات، ناهيكم عن تضميد الجروح السياسية الأميركية؟ إذا حاولنا الإجابة من واقع التدابير اللفظية، فإن دونالد ترامب في واقع الأمر هو الأكثر تسببًا في الانقسامات بسبب لسانه الذي أهان به المكسيكيين، والمسلمين، وحتى كبار أعضاء الحزب الجمهوري. ولكن إذا كان العمل هو المقياس في الإجابة، فسوف تكون هيلاري كلينتون أكثر المرشحين الحاليين إحداثًا للانقسام. والسبب هو، سواء كان صوابًا أم خطأ، أنها يُنظر إليها على أنها العنصر المكمل لعهد باراك أوباما، والكثير من المواطنين الأميركيين ينظرون إليها من واقع أنها مجرد فترة الحكم الثالثة للرئيس باراك أوباما. ورئيس آخر من عائلة كلينتون قد يعني أربع سنوات أخرى من استمرار النزاعات الداخلية في الولايات المتحدة. ولسوف يكون ذلك من سوء الطالع بالنسبة للشعب الأميركي وبالنسبة للعالم بأسره، بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط من دون أدنى شك. وفي المقابل، فإن ترامب، الذي، وعلى الرغم من أنه يتحدث كثيرًا، لا يزال غير معروف كرئيس للبلاد بعد، فربما يتحول لأن يكون شخصية عامة أقل تسببًا في الانقسام في حالة أنه سمح لهياكل الحكومة الأميركية بامتصاص الصدمة التي أحدثها أوباما ويستعيد تدابير التوازن ورباطة الجأش. وعندما يتعلق الأمر بمنطقة الشرق الأوسط، يملك ترامب أيضًا ميزة أنه شخصية غير معروفة على المستوى السياسي. فعلى الرغم من الهراء الكثير الذي قاله حول السياسة الخارجية للولايات المتحدة، فإنه قد أصر كثيرًا على نقطة شديدة الأهمية: أن السياسة الخارجية الأميركية الحالية غير مجدية بحال من الأحوال. وهذا، بدوره، قد يقنع الرجل بالبحث عن شيء مختلف، أو ربما يخلق فرصة جديدة لإصلاح بعض من الأضرار التي تسبب فيها باراك أوباما وسياساته الضالة حيال السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. أما السيدة هيلاري كلينتون، فعلى النقيض من ذلك، فلديها بالفعل سجلها المعروف. فلقد دعمت وأيدت تنظيم الإخوان المسلمين في مصر قبل أن يتخذ أوباما قراره بالتخلي عنهم. ولقد كانت من المناصرين المشاركين في صياغة سياسة أوباما الكارثية في ليبيا. وفيما يتعلق بقضية الصراع العربي الإسرائيلي، فكانت هيلاري ترقص على كل الحبال التي وضعها باراك أوباما، حيث عقدت الجولات تلو الجولات من المفاوضات التي لم تؤدِ إلى نتيجة تُذكر. وكانت كلينتون أيضًا في مقعد القيادة عندما بدأت الولايات المتحدة في عُمان مع الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، وهو مثال منهجي للمغالطات الدبلوماسية التي أدت إلى الخدعة الكبرى المعروفة باسم الاتفاق النووي الإيراني مع الولايات المتحدة. ودونالد ترامب متهم بالتقارب مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ولكن هيلاري كلينتون هي التي قدمت للقيصر الروسي الجديد الأداة التي تحمل رسالة مفادها «إعادة الضبط». ومن الواضح أيضًا أنها أمضت جزءًا من وقتها كوزيرة لخارجية الولايات المتحدة تجمع التبرعات لصالح مؤسسة كلينتون، وهي قضية نبيلة من دون شك ولكن لا علاقة لها من قريب أو بعيد بأهداف السياسة الخارجية الأميركية. لذا، يمكننا الاستنتاج، بقدر من التوازن، أنه على الرغم من أن السيدة كلينتون ليست بمثل سوء باراك أوباما، وهو أمر لا يمكن تصوره، فمن غير المرجح أن تكون أقل سوءًا بكثير منه. وفي المقابل، فإن ترامب الذي قد يثبت أن يكون أسوأ بكثير من أوباما، وهو أمر محتمل للغاية، قد يثبت أيضًا أن يكون أقل سوءًا منه بكثير. يمكن لأحدنا أن يراهن في مقامرة ما على دونالد ترامب مع احتمال حقيقي للخسارة. ولكن المراهنة على السيدة كلينتون ليست من قبيل المقامرة لأننا نعرف بالفعل أنه مع تنحية صفاتها الشخصية جانبًا، فمن المرجح أن تعيد إنتاج الخسائر التي جلبتها إدارة أوباما على الولايات المتحدة وعلى حلفائها. أما وقد ذكرنا ذلك، ينبغي على الناخبين الأميركيين أن يهتموا بأمر وحيد قبل كل شيء: أي من المرشحين يمكنه رأب الصدع الذي يسبب الضرر البالغ بنسيج الأمة الأميركية؟ تحتاج منطقة الشرق الأوسط، والعالم بأسره، إلى أميركا القوية والموحدة، لأن الولايات المتحدة لا تزال القوة الوحيدة القادرة على إحداث فارق كبير سواء للأفضل أو للأسوأ. كثيرا ما أتذكر تلك الكلمات من الدبلوماسي البريطاني والمؤلف جون بوشان في روايته الرائعة «محاكم الصباح» لعام 1929: «لا يمكن لأي قوة أو تحالف للقوى أن يهزم أميركا. ولكن لنفرض أنها أجبرت على التشاجر مع مجموعة من الأعداء، وأنه من خلال عبقرية تشويه الذات جنحت إلى الإساءة إلى ذاتها من حيث الدفاع عن قضية خاطئة.. فهل هناك الكثير من الأصدقاء حول العالم؟ أغلب الدول تتملقها وتنافقها وتقترض الأموال منها. ولكنهم يكرهونها كراهيتهم للجحيم.. وداخل حدودها هناك نصف دزينة من الدول بدلا من دولة واحدة تلك التي يمكنها منعها من التصرف بشكل حاسم». وفي نفس الرواية، كان البطل الرئيسي للدبلوماسي بوشان هو ساندي، نظيره الإنجليزي، والذي قال على لسانه: «إنني اؤمن حقًا في الحرية، على الرغم من أنها موضة قديمة. وبسبب أن أميركا، بطريقتها المعتلة، تقف إلى جانب الحرية، فإنني أقف إلى جانب أميركا!».