لاحظت أن مفسري الأحلام أصبحوا أثرا بعد عين، فبعدما كانت القنوات الفضائية تمتلئ بهم، أصبحوا كالغول والعنقاء ومشاريع وزارة الإسكان! كانت الأحلام مادة مسلية في التلفزيونات: "يا شيخ حلمت أن أختي الصغرى حاطة تقويم أسنان وفجأة -اللهم اجعله خيرا- رأيت هذا التقويم بأسناني في الفك السفلي، وتضايقت منه وسحبته وتعورت"! أردت قبل أيام استمزاج رأي الناس. طرحت السؤال من خلال استطلاع للرأي عبر حسابي في تويتر: "أين اختفى مفسرو الأحلام. هل وجدوا عملا آخر مربحا، أم أن الناس أصبحت أكثر وعيا، أم أن الناس لم تعد لديها أحلام؟" شارك في الاستطلاع قرابة 15 ألف شخص. 58 % منهم قالوا إن الناس أصبحت أكثر وعيا، وهذا هو الاستنتاج الشخصي الذي كنت أود التحقق منه. بلغت ظاهرة تفسير الأحلام السنوات الماضية حدا مضحكا. تحولت لقافلة. الحارس والسمسار والمتنفع والجائع والبائع. حتى دخلت إلى منافسات الدوري. ودست أنفها في قضايا أمنية معقدة، كحكاية الطفلة المفقودة "لمى"، قبل سنوات، والتي أسهمت بشكل فاضح في كشف العوار النفسي والفكري لشريحة عريضة من المجتمع! دائما أقول: لا خلاف على الرؤى أبدا. "رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة"، ولا خلاف على تعبير الرؤى الحقيقية المستوفاة الشروط. لكن كثيرا من الأحلام هي أحاديث النفس والعقل الباطن، تبدأ في الظهور ليلا كأحلام وكوابيس، فيهرع الناس إلى تجار التفسير، ورسائل SMS، بحثا عما يزيل هذه الشكوك والقلق. اليوم، انتهت تلك الظاهرة، واستفحلت ظاهرة أخرى أشد منها -تذكرت أغنية عبدالحليم "موعود معايا بالعذاب.. موعود يا قلبي موعود"!- وهي تجارة "الرقية"، التي أصبحت وسيلة للثراء الفاحش. بالأمس ينام الواحد بعد أن شرب سطل لبن، وينهض متخما بالكوابيس وإيحاءات العقل الباطن، ثم يتوجه نحو الهاتف بقلق وخوف و: يا شيخ أنا حلمت! واليوم تصطف النساء عند أبواب الرقاة لإخراج جنّي قادم إليهن من زنجبار وجبال أطلس، ليتلبسهن. ولا أدري ما فلسفة إخواننا الجن -كفانا الله شرهم- لماذا يتلبسون نساء بلادنا، ويتركون نانسي عجرم وسهير القيسي وشيماء سبت! ما الذي يحدث، وكم سنستغرق من الوقت لتجاوز تجّار الرقية، كما تجاوزنا مفسري الكوابيس!.