يجري حاليا داخل سرايا الحكم في الجزائر حديث عن «تحالفات جديدة» بخصوص مستقبل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في الحكم. فمن جهة تسعى مجموعة من المسؤولين المدنيين إلى ترشيح الرئيس لولاية خامسة؛ بهدف قطع الطريق على مجموعة العسكريين التي تريد أن ترى نائب وزير الدفاع ورئيس أركان الجيش، الفريق قايد صالح رئيسا للجزائر بدءا من 2019، تاريخ نهاية ولاية الرئيس الرابعة. ويقود المجموعة الأولى رئيس الوزراء عبد المالك سلال، ويدافع عنها في الميدان بقوة أمين عام «جبهة التحرير الوطني» (أغلبية) الجديد، جمال ولد عباس ووزير التجارة سابقا عمارة بن يونس. ويرى هؤلاء أن الرئيس هو الأقدر والأجدر بالاستمرار في قيادة البلاد؛ بحجة أنه مجاهد شارك في ثورة الاستقلال (1954 - 1962)، وأن البلاد «لن تكون في مأمن إلا وهي بين أيدي مجاهدين». وقال مصدر سياسي مهتم بهذا الموضوع، لـ«الشرق الأوسط»، إن الرئيس بوتفليقة لا يرى مانعا في أن يواصل مسيرته على رأس البلاد، التي بدأها عام 1999. وأوضح المصدر نفسه، أن بوتفليقة «يعتقد أنه بمقدوره تسيير دفة الحكم بعد الانتخابات المنتظرة في 2019، وأنه لو بقي على حالته الصحية كما هي سيطلب لنفسه ولاية جديدة». وأصيب بوتفليقة في 27 أبريل (نيسان) 2013 بجلطة في الدماغ أقعدته على كرسي متحرك. ويظهر من حين لآخر مستقبلا ضيوفا أجانب، ولكن لا يسمع صوته أبدا، ولم يحدث الجزائريين منذ 7 مايو (أيار) 2012. وألغى الرئيس في تعديل دستوري مطلع العام الحالي المادة الدستورية، التي كانت تمنح لرئيس الجمهورية الحق في الترشح مدى الحياة، وحدد الإقامة في الحكم بولايتين على أقصى تقدير. وبذلك فحساب عدد الولايات سيبدأ من الصفر بالنسبة إليه، وبالتالي بإمكانه أن يترشح لولايتين أخريين. وبحسب المصدر السياسي، يبدو طموح شقيق الرئيس وكبير مستشاريه السعيد بوتفليقة في الحكم مؤجلا ما دام نزيل «قصر المرادية» (مبنى الرئاسة) يريد التمديد، وما دام أن الرئيس لم يرشح شقيقه بنفسه. وتوجد قناعة لدى ما يسمى «جماعة الرئيسبفي أن الشخص الذي سيخلفه سيختاره هو بنفسه. ويحاول بوتفليقة أن يثبت بأنه يملك القدرة على تحدي المرض عندما نزل إلى الميدان مرات عدة في الأسابيع الماضية، كان أبرزها تدشين «أوبرا الجزائر»، و«القصر الدولي للمؤتمرات» بالعاصمة. وسيتنقل الأسبوع المقبل إلى ورشة «الجامع الأعظم» بالضاحية الشرقية للعاصمة، وهو مشروع رصد له 2 مليار دولار ويوليه أهمية كبيرة. أما المجموعة الثانية، فتنشط في الميدان في محاولة لفرض قايد صالح باعتباره «أفضل خليفة لرئيس مريض وطاعن في السن». ولم يبد الضابط العسكري الكبير أبدا في العلن رغبة في الترشح. بل على العكس من ذلك، كلما تحدث في وسائل الإعلام إلا ويشيد بـ«أفضال رئيس الجمهورية، وزير الدفاع والقائد الأعلى للقوات المسلحة»، ويتحدث دائما عن «القيادة الرشيدة لفخامته». غير أن كثافة أنشطة صالح في النواحي العسكرية والخطب التي يلقيها على الضباط والجنود، يوميا تقريبا أوحت بقوة بأن الرجل يبحث لنفسه عن مستقبل سياسي. ولهذه المعاينة، التي سلط عليها قطاع من الإعلام الضوء، أدلة، أهمها رسالة رفعها صالح إلى أمين عام الأغلبية السابق عمار سعداني، عندما انتخب أمينا عاما لحزب «جبهة التحرير» في مؤتمره العاشر العام الماضي. وأعرب صالح في رسالته عن دعمه القوي لسعداني، ولم يفعل ذلك أبدا مع بقية قادة الأحزاب على إثر انتخابهم. وعدت الخطوة بمثابة إشارة قوية منه بأنه يريد الانخراط في السياسة، وبعدها الترشح للرئاسة، ويحتاج إلى تحقيق هدفه دعم حزب شعبي منتشر في كامل أنحاء البلاد، وله حضور قوي في المجالس البلدية والولائية والبرلمان. ولم تخل تدخلات سعداني الأخيرة في الإعلام من الإشادة برئيس أركان الجيش، ورغم أنه يعلن دائما ولاء شديدا للرئيس بوتفليقة، لكن إظهار ولاء لشخص آخر غيره، هو بمثابة «خطيئة» في نظر «جماعة الرئيس»، التي اشتمت «رائحة» شيئا ما يطبخ بين سعداني وصالح مفاده طموح لخلافة بوتفليقة في الحكم، وجاء رد الفعل سريعا السبت الماضي بقرار صدر عن بوتفليقة بتنحية سعداني من قيادة «جبهة التحرير»، التي هي حزب الرئيس.