×
محافظة جازان

شاب يسدد طعنة قاتلة إلى شقيقه بسبب خلافات شخصية في العارضة

صورة الخبر

ينتظر على الباب ريثما تنتهي أسرة صغيرة مكونة من أربعة أفراد، من تناول الغداء. يرفض محاولات البعض إخلاء أماكنهم من أجله حتى يجلس، لكبر سنه والمرض البادي عليه، إلا أنه يفضل الانتظار قرب منضدة بجوار الباب مباشرة. تشعر الأسرة بشيء من الخجل فتحاول إنهاء طعامها سريعاً، على رغم تلكؤ الصبي الصغير في إنهاء طبقه فتنهره أمه وتذكره بما تكبدوه من أعباء إضافية لتناول وجبة كشري خارج المنزل في هذا اليوم، فينتهي من الملاعق الصغيرة المتبقية في صمت وهو ينظر إلى المسن المنتظر الذي يبتسم له ويشجعه. يجلس الرجل المسن القرفصاء ويسند رأسه على يديه، يرفعهما بين لحظة وأخرى. يصوب نظره وقبل أن يجفف عامل المطعم سطحها بعد أن رحلت الأسرة والأم تزجر الطفل، يقفز من جلسته ويتحرك بسرعة مضاعفة ثم يجلس في وهن. - «طبق كشري بالكبدة بتسعة وطلب كبدة برة وبصل... ومخلل». يبادره العامل بتململ: - يا حاج، كل مرة أقولك مفيش مخلل... لو عايز اشتري من على العربية بره وتعال». يعرض شاب صغير إحضار المخلل من أجله، يوافق ويدعو له: «ربنا ما يحوجك ولا يسجنك يا بني»، خرج الشاب سريعاً وعاد يحمل كيساً صغيراً فيه قطع من اللفت والجزر المخلل وقرن فلفل أخضر كبير. يحضر العامل طبق الكشري والبخار يعلو سطحه المغمور بالكبدة، يلقي بمنديل ورقي بجوار الطبق ويرحل، في ترتيب منتظم يمد الرجل يده ويفرغ طبق البصل أولاً، يضيف الكبدة ويغرقها بالصلصة الحارة، وأخيراً قطرات من عصارة الليمون، يقلب مكونات الطبق في هدوء حتى لا يتناثر أي من محتوياته خارجاً، ثم يدس المعلقة وينتظر. يخرج من جيب جلبابه هاتفاً شاشتُه مغطاة بالشروخ، يضع إبريق المياه في منتصف المنضدة ويسند الهاتف عليه، وبعد دقائق قليلة يبتسم ويضغط على زر البدء، يخرج صوت عادل إمام: «بعد 14 سنة خدمة في ثانوي بتقولي أقف»، يضحك الرجل في انكسار، ويتناول ملعقته الأولى فتشتعل النار في جوفه وتدمع عيناه. مع كل ملعقة جديدة من طبقه الحار جداً، وقضمته لقرن الفلفل المشتعل، يعلو نشيجه ويمسح وجهه المبلل بالعرق والدموع بالمنديل الذي يتفتت وتعلق قطع منه برموشه. تقدم زبون آخر لمنضدته، فاستوقفه العامل: - «سيبه... هو بيجي عشان يعيَّط مش عشان ياكل. ربنا يكون في عونه». ينتهي من طبقه فيأتي العامل من أجل الحساب. - «لأ، انهاردة أنا محتاج طبق كمالة». يتحدث وشبح ابتسامه يخفت. يبتسم العامل بانشراح: - خير يا حاج؟ - فاكر ابني؟ يقاطعه العامل: - «الله يرحمه يا حاج. كان زين الشباب. وحد الله». بنبرة مهزومة: - «أنا عرفت أنه مماتش... ده مسجون». يسأله العامل بفضول: - «مسجون إزاي... ده قالوا لك من 5 سنين مات». يتنهد الرجل بتعب: - «أدي الله، وأدي حكمته يا بني. موتوا أمه بحسرتها على موته. ودفنته اللي طلعت بهدومه بس». يبتعد العامل، يضرب كفيه ويهمس لعامل آخر بالقصة الحزينة التي تشبه قصص اختفاء أخرى فيهز رأسه في وجوم، بينما يتناول الجميع الكشري في صمت، ونشيج الرجل المسن يعلو كلما تعالت ضحكات رواد المسرح إذا ما شاغب عادل إمام معلمته.