ولليوم الثالث على التوالي، أجدني مضطرا للكتابة عن ثنائية أصحاب المعالي في ثامنة داود مؤملا أن تشرق شمس الغد على قضية موجبة جديدة. معالي وزير الخدمة المدنية في ظهوره الإعلامي تلبس ثياب (المطوع) في أساطير قرانا المتجاورة قبل 70 سنة، عندما كان يومها الشخص الوحيد الذي يفك الحرف ويقرأ رسائل (المسافرين) إلى أهلهم ويخطب الجمعة، وأيضا يفسر الأحلام ويقرأ الرقية الشرعية لا على البشر فحسب بل حتى على الأنعام والدواب المريضة. معالي الوزير لم يقرأ حتمية الزمن ومتغيراته التي زرعت اليوم في كل قرية ألف (مطوع). خذ مثلا، جملة معالي الوزير في تضليل وتهويل حجم البدلات عندما قال إن الوزارة وجدت على الطاولة 156 بدلا، ولم تخصم منها سوى 21 بدلا في المجموع. هنا تكمن جناية استخدام الرقم الإحصائي وهنا سأشرح الفكرة بكل بساطة: من المستحيل بمكان أن تعثر على 156 اسما مختلفا لهذه البدلات لأن ذلك يستعصي حتى على الابتكار والاختراع اللغوي. وكل ما فعله معاليه في إحصائيته المغيبة للحقيقة ليس إلا العثور على البدل الواحد ثم ضربه في عدد الجهات الحكومية التي تصرفه. أخذ، بالمثال، بدل الجامعات الناشئة ثم ضربه في 11 جامعة، وبدل الإرهاب وضربه في 4 جهات عسكرية، وكل بدل صحي ثم أحصى كل الوزارات والمؤسسات التي تقدم للجمهور خدماتها الصحية، وهكذا وصل معاليه إلى هذا الرقم الخرافي من البدلات. لكنه مع رقم (الإلغاء) استخدم الخدعة المقابلة من ذات الرقم وهو تمرير وتسويق خادع مضلل حين عاد ليجمع كل بدلات مكافحة الإرهاب التي عثر عليها في الرقم (156)، ثم عاد ليتحدث عنه كبدل واحد وبمثل هذا القياس حاول تمرير الفارق الضخم في خدعة نفس الرقم ما بين (156-21). عند الجمع، مثلا، تعامل معاليه مع 11 رقما لبدل الجامعة الناشئة ولكنه عاد عند الإلغاء فساقه للجمهور على أنه مجرد إلغاء بدل واحد. هو بالتقريب في تسويق خدعة الرقم يشبه رب أسرة من 5 أفراد ثم يتحدث عن استهلاك أسرته 15 وجبة في اليوم (بحساب 3 وجبات لكل فرد)، بينما هي في الحقيقة 3 وجبات فقط لمجموع الأسرة. وكل مشكلة معاليه، وهنا أكتبها ناصحا إليه، أنه لا زال يظن أن هذا الوطن العملاق يعيش مثل قرانا القديمة في (جلباب المطوع). لم يستوعب مثلا أنه انتهى زمن الوزير الراحل العملاق عمر السقاف، يوم كان كل الوطن ينتظر عودته ليقرأ علينا في أكتوبر ما كان يدور في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة منتصف سبتمبر. يظن معاليه أن عاصمة الحداثة المفرطة لا زالت تحتاج شخصية مثل المرحوم أمين الريحاني، ليترجم لنا خطابات روزفلت وجواهر لال نهرو، أو أننا لا زلنا بحاجة إلى معهد من كوريا ليتحسس لنا ساعة إنتاج الموظف في دائرة حكومية في طبرجل أو شرورة. انتهى يا صاحب المعالي ذلك الزمن القديم الذي كنا فيه نستقبل المبتعث من أميركا في صالة المطار ونضعه خبرا في جريدة أم القرى الرسمية. أطرف طالب في عالم اليوم من المرحلة الثانوية يستطيع تفكيك الرقم الإحصائي الواحد إلى 10 قراءات مختلفة يا معالي الوزير، ومن نفس الرقم يستطيع إعطاءنا قراءة سوداء قاتمة، وأيضا أخرى بيضاء ناصعة. في العام الماضي، صاحب المعالي، جاءنا مندوب الأوقاف إلى القرية ونحن خارجون من المسجد يسأل: وين المطوع؟ أجبناه بصوت واحد: كلنا اليوم مطاوعة.