لأن صناعتنا الوطنية تشكل الخيار التنموي الأمثل الذي يحقق طموحاتنا، ويخفف من اعتمادنا على النفط كمورد وحيد لاقتصادنا، ويمنح فرص العمل لمواطنينا، ويضاعف من عوائد صادراتنا واستثماراتنا، صدر قبل ثلاثة أسابيع قرار مجلس الوزراء السعودي القاضي بإعطاء الأولوية لمنتجاتنا الوطنية في المشتريات الحكومية. هذا القرار المميز جاء لتحفيز مصانعنا الوطنية على رفع نسبة توطين وظائفها وزيادة نسبة مساهمتها في ناتجنا المحلي الإجمالي. تصوروا نتائج التزام أجهزتنا وشركاتنا بشراء منتجاتنا الوطنية في مشاريعها الحكومية التي فاقت قيمتها تريليون ريال، ولو التزمت لجان البت في المناقصات بمقارنة منتجاتنا الوطنية مع منافستها الأجنبية من واقع التزامها بالمواصفات السعودية وليس بمدى ارتفاع أو انخفاض أسعارها، ولو قام الممثل المالي بالتوقيع على مستخلصات المقاولين بعد التأكد من شرائهم لمنتجاتنا الوطنية. تصوروا لو حصلت صادراتنا الصناعية على المزايا التمويلية والائتمانية اللازمة للوصول بها إلى الأسواق العالمية، ولو قامت الدولة باستبدال الإعانات المالية الممنوحة للدول النامية بمنتجاتنا الوطنية، ولو قامت الجهات الحكومية لدى شراء جميع احتياجاتها بتقييم نسبة السعودة الفعلية العاملة في مصانعنا السعودية بدلاً من تقييم نسبة أرباحها. تصوروا لو اتخذت سفاراتنا في الخارج قراراً استراتيجياً بفتح أبوابها على مصراعيها لكل مستثمر أجنبي يطالب بتأشيرة دخول للسعودية لضخ استثماراته في صناعتنا الوطنية، ولو تفانت إدارات الجوازات بالمطارات والموانئ السعودية بتسهيل إجراءات دخول المستثمرين الأجانب إلى أرض الوطن الواعدة، ولو قامت مصلحة الإحصاءات العامة بتوفير المعلومات الحديثة الموثقة والمطلوبة من المستثمرين في أوقاتها، ولو تنافست الأجهزة الحكومية على تسريع إنهاء إجراءات تسجيل الشركات الصناعية في يوم واحد. تصوروا لو مارس الموظف الحكومي صلاحياته بحرفية متقنة وشفافية مطلقة لتسهيل أعمال المستثمرين المواطنين والأجانب معاً ضمن مبدأ المعاملة الوطنية بدون تمييز، مستنداً بذلك على قرارات مسيرة الإصلاح الاقتصادي. وتصوروا لو استخدمت الأجهزة التنفيذية مرونة الأنظمة السعودية في تسهيل معاملات الصناعة الوطنية، ولو ألزمت الهيئة العامة للاستثمار كافة الجهات الحكومية بدعم مراكز الخدمة الشاملة لاستلام طلبات المستثمرين وإصدار التراخيص وإنهاء معاملاتهم من خلال الشُباك الواحد. جميع دول العالم تمارس سياسة تشجيع منتجاتها الوطنية، فالدول الصناعية الناشئة التي تشكل اليوم 48% من اقتصاد العالم، أصبحت أكثر دول العالم إنفاقاً ودعماً وتشجيعاً لصناعتها الوطنية. قبل ثلاثة عقود أصدرت حكومة تايلاند خطتها الهادفة لتوظيف مليوني عامل فني في صناعة قطع غيار السيارات. بين ليلة وضحاها أصبحت هذه الدولة ثاني أكبر منتج لقطع غيار الشاحنات الصغيرة في العالم بعد أميركا، وثالث أكبر مُصَدِّرٍ لها في كافة أسواق العالم. ولضمان نجاح أهدافها، قامت تايلاند بتشجيع صناعتها وإصدار أنظمتها القاضية بإعطاء الأفضلية لمنتجاتها الوطنية في المشتريات الحكومية. وهذا ما شَجَّعَ رؤوس الأموال على التدفق للاستثمار في إنشاء 3 مجمعات صناعية متقدمة، تحتوي على 15 مصنعاً للسيارات، و5 مصانع للدراجات النارية، و800 مصنع لإنتاج قطع الغيار. وشارك في تكوين هذه المجمعات 78 شركة تايلاندية و354 شركة عالمية، لا تقل حصة الشركات اليابانية فيها عن 80%، تليها الشركات الأميركية بنسبة 12% والأوروبية بنسبة 8%. وأصبحت تايلاند في عقد من الزمن معقلاً لصناعة أكثر من 55% من قطع غيار السيارات، و100% من قطع غيار الدراجات النارية في المجموعة الآسيوية، وتم تصنيف منتجاتها في العام الماضي كأفضل أنواع قطع الغيار في الدول النامية بشهادة منظمة المواصفات والمقاييس الدولية. صناعتنا الوطنية تواجه معضلةً مزمنةً لعدم احترامنا لأنظمتنا الوطنية المميزة، مما أدى إلى إخفاقنا في تعظيم ثقة المستثمرين بقدرات أسواقنا الناشئة، وابتعادنا عن أفضل أساليب الترويج لمشترياتنا الحكومية وتراجع نتائج جدواها الاقتصادية، إلى جانب ضعف ثقافتنا في إقناع الشركات العالمية بضرورة شرائها كشرط أساسي لفوزها بمشاريعنا الكبرى. التقارير الدولية توقعت في العام الحالي أن تقود المشتريات الحكومية السعودية طفرة مرتقبة في حجم الاستثمار في مشاريع البنى التحتية والإنفاق في قطاع الإنشاءات، لتصبح المملكة أكبر المستفيدين من تنفيذ الإصلاحات الهيكلية التي سوف تشهدها اقتصاديات الدول الخليجية. كما توقعت هذه التقارير أن تشكل أسواق المنطقة ما نسبته 12% من إجمالي استثمارات قائمة الدول الصاعدة و4.4% من إجمالي الاستثمارات العالمي في مشاريع الإنشاءات خلال العقد المقبل، مع مواصلة تصدر المملكة لهذه القائمة. وأشارت كافة التقارير إلى أنّ المملكة مرشحة لكي تكون الرائدة في إنفاقها على قطاع البنى التحتية والإنشاءات في المنطقة ليسجل نمواً في العام الجاري بنسبة 177% مقارنة بالعام الماضي، مما يمثل حصة 46% من المشاريع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال العامين الماضيين. على كل مسؤول في أجهزتنا التنفيذية أن يعلم بأن كل 1000 ريال من الاستثمار في صناعتنا الوطنية تسهم في إيجاد فرصة عمل لأحد المواطنين براتب أساسي يعادل 5000 ريال سعودي، وأن كل 1000 ريال من عوائد صادراتنا الصناعية تسهم في دعم اقتصادنا الوطني بما يزيد عن 6000 ريال سعودي. بل على كل مسؤول يفضِّل المنتجات الأجنبية على منتجاتنا الوطنية بحجة ارتفاع أسعارنا أن يعلم بأن حجم خسائرنا الفادحة تفوق 10 أضعاف المبالغ التي يوفرها لخزينة الدولة جراء إغلاق مصانعنا الوطنية ونزوح المستثمرين إلى الدول المجاورة والأجنبية. المواطنة أساس في تنفيذ قرار مجلس الوزراء بإعطاء الأولوية لمنتجاتنا الوطنية.