الأزمة الليبية من منظور جزائري: الحل في تطويع الإسلاميين تتعمق مخاوف الدول المجاورة لليبيا على ضوء التهديد الذي يمثله تنظيم داعش، وغياب أفق واضح لحل الأزمة في البلاد، لكن، وفيما تعمل دول بعيدة جغرافيا عن ليبيا على بحث سبل إيجاد حل لأزمتها، تبدو دول الجوار الحدودية، خصوصا الجزائر، على مسافة من الشأن الليبي، إلا في ما يخدم مصالحها أولا ووفق ما يتناسب مع التكتيك الإستراتجي الذي ترى فيه حلا لأزمة ليبيا، والذي يبدو محصورا في زاوية تطويع الإسلاميين. العربخالد عمر بن ققة [نُشرفي2016/10/29، العدد: 10439، ص(6)] تدخل على قدر المصلحة لم تعد ليبيا مسرحا للصراع الدموي والاختلاف السياسي بين مواطنيها فحسب، لكنها، بشكل يثير مخاوف الشعب الليبي ودول الجوار، خاصة مصر وتونس والجزائر، غدت استحضارا للمستقبل لجهة استمرارية الصراع والانتهاء إلى دولة فاشلة، ولذلك تحاول عدة أطراف خارجية العمل من أجل أن يكون لها تواجد وتأثير ليس فقط بما يخدم مصالحها، ولكن أيضا بما يحرّك الفعل السياسي الليبي. نتيجة لذلك، تتعامل معظم الدول مع الشأن الليبي من زاويتين، الأولى: ثوابت تؤسس عليها من منطلق أنها إستراتيجية طويلة الأمد، والثانية: متغيرات، تعتبر تكتيكا مرحليا، تحكمها المعطيات على الساحتين المحلية والدولية. من هذه الدول نجد الجزائر، التي وإن بدت بعيدة عن الشأن الليبي، إلا أنها تتمتع بتأثير لم توظفه بشكل مباشر إلى الآن، مستندة إلى قاعدة أساسية، وهي عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، حتى لو كان في ذلك تأثير غير مباشر على مصالحها الوطنية، والحالة التي تتدخل فيها بشكل مباشر، هي تهديد أمنها الوطني بشكل علني، وغير قابل للتصحيح أو التعديل أو التوقيف، أو الاعتداء على سيادتها. بتطور الأحداث في ليبيا وظهور تنظيم داعش هناك، أصبحت الجزائر مهددّة في سيادتها، وبما أنها غير مستعدة للتدخل بشكل مباشر في الأزمة الليبية، وليس من مصلحتها تأييد طرف على حساب آخر، فقد اختارت طريقا مختلفا عن الدول الأخرى سواء المجاورة أو الأخرى البعيدة، ويتمثّل في وضع خطة إستراتيجية قائمة على تجربتها في مواجهة الإرهاب وتطويع تيار الإسلام السياسي بما يخدم السياسة العامة للدولة. الرافضون لإشراك الإسلاميين مثل مصر أو الداعون إلى إشراكهم مثل الجزائر يقدمون مصلحتهم على مصلحة ليبيا فجر ليبيا.. والسراج لقد كانت مثيرة للدهشة والتساؤل، في مرحلة أولى، متابعة بل ومحاورة الجزائر لقوات فجر ليبيا (تحالف مجموعة ميليشيات إسلامية تضم درع ليبيا الوسطى، وغرفة ثوار ليبيا في طرابلس، وميليشيات تنحدر أساسا من مناطق مصراتة، إضافة إلى ميليشيات من غريان والزاوية وصبراته.. إلخ)، وهي جميعها ذات صلة بجماعة الإخوان المسلمين في ليبيا، حسب ما أشارت إلى ذلك مصادر إعلامية كثيرة. ومع أن الجزائر في حالة عداء وخصومة مع جماعات الإسلام السياسي المسلحة، وضد عودتها بأي شكل كان، ناهيك عن أن قيادات إسلامية ليبية كانت ولا تزال على خلاف مع الجزائر، إما بسبب مواقفها السابقة من الإسلاميين، وإما لأنها كانت داعمة لنظام القذافي، ومرحبة بوجود أفراد من عائلته وفريقه، إلا أنها تفضل في الوقت الحاضر إشراك الإسلاميين في ليبيا. كما كان مدهشا في مرحلة ثانية، تأييد الجزائر لحكومة الوفاق الوطني بقيادة فايز السراج، التي رغم التأييد الدولي الذي حظيت به لم تحصل على اعتراف البرلمان الليبي، وهي بذلك تراها حكومة فاشلة مستقبلا، وستؤدي إلى المزيد من الصراع، منذ أن اشتدت أوزار الحرب حول الآبار النفطية، ثم إعلان الحرس الرئاسي المكلف بتأمين القصور الرئاسية في العاصمة طرابلس انشقاقه “بكامل عدته وعتاده” عن مجلس الدولة الداعم لحكومة الوفاق الوطني بقيادة فايز السراج، وانحيازه إلى حكومة الإنقاذ (غير المعترف بها دوليا) بقيادة خليفة الغويل، ومن ورائها المؤتمر الوطني العام برئاسة نوري أبو سهمين. وفي مرحلة ثالثة رفضها التدخل الخارجي، ثم عدم اتخاذها موقفا عمليا بعد التواجد العسكري الفرنسي والأميركي في ليبيا، وظلّت رهينة لحسبات دولية، تنظر إلى المسألة الليبية من زاوية مصالحها الخاصة بغض النظر عن التكلفة التي يدفعها الشعب الليبي نتيجة لذلك. الجزائر تعمل على تأييد المواقف الأممية بخصوص ليبيا، وهي تقوم بذلك، كعمل تكتيكي حوار ومشورة.. ورفض تعمل الجزائر على تأييد المواقف الأممية بخصوص ليبيا، وهي تقوم بذلك، كعمل تكتيكي، لا تبتعد عن استراتيجتها، التي تنطلق من ثلاث قواعد أساسية: - دفع جميع الأطراف الليبية إلى حوار شامل لا يقصي أي طرف بما في ذلك الإسلاميون، باستثناء الجماعات الإرهابية. - الوقوف إلى جانب الليبيين على مستوى المشورة، أي لا يتحول الدعم إلى ضغط. - رفض دعم أي طرف بالسلاح أو بالمال حتى لا يحول ذلك دون الوصول إلى الهدف الأسمى، وهو استقرار الدولة الليبية من خلال مشاركة كل الأطراف. والقواعد السابقة، هي بمثابة مداخل للإستراتيجية الجزائرية في ليبيا، والتي تتشكل من ثلاثة مسارات تتحرك في وقت واحد، وتسعى لهدف واحد، وهو إنقاذ ليبيا، الذي هو بالأساس إنقاذ للجزائر ولكل الدول المجاورة، لكن دون استفزاز للقوى الموجود على الأرض، أو تصادم مع القوى الخارجية المؤثرة. هنا، يتقدم الدبلوماسي والعلائقي على غيره من العوامل الأخرى، كما نرى في المسارات الثلاثة، أولها: الحضور الدائم عبر علاقات مع القوى السياسية، والقيادات الدينية ورؤساء القبائل، وهذا يعني أن غياب الوجود العسكري الجزائري في ليبيا، يقابل بحضور مكثف لوجيستي واستخباراتي. يتعلق المسار الثاني بالعمل من أجل احتواء الإسلاميين. وتؤسس الجزائر رؤيتها على ثلاث تجارب، الأولى: محليّة، وهي تجربة حمس (حركة مجتمع السلم) التي حاربت الإسلاميين الآخرين، وساندت النظام، بل وشاركت معه في تشكيل جبهة وطنية قويّة، وأصبحت حليفا للنظام، والتجربة الثانية إقليمية، وهي تجربة النهضة التونسية. والتجربة الثالثة هي تجربة المغرب، حيث يقود الإسلاميون الحكومة للمرة الثانية، وهذه مسألة خلافية مع مصر ودول أخرى رافضة لأي مصالحة مع الإخوان، وسواء وقع الحوار مع الإسلاميين أو حالت أسباب مختلفة دون ذلك، فالرافضون لإشراك الإسلاميين في ليبيا مثل مصر، أو الداعون لإشراكهم كما هو الأمر مع الجزائر، يقدمون مصلحتهم الوطنية عن المصلحة الليبية. يقوم المسار الثالث على تحريك المشاعر الوطنية لدى كل أطياف الشعب الليبي، بما يخدم الفكرة العامة، وهي استعادة الوحدة الوطنية، على اعتبار أنه لا تناقض بين الإسلام والوطنية. هكذا، تبدو استراتيجية الجزائر في التعامل مع الشأن الليبي، لكنها ليست وحدها على الساحة، فهناك دول جوار أخرى لها تأثيرها وخاصة مصر، التي تبدو على خلاف مع الجزائر في موضوع دعم قوات الجيش الليبي بقيادة اللواء خليفة حفتر، في الوقت الذي تذهب مصادر مطلعة إلى القول إن ما يراه بعض المراقبين خلافا بين الجزائر ومصر، هو نوع من الاتفاق الإستراتيجي، الخاص بتوزيع الأدوار حسب دور كل منهما، وعلاقة كل دولة بأطراف دولية فاعلة. كاتب من الجزائر :: اقرأ أيضاً كلينتون ستكون أكثر تشددا مع طهران إذا ما انتخبت رئيسة العرب الأميركيون: كلينتون أم ترامب؟ النظام الانتخابي اللبناني: هل الإصلاح ممكن