×
محافظة المنطقة الشرقية

مدير «آيرينا» : الطاقة المتجددة المحرك الأول للاستثمار

صورة الخبر

ستون عاماً مرت على تلك المجزرة، التي ما زالت تفاصيلها محفورة في عقول وقلوب الفلسطينيين. مجزرة كفرقاسم، التي سجلت نقطة تحول مفصلية في تاريخ فلسطينيي 1948 بعدما رفضت هذه الشريحة الفلسطينية سياسة الترهيب التي سعى بن غوريون الى تنفيذها بهدف ترحيل من تبقى من فلسطينيين. وفي الذكرى ارتفع الصوت الفلسطيني مطالباً حكومة إسرائيل، ليس فقط بالاعتراف بارتكابها إنما بالتعامل معها تماماً كما تعاملت ألمانيا مع اليهود، ضحايا المحرقة وتعويضهم. النائب السابق إبراهيم صرصور، الذي ولد بعد عامين من ارتكاب المجزرة وقتل من عائلته اثنان قال: «لا نريد الاعتذار بل الاعتراف بارتكاب هذه المجزرة وليس هذا فحسب»، فبن غوريون جلس مع قتلة الشعب اليهود ووقع معهم على اتفاق لا تزال المانيا تدفع بموجبه حتى اليوم تعويضات. في حالتنا، نحن الضحايا، نشبه اليهود في المانيا. فلاحون مساكين، نساء، شيوخ وأطفال... حان الوقت لكي يجلسوا معنا كما جلس الألمان معهم، ويفعلوا معنا تماماً كما طلبوا من الألمان. نحن الضحية، نريد الشعور بأن من ذبحنا بدأ يشعر بألمنا». كان ذلك في عام 1956 في اليوم الأول للعدوان الثلاثي على مصر. ذبح 48 رجلاً وامرأة وطفلاً، بينهم امرأة حامل. في القرية يعتبرون الجنين الذي حملته، هو القتيل الـ49. كان التخطيط لارتكاب هذه المجزرة قد استكمل صباح ذلك اليوم، حيث فرضت اسرائيل منع التجول وما إن قاربت الساعة الخامسة مساء، موعد بدء سريان أمر منع التجول، حتى كانت وحدات «حرس الحدود» استكملت انتشارها في القرية وعلى مداخلها. ومنع أفراد «حرس الحدود» كل من حاول دخول القرية بعد الساعة الخامسة. فاوقفوهم في مجموعات وعندما تكتمل المجموعة كان المسؤول العسكري يأمر أفرادها بالاصطفاف على هامش الطريق ويصدر الأمر لجنوده بأن «احصدوهم». وبعد تنفيذ الأمر يقوم جندي آخر بإطلاق رصاصة في رأس كل واحد! ثم ينتقل الجنود لحصد أرواح مجموعة آخرى إلى أن استوفوا العدد 49. وكان بين الضحايا 10 اطفال و13 امرأة، وشباب ورجال معظمهم كانوا عائدين من العمل. قلائل جداً نجوا من هذه المجزرة المروعة والتي استمرت من الساعة الخامسة وحتى التاسعة مساء، ومن بين هؤلاء من رمى نفسه بين الصَبّار ومنهم من حبا على يديه ورجليه بين قطيع الغنم، وهناك ايضاً من هرب داخل كروم الزيتون بعد ان سَلمَ من رصاص الجنود ومنهم من أصيب لكنه تمكن من التواري عن أعين العسكر. بعد هذه الجريمة المريعة حاولت السلطات فرض تعتيم مطبق على مجرياتها من خلال منع الدخول الى كفرقاسم او الخروج منها كذلك منع النشر عنها إلى حين وصلتْ إلى مسامع القائد الشيوعي توفيق طوبي الذي كشف عن المجزرة وبادر الى بحث الموضوع في الكنيست. فرض الفلسطينيون على اسرائيل، وعبر النشاط الذي قاده توفيق طوبي، التعامل مع المجزرة وعدم طي صفحتها كبقية المجازر. تم تقديم المتورطين فيها الى المحكمة، ودينوا، وبعضهم حكم عليه بالسجن لفترات طويلة في بداية الأمر. بل إن القاضي بنيامين هليفي رسخ في محاكمتهم مقولة «قرار غير قانوني في شكل واضح». لكن تم لاحقاً تقصير محكومية المدانين من قبل رئيس الاركان، ومن ثم حصلوا على العفو وتم إطلاق سراحهم خلال فترة قصيرة. القائد الرفيع الذي تمت محاكمته في القضية، العقيد يسخار شـــدمي، قائـــد اللواء الذي كان مسؤولاً عن القطاع الذي تقع فيه القرية، حكم بدفع غرامة رمزية قيمتها قرش واحد، بسبب تجاوزه الصلاحيات. وخلال محاكمته أدلى قائد كتيبة حرس الحدود شموئيل مالينكي بإفادته، وقال إن شدمي هو الذي فرض علـــيه تطبيق حظر التجول على القرية بواسطة إطلاق النار، وعنـــدما سأله عن مصير المدنيين الذين سيعودون الى القرية بعد فرض حظر التجول، رد شدمي (بعربية مكسرة): «الله يرحمه». إن تعامل إسرائيل يظهر مسؤوليتها عن المجزرة. من جهة استخدم وزراء في الحكومة، ورؤساء، خلال زياراتهم اللاحقة الى القرية، كلمات مثل «نتأسف»، «مخجل» و «نعتذر»، ولكن من جهة اخرى رفض الكنيست في العام الماضي فقط، وبغالبية كبيرة، مشروع قانون سعى الى مأسسة اعتراف اسرائيل بمسؤوليتها عن المجزرة. واليوم في ذكراها الستين يصر فلسطينيو 1948 على اعتراف اسرائيل بارتكابها المجزرة، ويسعون الى ان تبقى راسخة ... في العمق الوطني والفكري للفلسطينيين. وهذه السنة لم يكتف المنظمون بمسيرة لاحياء هذه الذكرى بل اصدورا كراس معلومات بثلاث لغات (عربي وعبري وانكليزي)، ووضعوا مجزرة كفرقاسم الى جانب مذبحة دير ياسين في 1948، ومجزرة يوم الأرض في 1976، واحداث تشرين الأول 2000، وقتل المواطنين في شفاعمرو في 2005، وغيرها. وجاء في الكراس: «60 عاماً مضت على المجزرة ولا يزال سكان كفرقاسم ينتظرون العدالة التي لم تتحقق حتى اليوم. الراية السوداء لا تزال تحلق فوق مئات الأوامر غير القانونية في شكل واضح، التي تنفذها قوات الأمن الإسرائيلية كل يوم». في هذا الكراس مقارنة واضحة بين المجزرة والمحرقة اذ تتضمن النشرة اربع صور تحت عنوان «ضحايا النازية»، يظهر فيها نساء وأطفال، بعضهم يحملون النجمة الصفراء، وبعضهم هياكل عظمية، خلال الكارثة. ومن أجل ايصال قصة المجزرة الى الجيل الشاب، أقيمت في المركز الجماهيري في كفرقاسم، بانوراما جديدة ترافقها مؤثرات صوتية. الزوار يدخلون الى المعرض، وخلال 20 دقيقة يفهمون كل ما حدث. يعيشون المجزرة ويشعرون بها. في المعرض صور ورسومات وتماثيل لجنود الجيش الاسرائيلي وهم يطلقون النار من مسافة صفر على مجموعة من نساء كفرقاسم اللواتي جلسن داخل شاحنة. وفي غرفة اخرى، امام المعرض الجديد المتحف الذي يوثق المجزرة، ويشمل غرفة ذاكرة عرضت فيها صور واسماء القتلى والجرحى، الى جانب وثائق من الأرشيف وقصاصات صحف. غازي عيسى، العضو البارز في لجنة احياء الذكرى والذي يحمل اسم قريب عائلته غازي عيسي، الذي استشهد في هذه المجزرة وكان في العشرين من عمره، يؤكد ضرورة ان تبقى مجزرة كفرقاسم راسخة من خلال مقارنتها بالمحرقة التي تعرض لها اليهود من قبل النازيين ويقول: اسرائيل تتلقى حتى اليوم التعويض من ألمانيا. كفر قاسم تستحق معاملة متساوية». في وثيقة من ارشيف العام 1957، ذكر حجم التعويض الذي دفعته اسرائيل لعائلات قتلى وجرحى المجزرة، بناء على توصية لجنة عينها رئيس الحكومة بن غوريون: 5000 ليرة اسرائيلية لورثة كل شهيد، و300 ليرة لكل جريح. وكتب في الوثيــقة ذاتها ان «اللجنة ترى في ذلك نهاية للحادث». في القرية يرفضون ذلك، ويعربون عن غضبهم على ما يعتبرونه محاولة من قبل بن غوريون لفرض الصلح من اجل طي القضية بسرعة، وفق تعبيرهم. والمقارنة بين المجزرة والمحرقة لم تات فقط من قبل فلسطينيي كفرقاسم بل من احد الجنود الذين شاركوا في تنفيذها ففي عام 1986، وبعد ثلاثين عاماً من ارتكاب المجزرة قال شالوم عوفر، احد الجنود الذين ادينوا بارتكابها، في احدى المقابلات التي اجريت معه حول المجزرة: «كنا مثل الألمان. فهم اوقفوا الشاحنات وانزلوا اليهود واطلقوا النار عليهم، وهكذا فعلنا نحن. لا يوجد فرق. نفذنا الأمر كما نفذ الجنود الالمان الأوامر خلال الحرب، عندما امروهم بذبح اليهود». «ان الانتصار الأكبر على مجزرة كفر قاسم يتمثل في مدينة كفر قاسم ذاتها التي كان عدد سكانها ألف وخمسمئة نسمة أبان المجزرة، واليوم عددهم 22 ألف يعملون وينتجون ويحيون الأرض. ستون عاماً على المجزرة التي هدفت بالاساس الى تهجير الفلسطينيين عن ارضهم وما زالت الحكومات الاسرائيلية تواصل سياسة التهجير بطرقها المختلفة. فشلت مجرزة كفرقاسم، في حينه في ترحيل الفلسطينيين وصار القادة الإسرائيليون يخجلون من الحديث عن أهدافها، لكن اليوم، في ظل حكومة اليمين ترتفع اصوات الترحيل من جديد بواسطة عدد غير قليل من الوزراء والمسؤولين الأمر الذي يثير قلق فلسطينيي 48 من جديد خصوصاً أن الترحيل اصبح ظاهرة في منطقة الشرق الاوسط بسبب الاحداث في سورية والعراق ولبييا واليمن.