قبل ان تبدأ فورة الابتهاج بانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية اللبنانية، تصاعدتْ سحب التساؤلات والشكوك حول التحدي الأوّل الذي سيواجهه الرئيس الذي انتُخب في عملية اقتراعٍ غير مسبوقة في تاريخ الانتخابات الرئاسية، سواء لجهة الرسائل «الملغومة» التي شهدها انتخابه من خلال دسّ مغلّفٍ إضافي في صندوقة الاقتراع وإجراء أربع دورات اقتراعٍ، أو من خلال إبرازِ كتلةٍ رافضة او استمرار الضرب على اعتبار انتخابه انتصاراً للمحور الإيراني. والواقع ان مرور اليوم الثاني بعد الانتخاب وشروع عون في ممارسة مهماته في قصر بعبدا، أتاح رؤيةً مختلفة للمشهد اللبناني الناشئ عن نهاية أزمة فراغٍ رئاسي قياسية استمرّت نحو 900 يوم، بما يوزّع هذا المشهد بين حدّيْن متوازييْن في الإيجابية والسلبية. على المستوى الإيجابي، برزتْ مجموعة عوامل طارئة داخلية وخارجية أحدثتْها أصداء انتخاب عون بدءاً بفتح قنوات كانت مسدودةً تماماً مع لبنان بلا رئيسٍ للجمهورية. اذ ان موجة الترحيب الخارجية بالانتخاب الرئاسي عكستْ على مستوى الدول الغربية والأمم المتحدة بعداً مختلفاً عن تلقُّف عواصم اقليمية لهذا الانتخاب من منطلق ان المجتمع الدولي ارتاح عموماً لملء الفراغ الرئاسي بصرف النظر عن شخص عون بالذات، بما يعني ان ما يهمّ الأسرة الدولية هو استقرار لبنان اياً تكن الهوية السياسية للرئيس. اما الأمر النافر في الترحيب الاقليمي، فجاء عبر تصريحاتٍ ايرانية كثيفة أرادت ترسيخ الانطباع بأن وصول عون كان تكريساً لانتصار المحور الذي تقوده طهران ويتولاه «حزب الله»، وهو الأمر الذي عبّر عنه بوضوح علي أكبر ولايتي واصفاً انتخاب عون بأنه انتصار للمقاومة الاسلامية والسيد حسن نصرالله. كما ان رئيس النظام السوري بشار الأسد سارع الى الدخول على المشهد للايحاء بحصته في هذا التطور من خلال اتصاله المباشر بعون مهنئاً. ومع ذلك يصعب تجاهل اهمية عودة صورة لبنان الى اللوحة الخارجية بعد طول غياب وتهميشٍ ولامبالاة. اما الإيجابية الفورية على المستوى الداخلي، فبرزت في الارتياح الواسع الذي ساد حيال التوجهات التي تضمّنها خطاب القسَم للرئيس المنتخب والذي نجح للوهلة الأولى في إطلاق موجة تبديدٍ نسبية للمخاوف من توجهاته السابقة المعروفة لجهة النظام والطائف والدستور، وذلك من خلال تعهداته التزام الطائف والالتزامات العربية والدولية، علماً أن هذا الخطاب أشاد به معارضون لوصول عون أسوة بمؤيّديه. وفي المقابل تصاعدتْ في الساعات الأخيرة التساؤلات عن الاستحقاق الاول الأساسي الذي يتمثّل بتشكيل الحكومة بعدما حدّد الرئيس عون اليوم وغداً مواعيد إجراء الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية الرئيس المكلف تشكيل الحكومة الجديدة. وأكدت مصادر سياسية مطلعة لـ «الراي» ان الرئيس المنتخب قلّل وتيرة استقبالاته الرسمية في اليوم الأول من نشاطه الرسمي امس ليتمكّن من التفرغ للاتصالات والمشاورات الاستباقية للاستشارات التي سيجريها اليوم وغداً ورسْم تصوُّر تقريبي للعقبات المحتملة التي ستواجه اولاً عملية تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة ومن ثم عملية التأليف. واذ يسود انطباعٌ بأن العقدة الأساسية في هذه العملية تتصل بموقف رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي بات رأس حربة المعارضة للعهد العوني، فإن المصادر تلفت الى اهمية قراءة الموقف الذي سيتّخذه بري اولاً من تسمية الحريري او عدم تسميته وخصوصاً بعدما بات ثابتاً ان بري حصل على تفويضٍ من «حزب الله» بأن يفاوض في الملف الحكومي عنه وعن الحزب معاً. وتقول هذه المصادر ان ثمة مناخات سلبية واضحة لدى بري و «حزب الله» حيال الحريري كل من حساباته، ولكن الاختبار الاساسي لن يكون الا في اللقاء بين الرئيس عون وكتلة «التنمية والتحرير» برئاسة بري مساء غد، في ختام الاستشارات علماً ان الجميع توقفوا عند تحديد الموعد الأخير للاستشارات لهذه الكتلة، فيما درجت الامور سابقاً ان تبدأ الاستشارات برئيس البرلمان وكتلته. وفيما جرى التعاطي بدايةً مع إدراج موعد كتلة بري باعتباره الأخير في الاستشارات على انه في سياق «الرسائل السلبية» المتبادلة بين عون ورئيس البرلمان في ضوء ما شهده مجلس النواب من مفاجآت في جلسة الانتخاب سواء لجهة «تضخّم» كتلة الاوراق البيض والأوراق الملغاة او بروز مظاهر ضربت هيبة المناسبة، فإن اوساطاً متابعة أبلغت «الراي» ان تحديد ترتيب كتلة بري في الاستشارات هو مؤشر الى ان عون كما رئيس البرلمان يريدان استنفاد نتائج الاستشارات مع سائر الكتل والنواب قبل ان يحسم بري موقفه، بما يجعله يشكل «بيضة القبان» في تسمية الحريري من عدمه، موضحة ان تأخير موعد كتلة بري جاء بالتوافق بين الرئيسين.