×
محافظة المنطقة الشرقية

ضرس العقل تناقش صراعات المجتمع

صورة الخبر

عاصم عبد الخالق الانتخابات الأمريكية ليست منافسة سياسية فقط، وليست مجرد صراع بين مرشحين يطرحون أفكاراً وبرامج مختلفة، ولكنها قبل ذلك وأهم منه تعد سباقاً محموماً لجمع المال وإنفاقه، لكسب أصوات الناخبين. القاعدة الانتخابية الشائعة هي أن من يجمع أموالاً أكثر ينفق أكثر. ومن ينفق أكثر يضمن الفوز. هذه المعادلة ليس لها غير نتيجة واحدة هي أن الأغنياء هم غالباً الفائزون، سواء بأنفسهم أو عبر وكلائهم من السياسيين، الذين يتلقون تبرعاتهم السخية مقابل الدفاع عن مصالحهم ورغباتهم. في الأغلب ما تجسد انتخابات الكونغرس، أكثر من الرئاسة، العلاقة القوية والمتلازمة بين حجم الإنفاق والفوز. ويقول التاريخ إن تسعاً من كل عشر منافسات على مقعد في الكونغرس يفوز فيها من ينفق أكثر. وفي انتخابات 2012 كان 94% من الفائزين في مجلس النواب، و82 % في مجلس الشيوخ هم الأكثر إنفاقاً، مقارنة بمنافسيهم. وفي انتخابات 2008 هيمن المرشحون الأكثر إنفاقاً على 93% من مقاعد النواب، و94% من الشيوخ. وكانت النسبة في 2006 هي 94% للنواب و73% للشيوخ. أما متوسط إنفاق المرشح الفائز في 2012 فكان 2,3 مليون دولار، مقابل 1,1 مليون دولار للخاسر. وبالطبع ففي الكثير من الحالات يتجاوز ما ينفقه الفائزون هذا المبلغ بكثير. نفس السباق المالي المحموم يجري على مستوى الانتخابات الرئاسية، التي تشهد هذه الدورة إنفاقاً بمعدلات لا سابق لها. وهناك دائماً ثلاثة أطراف رئيسية تتلقى الأموال، هي: الحملة الانتخابية للمرشح، واللجنة الوطنية للحزب، ولجان العمل السياسي المعروفة باسم باكس. ويعاون هذه الأطراف جيش ضخم من المتطوعين والمستشارين والمكاتب المتخصصة في جمع التبرعات. وتشير دراسة أعدتها واشنطن بوست إلى أنه حتى تاريخ 30 سبتمبر/أيلول الماضي، جمعت حملة المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون 1,1 مليار دولار أنفقت 93% منها. بينما جمع منافسها الجمهوري دونالد ترامب 712,1 مليون دولار أنفق منها 86%. مع الأخذ في الاعتبار أن ترامب لم يبدأ جدياً في جمع التبرعات إلا في يونيو/حزيران الماضي. وحتى لا نغرق في طوفان الأرقام المتاحة بغزارة، نكتفي بثلاث ملاحظات سريعة. الأولى: أن حملة ترامب تعتمد بصورة أساسية على التبرعات الصغيرة، التي تبلغ 200 دولار فأقل. وشكلت هذه الإسهامات 49% من إيراد الحملة. بينما تقلصت هذه النسبة لدى هيلاري إلى 16% فقط. ويشير ذلك إلى حقيقة معروفة هي اعتماد المرشحة الديمقراطية أساساً على أباطرة المال الكبار الذي يتبرعون لحملتها بسخاء لا يحظى ترامب بمثله، رغم أنه أحدهم. إلا أنهم يضنون عليه بأموالهم بعد أن أثارت تصريحاته الكثيرة والمتضاربة قلقهم. ويوضح تحليل البيانات أن 20% من التبرعات التي حصلت عليها هيلاري جاءت من مئة مساهم فقط، بل إن خمسة مليارديرات من المعروفين أسهموا بمفردهم بنحو 66 مليون دولار في حملتها. أي دفعوا دولاراً مقابل كل 17 دولاراً حصلت عليها الحملة من 2,3 مليون متبرع. ومن الظلم لترامب الحكم عليه بالفشل في جلب أموال هؤلاء الأثرياء، مقارنة بمنافسته، لأن علاقتها بمجتمع المال هي وزوجها لم تبدأ في هذه الانتخابات، بل تمتد إلى نحو أربعين عاماً. وخلال هذه الأعوام أقام آل كلينتون علاقات وطيدة ومتشابكة مع أباطرة المال، الذين أغدقوا على الزوجين نحو أربعة مليارات دولار، لتمويل أنشطتهما السياسية والخيرية. الملاحظة الثانية، هي أن سباق المال في الانتخابات الرئاسية الحالية يبدو بلا سقف. ويتجاوز حجم الأموال التي سكبت فيه ما شهدته أي انتخابات أخرى. وعلى سبيل المثال فإن انتخابات 2000 بين بوش الابن وآل غور لم تتجاوز تكلفة الحملتين معاً مليار دولار. قفز هذا الرقم في انتخابات 2012 إلى 985,7 مليون دولار لأوباما مقابل 992 مليوناً لمنافسه ميت رومني. وتوضح إحدى الدراسات أن حجم الإنقاق على الحملات الانتخابية تضاعف 250 مرة منذ عهد الرئيس إبراهام لينكولن وحتى أوباما. الملاحظة الثالثة والأخيرة هي أنه خلافاً للكونغرس لا يبدو أن هناك ارتباطاً شرطياً بين الإنفاق والفوز في الانتخابات الرئاسية. وهناك حالات كثيرة فاز فيها المرشح الأقل إنفاقاً. وعموماً لا توجد عادة فجوة كبيرة في التكاليف بين حملتي مرشحي الحزبين الكبيرين. وخلال 14 انتخاباً رئاسياً منذ 1960 وحتى 2012 فاز المرشح الذي أنفق أكثر في ثماني دورات. وإذا جاز لنا استخدام حجم التبرعات ومستوى الإنفاق كمؤشر على النتيجة فستكون هيلاري هي الأقرب للفوز. والله أعلم. assemka15@gmail.com