×
محافظة المنطقة الشرقية

مارس السعودية تحتفي بأبناء جمعية البر

صورة الخبر

عرفنا الحرية الديمقراطية أو الليبرالية من أيام الممارسة الأثينية. أعطوني على قدر عقلي عندما أدعي أني بحثت في الديمقراطية الأثينية كثيرا، ووجدتها لعبةً عبقرية مموهة تبدو لمصلحة الأغلبية فبلعت الأغلبية الطعم، وهي في حقيقتها أكثر من تدليس طرائق للنفع الخاص، لمجموعات مؤثرة أو ضاغطة أو نافذة. الأثينيون رسُل الديمقراطية، روح المنبع الديمقراطي الغربي، كانت ديمقراطية للنخبة المنخولة من المجتمع الأثيني، تلك التي حتى تعلو طبقات المخمل والجاه التقليدي، إنها طبقة دهاة الفلاسفة المتنفذين برفاهٍ فكري لم يسبقهم فيه أحد، ومارسوا أسوأ أنواع الإقصاء على النساء وبطريقة ممجة حتى إنهن كدن لا يعتبرن بشراً، بل زينة لأغنياء، ورق الفقراء.. كما استبعد العامة فعلياً أو الشعب فهو ليس حكم الشعب، كما هي روح الكلمة الإغريقي، إنما هي نتاج الأعلوية الفكرية البيجمالونية، أي التميّز الذكري الذهني على البقية وبطريقة طبقية شاهقة التحقير لبقية الطبقات.. ألا يكفينا دليلاً أن مدير عام مفكري وفلاسفة الإغريق أفلاطون أراد جمهوريةً ديمقراطية فاضلة، ومعناها عنده وكما شرحها ويعرفها طلاب أول صفوف الفلسفة: حكمُ الفلاسفةِ والحكماء. لا، لم يكن الأثينيون أحراراً، تماما كبقية الدويلات العسكرية التي أحاطت بأثينا المدينة - الدولة. جاء عام 1948 وفضح جورج أورويل الفيلسوف والقاص الذي امتلأ قلبه هماً بالمعرفة الحقيقية لمعنى طغيان المجموعة على البقية كحال تتناوله تعاقبات القرون، فأخرج قصة مستقبلية، صارت الأكثر واقعية حاضراً، عندما ألّف قصة عن دولة تحكمها عيون التجسس، حتى يكاد يكون الإنسانُ مراقَباً حتى في عملية هضمه وصعود صدره ليتنفس، وأعطى الكتابَ رقماً معاكساً مستقبلياً وسمّاه 1984. لم نكن أحراراً أبداً، كما أبدع في الكشف السيد أورويل. أقرأ لجون ملتون من مفكري القرن السابع عشر في كتابه الموسوم أريوباجتيكا ولا أدري كيف أسمي الكتاب بالعربية فهو نقل لاسم هيئة تشريع قانوني إغريقية، وأجد أن الرجلَ في ذاك الوقت زعلان مرة على السلطة. ليه يا ملتون زعلان؟ فيقول: ذبحتنا السُلطة بالمراقبة على أفكارنا وكتاباتنا وآرائنا. وأعيد للسلامة فقط، والله جون ملتون الذي قال هذا وفي بريطانيا التي ظهرت فيها الديمقراطية العريقة من الماجناكارتا قبل مئات السنين من ميلاد ملتون. في القرن نفسه متأخراً جاء العلامة جون لوك، ويعرف مهتمو تاريخ الدستور الأمريكي أن هذا الرجلَ الفيلسوف بالذات كان الإلهام الأكبر للآباء المؤسسين في تدوينهم لدستورهم الأمريكي العظيم.. كان يقول للسُلطة: يا جماعة لا تعتقدوا أن الديمقراطية هي تطبيق النظام وسن القوانين وزج المخالفين في الزنازين.. لا، وألف لا (للأمانة لم يقل لوك وألف لا، بل لعبت برأسي الحماسة!) إن الديمقراطية تقاس بمقدار تعامل وصبر السلطة واعترافها بحق المحكوم عليهم بمناطق أكبر من الحرية، ومن قد يعتقد أني قائل هذا ويعرضني لـ النقاش! فأتلمس منه أن يقرأ ما دوّنه لوك في كتابه الموسوم Two Treatises of Government ــ بحثان في الحكومة. بعد سقوط الباستيل في فرنسا في عام 1789 حكمت لمدة طويلة فئة طغت وتنفذت حتى وصلت فرنسا لملكية جديدة أخرى. ومن أعلام مفكري السياسة جون ستيوارت ميل الذي لا يخفى على كل ذي تخصص سياسي، وهو قدَح في ليّ المبدأ الديمقراطي من أجل التحكم في حريات الكثرة لمصلحة القلة! فماذا عنا نحن؟ هل نحتج نحن نطالب بالحرية، إن كان آباؤها الغربيون مُثِّلَ بأفكارهم أسوأ تمثيل! أقول عاش العالمُ وهما ديمقراطيا منذ أطلت الليبرالية الديمقراطية برأسها، ولكن ذلك يبقى راقيا بمقياس التحكم والتنفذ الفرديّيْن الذي لا يطوله نقاش، ولا يشوبه اعتراض، ومنيع ضد أي نقد، بل يُمدح حتى لو سقط الفأس في الرأس لتغني به المفلوق وقال: يا سلام إيش هذا الفن! هذه هي الضرية المتقنة ولاّ بلاش!. في عالم التويتر والفيس بوك والواتس آب والتلفنة الخاصة نعتقد أننا أحرار، ولكن تُحصي نفَسَنا عيونُ السيرفرات في الشركات الكبرى، مساك الله بالخير يا جورج أورويل! السيرفرات تلك همٌّ تحملناه، ولكن أن يُقفل حتى هذا عنا.. فسيصدق علينا المثلُ المصري: رضينا بالهَم.. والهَم ما رضيش فينا. عاشت يا .. ذكروني عاشت ماذا؟ إيه.. صح. يا.. عاشت الحرية.. يا!