تواجه رئيسة وزراء بريطانيا تريزا ماي ضغوطا من شتى الاتجاهات وانتقادات تتهمها بأنها ما زالت تفتقر إلى استراتيجية للخروج من الاتحاد الأوروبي. وزاد الخناق عليها بعد نشر محادثة سابقة لها مع أحد المصرفيين المتنفذين في الحي المالي بلندن عبرت من خلالها عن التداعيات الاقتصادية والمالية على بريطانيا في حالة خروجها من التكتل الأوروبي. وحتى ثلاثة من وزرائها، الخارجية والخروج والتجارة الدولية، وجميعهم من المعسكر المعادي للتكتل الأوروبي أصبح يطلق عليهم بسخرية اسم «الفرسان الثلاثة». وهذا الأسبوع أضاف رئيس وزراء بريطانيا الأسبق توني بلير صوته إلى أصوات كثير من المتنفذين في السياسة البريطانية، خصوصا من داخل حزب المحافظين الحاكم، حزب تيريزا ماي، مطالبا بتنظيم استفتاء ثان حول بريكست، معتبرا أن خروج بلاده من الاتحاد الأوروبي سيكون «صعبا جدا» أمام قادة أوروبيين غير متساهلين إطلاقا. وبعد موافقة حكومة ماي على مشروع توسعة مطار هيثرو المثيرة، والتي ستكون مكلفة سياسيا لها، خصوصا أن بعض وزرائها يعادون الفكرة ويقفون ضدها بقوة. كما أن البرلمانات المحلية في اسكتلندا وإقليم ويلز وآيرلندا الشمالية تطالبها بممارسة حق الفيتو في قرار الخروج وتهددها باللجوء إلى المحاكم. وهذا ما قامت به قبل أيام حكومة آيرلندا الشمالية التي صوتت بنسبة 56 في المائة ضد الخروج. بعض المراقبين يعتقد أن الخروج من هذا المأزق، الذي تواجهه حكومة ماي وبريطانيا ككل، هو اللجوء للبرلمان للتصويت على مشروع قرار يقلب نتيجة الاستفتاء، ولهذا يتوقع هؤلاء أن تلجأ ماي لجمهور الناخبين في انتخابات عامة في الربيع المقبل. وقال بلير لإذاعة بي بي سي 4: «لا سبب بتاتا لإغلاق الباب أمام كل الخيارات (..) يحق لنا أن نواصل التفكير وإذا دعت الحاجة إلى أن نغير رأينا». وأضاف: «إذا تبين خلال العملية أن الاتفاق غير مرض أو يترتب عليه عواقب وخيمة لدرجة يرفض فيها البريطانيون الخروج من الاتحاد عندها علينا إيجاد حل من خلال البرلمان أو ربما (..) من خلال استفتاء جديد». وفي صحيفة «ذي نيو يوروبيان» وصف بلير، رئيس الوزراء بين عامي 1997 و2007 البريكست بـ«الكارثة»، ودعا مؤيدي بقاء بريطانيا في الاتحاد إلى «التعبئة» في وجه مؤيدي الخروج. وقال الزعيم العمالي السابق إنه بحث مؤخرا مع الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في التحديات التي ستواجهها بريطانيا خلال مفاوضات الخروج من الاتحاد الأوروبي. وأوضح «أقنعني ذلك بأن الأمور ستكون صعبة جدا (..) لن نجري هذه المفاوضات مع رجال أعمال أوروبيين يرغبون في دخول الأسواق البريطانية (..) الأشخاص الذين سنتفاوض معهم هم الزعماء السياسيون للاتحاد الأوروبي وبرلماناته، وبالتالي سيكون الأمر من وجهة نظري مفاوضات معقدة للغاية». وقال إن على بريطانيا تقديم تنازلات كبيرة حفاظا على وصولها إلى السوق الواحدة إذا لم ترغب في التعرض لنتائج اقتصادية «خطرة». لكن رفضت محكمة في آيرلندا الشمالية يوم الجمعة، أول طعن قضائي على الموضوع. ورفضت محكمة بلفاست العليا دعوى بأن الخروج سيؤثر سلبا على اتفاق السلام المبرم بين آيرلندا والحكومة البريطانية لعام 1998 المعروف باسم اتفاق الجمعة العظيمة بقطع تمويل الاتحاد الأوروبي لضحايا النزاع، وذلك حسبما أفادت وكالة أنباء «برس أسوسييشن». وقالت المحكمة إن التداعيات ما زالت غير مؤكدة بالنسبة لآيرلندا الشمالية، بعد أن دفع المحامون بأن ترك التكتل يمكن أن يمثل انتهاكا لاتفاق السلام. وقال القاضي بول ماجوير: «في حين أن رياح التغيير على وشك أن تهب، فلا يمكن بعد معرفة الاتجاه الدقيق الذي سوف تسير فيه». وفي قضية منفصلة تضم أربعة من أحزاب آيرلندا الشمالية، رفضت المحكمة أيضا الطعن بأن رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي ليس لها السلطة في استخدام امتياز قضائي قديم لبدء مفاوضات الخروج من التكتل الأوروبي من دون تصويت برلماني. وتصر الحكومة البريطانية على أن لها هذا الحق بموجب الصلاحيات السيادية التي تمنح امتيازا قضائيا للحكومة نيابة عن الملكة. وكانت قد اجتمعت تيريزا ماي مع الوزراء الأوائل للحكومات المحلية لبحث موضوع ممارسة حق الفيتو في قرار الخروج. وهي المرة الأولى التي يلتقي فيها قادة الأمم التي تشكل بريطانيا المهددة بالتفكك مع قرار البريطانيين الخروج من الاتحاد الأوروبي. وبعد الاجتماع حذرت الوزيرة الأولى الاسكتلندية نيكولا ستيرجن من أنها لن تقف مكتوفة الأيدي وهي ترى بلادها «تدفع إلى هاوية خروج صعب من الاتحاد الأوروبي»، معربة عن شعورها بالإحباط من محادثاتها مع تيريزا ماي. وقالت عقب المحادثات في مقر الحكومة البريطانية إن «أجزاء كبيرة من الاجتماع كانت محبطة للغاية». واستقبلت ماي إلى جانب ستيرجن الوزير الأول لويلز كاروين جونز والوزيرة الأولى لآيرلندا الشمالية أرلين فوستر ونائبها مارتن ماغينيس. وصرحت ستيرجن لتلفزيون سكاي نيوز: «لم تتغير معلوماتي بعد الاجتماع عنها قبل الاجتماع بشأن المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي». وهددت الزعيمة ستيرجن بإجراء استفتاء ثان على استقلال اسكتلندا إذا منعت من الدخول إلى السوق الأوروبية المشتركة بعد خروج بريطانيا من التكتل. وقالت إنها ستحاول أن تكون «منطقية» إلا أنها حذرت من أن «الشيء الذي أنا غير مستعدة للقيام به هو الوقوف والتفرج على اسكتلندا وهي تلقى من حافة منزلق بريكست القاسي». لكن ماي نفت في وقت لاحق توجه بريطانيا نحو «بريكست قاس» مؤكدة بأن خططها لضبط الهجرة لن تعرقل التوصل إلى اتفاق تجارة جيد مع الاتحاد الأوروبي. وكان قادة الاتحاد الأوروبي أكدوا أن الدخول إلى السوق الأوروبية المشتركة يعتمد على حرية الحركة التي وعدت ماي بوقفها بعد أن هيمنت مسألة الهجرة على الجدل في استفتاء البريكست. ووعدت ماي قادة الاتحاد الأوروبي بأنها ستبدأ المفاوضات الرسمية لخروج بلادها من الاتحاد بنهاية مارس (آذار)، إلا أنها رفضت تحديد استراتيجيتها واكتفت بالقول إنها ستضع القيود على الهجرة في رأس أولوياتها. ويخشى أن يعني ذلك الخروج من السوق المشتركة وهي الخطوة التي تعارضها الشركات وحكومة اسكتلندا. وفي وقت سابق صرحت متحدثة باسم ماي أنها مصممة على ضمان الوصول إلى «مقاربة موحدة» للبريكست، رافضة فكرة وضع ترتيب خاص لاسكتلندا. وقالت المتحدثة: «من المهم جدا أن يكون لبريطانيا موقف واحد لحماية المصالح البريطانية ككل. نحتاج إلى ضمان بعدم وضع عوائق أمام التجارة داخل المملكة المتحدة». وبعد أن زار وزراء اسكتلنديون بروكسل لمحاولة الحصول على دعم لقضيتهم، حذرت متحدثة باسم ماي من العمل على «تقويض» استراتيجية بريطانيا. إلا أن ستيرجن قالت: «لا أستطيع تقويض شيء غير موجود. ولا يبدو لي أنه توجد استراتيجية تفاوض». ورفضت ماي السماح للبرلمان البريطاني التصويت قبل تفعيل المادة 50 من معاهدة لشبونة التي تطلق عملية التفاوض على الانسحاب من الاتحاد، إلا أنه من المرجح أن يصوت النواب على الاتفاق النهائي.