×
محافظة المنطقة الشرقية

بالصور.. "الداخلية" تعلن قائمة جديدة لـ9 مطلوبين أمنيين.. ومكافأة تصل إلى 5 ملايين ريال لمن يساعد في القبض عليهم‎

صورة الخبر

يداي ترتجفان فمنذ سنوات لم أمسك القلم إلا لكتابة ما يمليه الأستاذ، أو لإعادة ما أملاه في الامتحان؛ لعلي أكون من الفائزين. خمس سنوات من إهمال للموهبة كفيلة بأن تجعل قلبي يخفق بشدة، خوفاً وتردداً.. كثير من التساؤلات يراودني من حين إلى حين، فماذا لو نسيت قواعد اللغة؟ بعد أن ركزت اهتمامي في السنوات الأخيرة على إتقان اللغات الأجنبية التي من شأنها أن ترتقي بي في دراستي الأكاديمية؟ وماذا لو نسيت العبارات والتراكيب الجميلة التي لطالما دوّنتها في دفتري الصغير عند مطالعتي لروايات جبران خليل جبران وجرجي زيدان، وأشعار درويش والقباني وأبي القاسم الشابي؟ فالكتابة يا أحبتي هي تطلُّع إلى الحُلول في مقام البوح، بحثاً عن صيغة وجود طافحة بلذة متوهَّمة أو مُشتهاة، والانخراط في هوس الكتابة هو نوع من التلبُّس بلبوس كثافة الكلمات وعرائها الموغل في السفور. توالت الأيام بسرعة مذهلة، وأنا على يقين بأن ما أكسبتنيه الكتابة من نرجسية حالمة بإحلال الذات في مقامات التجلِّي أو مدارات التخفِّي المتحصِّن خلف دغل الحروف والكلمات لم يتغير رغم العزوف عنها، حيث كنت أتسللَ إليها عبر كلِّ سبيل، ساهرة آتي إليها، راكبة صهوة الكلمات، ممتقعة بِلَطَخَاتِ المداد أو إهاب الحزن والحداد، متوشِّحة الريشة والأقلام، متلفِّعة بياض الأوراق. ولي في ذلك، مثل المتصوفين، مشاهدات ومقامات وأحوال، ولي في ذلك احتفال وجرح، وجمر وخلود، وتَرقٍّ إلى ما كان يسميه هنري ميشو، بحكمته بالغة الحزن: "الحياة المضادة التي تولد من رحم الكتابة". لا أعرف بالتحديد متى اكتشفت أنني أستمتع وأنا أكتب، ربما عندما طلب مني أستاذ أن أقرأ على الصف موضوع إنشاء كتبته، أو عندما كنت أبث همومي للورق وأنا طالبة في أولى سنوات الجامعة، ولكني واثقة أنني كنت قارئة شرهة في كل مراحل حياتي، إلى أن انقلب الحال وأصبحت لا أطالع سوى كتب الاختصاص التي لا نهاية لها، فلم أعد قادرة على الكتابة لضيق الوقت وكثرة الاهتمامات المتعلقة بدراستي. كثيراً ما حدثوني بأن الموهبة كالنبات في الأرض، إن اهتممت به نما وجاد لك بأطيب الثمر، وإن أهملته أصبح هشيماً تذروه الرياح، لكني في الحقيقة لم أكن على اقتناع تام بهذه الفكرة في البداية، بيد أنه بمرور الوقت وانهماكي في التخصص العلمي ثم في الدراسة الجامعية، أصبحت ذاكرتي تخونني في كثير من المناسبات، حتى إنني أصبحت أخلط بين مؤلفات طه حسين ونجيب محفوظ، ونسيت أنني في يوم ما قرأت للمنفلوطي، حتى الشعر لم أعد أتذكر سوى بعض الأبيات في أحكام النون الساكنة والتنوين من تحفة الأطفال.. حينها اكتشفت أن الموهبة هي ليست فقط كالنبات في الأرض، وإنما هي كالدابة إذا فرطت. كثيراً ما كنت أجد الأعذار لنفسي؛ لأنني في الواقع كنت مسيرة لا مخيرة، فالحياة اليوم لم تعد باليسيرة، وكان من الضروري التجند من أجل التميز الدراسي فقط، وأصبحت أقتنع شيئاً فشيئاً بأن الأصل في الظواهر والمظاهر والعوالم والأشياء هو التواري خلف أقنعة الصمت، والتمترُس وراء ألوية التمنُّع والترفع والكتمان. رغم أن منطق الحياة هو تعرية الثاوي خلف النقاب، إنطاق الصامت، الإمساك بالمنفلت والعابر، وإخراج الأشياء من حيِّز التواري إلى غَوْرِ الحضور، من وحشة العَي إلى احتفالية الحياة وخربشات الكتابة. وفي نفس الوقت اكتسبت من المعرفة الشيء الكثير في الجامعة، فاليوم أنا قادرة على تحليل الظواهر الطبيعية والمناخية والاقتصادية والجغراسياسية وأحوال الطقس، فنما لديَّ حس نقدي جعلني أولاً أنقد ذاتي وتقصيري، ومن ثم حررني من سجون مسلماتنا الجاهزة ومن قيود يقيناتنا الكاذبة. على هذا الأساس، لا بد من أن نعرّي الكون من مصطلحاتنا ومنا أيضاً. لذا أنا اليوم ودون تفكير معمق أعلن الوصال بعد الهجر، فما دواء المحب إلا الوصال. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.