د. ناجى صادق شراب قد يبدو الحديث عن فرصة أخيرة للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين من باب الجدل والهراء السياسي، بل والغباء السياسي، وعمى البصيرة السياسية، وهذا الرأي صحيح ويتوافق مع ما تقوم به إسرائيل من تهويد واستيطان ومصادرة للأرض، إضافة إلى الممارسات العنصرية التي هي مكوّن أساسي من الفكر الصهيوني، من دون الأخذ في الاعتبار الحقيقة التاريخية للشعب الفلسطيني الذي لا يمكن محو هويته وشخصيته وتجذره في أرضه. وعلى الرغم من أن الحديث عن التسوية قد يكون من باب الترف السياسي، لكن الفرصة قد تكون قائمة بما تبقى للرئيس الأمريكي أوباما من أيام قليلة لرئاسته، ويمكنه أن يغير من مسار الصراع بالتقدم بمشروع قرار ملزم لمجلس الأمن يضع أسس مفاوضات تؤدي إلى تسوية سياسية عادلة، وتوفير الآلية الدولية الملزمة. هذا ما كان يتردد في أروقة الإدارة الأمريكية خلال الأشهر القليلة الماضية ، لأن أوباما يريد أن ينهي عهده بإنجاز في الشرق الأوسط كفرصة أخيرة للسلام، لأنه إذا لم تتحقق هذه المبادرة الآن، فلن يكون بمقدور أي رئيس قادم للولايات المتحدة القيام بذلك. لذلك ستبقى كل السيناريوهات مفتوحة وأخطرها دخول المنطقة في حالة من الفوضى الشاملة والمواجهات العسكرية الواسعة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، خصوصاً أننا أمام رئيس حكومة إسرائيلية متعصب وحكومة يمينية متطرفة لا تؤمن بأي حق للشعب الفلسطيني ، وخصوصاً حقه في إقامة دولته المستقلة وستكون الخسائر المادية والبشرية كبيرة. إننا في الواقع أمام معادلة صعبة، فعلى مدى سنوات الصراع لا الشعب الفلسطيني حقق دولته، ولا الصهاينة حققوا أمنهم وبقاءهم واستقرارهم. والبديل لذلك أن تسنح فرصة أخيرة للسلام يمكن أن تلوح في الأفق لو توفرت لها الرؤية الشاملة، والإطار الإقليمي والدولي الذي يمكن أن يوفر الضمانات والأسس القوية لتسوية قابلة للحياة والتطوير. والسؤال: ما البديل لفرصة السلام هذه؟ الفلسطينيون يعيشون على أرضهم ولهم جذورهم التاريخية التي لا يمكن التغاضي عنها. إن البديل للسلام حالة دائمة من الصراع الدموي إذ لا توجد دولة يمكن أن تعيش في حالة حرب دائمة. لذا فإنهاء الاحتلال خيار حتمي، فلا يوجد شعب في العالم يمكن أن يعيش تحت الاحتلال إلى الأبد. ولا خيار في النهاية إلا بحل هذا الصراع من زاوية إنهاء الاحتلال، وممارسة الفلسطينيين لحقوقهم المشروعة في قيام دولتهم. والبديل للسلام إسرائيلياً إما العيش الدائم في حالة من الصراع، وإما الأخذ بالنموذج الجنوب إفريقي ، وحل الصراع العنصري هناك باجتثاث العنصرية من جذورها، وهذا يتعارض مع المطالبة بيهودية إسرائيل. ليس أمام الفلسطينيين إلا تفعيل خياراتهم، وتفعيل مؤسسات السلطة، والبناء الديمقراطي، وتقوية ودعم النسيج الوطني للشخصية الفلسطينية، والحفاظ على عملية التواصل بين الفلسطينيين في الداخل والخارج، والعمل على عودة مكانة القضية إقليمياً ودولياً، وتفعيل دور الدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، وإنهاء الانقسام السياسي. drnagish@gmail.com