قمة الحزن أن تضحك في عز الألم .. وقمة الفرح أن تبكي في لحظة السعادة. وما بين الحالتين مسافات من محطات التيه والإحباط .. والأمل والانكسار في ذاكرة الزمن .. زمن يرسم لك كل الألوان في صور متعددة تختفي من عينيك لوحة وتظهر ثانية. تتبدل المشاهد في رؤية متناقضة وسخيفة ما بين زاهية .. وباهتة . وشديدة السواد. الأحداث تكتبك وتفرض عليك محاورا في خارطة طريق حياة أنت أبعد ما تكون قادراً على التحكم في خطواتها ولا منعطفاتها. أمام تقاطعات تقول لك باختصار : إن الإنسانية تتجه إلى نهاية الطبيعة الحديثة .. وأن مثالياتها التي كنت مخدوعاً في أضوائها لم تكن أكثر من فيلم كوميدي كنت أنت بطله منذ أن كتبوا لك شهادة الميلاد "باكياً" وحولك يضحكون في زفة الفرح .. في تبادل مؤجل للأدوار . حين يكتبون ورقة الرحيل .. وعندما لا يبقى إلاَّ صوت التراب وخطوات الراحلين ثانية في زفة الموت. إنها الحياة في مشهدها الأخير للبشر .. ولكنها الأصعب في معادلة الفكر الإنساني وحجم الإيمان من منطلق العقل القادر على استيعاب التجربة بكل تفاصيلها دون الارتهان إلى وهم "الفسحة" غير المحددة .. وخطوات قد تأتي .. وقد لا تأتي. وهذا الأخير فكر عبثي لا يجسد واقع الحياة . بقدر ما هو غباه خارج الحقيقة وسلاماتها الحتمية . حتى وإن كان النسيان نعمة .. ولكنه لا يجب أن يغرق في الأمل الذي يصادر العقل دائماً وفي كل الأوقات. وهنا أذكر جيداً أن أول مقال كتبته في حياتي كان عن قصة موت رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما طلب مني مدرس التعبير أن أكتب مقالاً لقراءته أمام طابور الصباح وأنا في المرحلة الابتدائية وحين أبلغت والدي ,يرحمه الله,أمرني أن أجلس إلى جواره ومعي قلم وورق ,ثم أملاني اللحظات الأخيرة في حياة نبي الأمة قبل أن يلقى وجه ربه الكريم .وبعد أن قرأتها أمام الطلبة والمعلمين قام الأستاذ المشرف على الصحافة المدرسية التي كنت أحد أعضائها بنسخها ووضعها في صحيفة الحائط في مقدمة جميلة لجهدي في الإعداد.مع أن الفضل لله ثم لوالدي, يرحمه الله، وهو عالم دين وإمام مسجد جامع.سألته لماذا اختار لي موضوع مقالي فأجابني قائلاً :" أريد أن تدرك أنت من يسمعك أن الحياة ما هي إلا دخول من باب وخروج من الآخر". وها أنا أكتب للمرة الثانية عن الموت الذي أنا وكل البشرية جزء منه في خارطة طريق الحياة بعد تلك المسافة من التاريخ . ولنا في نبي الله أسوة حسنة حين نحيا وحين نموت. وحتى تكون أكثر عقلانية:عليك أن لا تعطي اهتماماً لمن يدعو لك بعد الموت أو يدعو عليك .. أو من ينثر بعدك كلمات الثناء حول "موائد العزاء" فقط أن تسأل نفسك ما الذي حملته معك لمواجهة كشف الحساب؟.