أكد صابر بن سعيد الحربي، مدير عام المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون الخليجي، أن دولة قطر ترتكز على قاعدة متينة في التحول الإحصائي، بغية تحقيق التنمية المستدامة كونها معتمدة على البيانات الضخمة التي تمتلكها ونجاحها في توفير التنويع الاقتصادي، حيث باتت نموذجا يحتذى في ذلك المضمار، وبناء اقتصاد مفتوح، ومبني على الخدمات وغير قائم على النفط وإيجاد صناعات بديلة عنه، مما يمكِّنها من تنفيذ مشاريعها الكبرى مستقبلا دون معوقات. ولفت الحربي النظر في حوار خاص مع «العرب» إلى أن امتلاك قطر للبيانات الضخمة من شأنه أن يمكنها من مجابهة كل الصعوبات والتحديات الاقتصادية التي تعصف بالمنطقة، بحيث تشكل فرصة في متناول اليد لتوفير أجهزة إحصائية ذات كفاءة بدلا من تقليص العمل الإحصائي، في ظل انخفاض الموارد المالية، مشيرا إلى أن لدى الدوحة تجارِب متميزة في هذا المجال، إن كان في إصدار إحصائيات شهرية أو في استضافتها للحدث الأول من نوعه في المنطقة المتمثل بـ»المنتدى العربي لبناء القدرات الإحصائية حول ثورة البيانات» مؤخرا، كما أنها حققت نهضة في مجالات عدة لا تقتصر على الإحصاء، إلا أنها اقتنصت مرتبة الريادة في هذا المجال عبر رسم وتنفيذ جدِّي لخطة استراتيجية مدخلاتها من المستفيدين من الإحصاءات على صعيد القطاعات الحكومية والخاصة والأكاديمية. وأوضح أن أهمية الإحصاءات تكمن في تمكين الدولة من إجراء دراسات ذات جدوى بناء على نتائجها، حيث تعم الفائدة على المجتمع والحكومات التي تخطط لكوادرها البشرية وتساعدها فيما يخص قضايا التدريب والتأهيل وأسواق العمل والمهارات والوظائف المطلوبة وقياس الإنتاجية على مستوى البلد، وهذا الدور يقع أيضا على عاتق المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون في مساعدتها لتحقيق ذلك، الذي يعمل جاهدا رغم قصر مدة تأسيسه على وضع استراتيجية إحصائية من عام 2015 حتى 2020 لتلك الدول، التي شهدت نقلة نوعية سواء في العمل الإحصائي أو غيره. وشرعت وزارة التخطيط التنموي والإحصاء في وضع الخطوات الأولى لعملية التحول في نظامها الإحصائي، بغية دمج أجندة التنمية المستدامة 2030 في استراتيجية التنمية الوطنية الثانية 2017/ 2022، التي تعمل على تطويرها حاليا، فيما تم اختيار قطر من قبل شعبة الإحصاء بالأمم المتحدة بصفتها دولة رائدة في برنامج التحول، وبدأت الوزارة بتشكيل فريق عمل رفيع المستوى من القطاعين الحكومي والخاص ومراكز البحوث والجامعات، ومنظمات المجتمع المدني، يعمل كقيادة استراتيجية لنجاح تنفيذ الأجندة المذكورة آنفا، وتوطينها في استراتيجية التنمية الوطنية. وفيما يلي نص الحوار: ما دور المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون الخليجي في تطوير العمليات الإحصائية وعلاقتها بثورة البيانات في الدول الخليجية ودولة قطر؟ - في البداية، إن المركز مسؤول عن جمع ونشر البيانات المتعلقة بدول مجلس التعاون، وتوحيد المنهجيات والأطر والأدلة وتنسيق الأعمال والمشاريع الإحصائية، ومن ضمن اختصاصاته كذلك بناء القدرات والتدريب وإعداد الاستراتيجيات الإحصائية الخاصة بكل دولة، فالمركز يعمل جاهدا رغم قصر مدة تأسيسه لوضع استراتيجية إحصائية للدول الخليجية للفترة من 2015 حتى 2020، وقد أقرت هذه الخطة من قبل المجالس الوزارية ووزارات الخارجية فيها، وتنصب على تنسيق وتوحيد العمل في 10 مجالات من ضمنها إحصاءات سوق العمل والتعداد السكاني الذي سيتم في 2020، والمؤشرات الاقتصادية للاقتصاد الكلي بالإضافة إلى ما يعرف بالبيانات الإدارية أو ثورة البيانات. ويتمثل دور المركز في أنه منصة لتبادل الآراء والأفكار ولوضع الخطط العامة التي تتبع من قبل الدول الأعضاء، وثورة البيانات تعتبر مبادرة وحدثا جديدا على مستوى العالم نظرا كون التقنية الحديثة ساعدت في تكوين معلومات وإحصاءات هائلة، التي إن وُظِّفت بشكل صحيح ستوفر مؤشرات اقتصادية واجتماعية عدة، بحيث تستفيد منها الدول بشكل كبير، وأيضا توفر إحصاءات سريعة تساعد المخطط وصاحب القرار على اتخاذ السياسات بسرعة، فنحن نواكب التطورات في ذلك النطاق ونحاول توظيف التقنية، لا سيما أن دول مجلس التعاون قد شهدت نقلة نوعية سواء في العمل الإحصائي أو غير الإحصائي. كيف يمكن للإحصاءات أن تلعب دورا في سوق العمل الخليجي ومقدار إفادة المواطن في دول مجلس التعاون؟ - دائما تكون الإحصاءات ذات فائدة وبشكل مؤثر لمختلف شرائح المجتمع وللحكومات، التي تخطط لكوادرها البشرية وتساعدها فيما يخص قضايا التدريب والتأهيل وأسواق العمل والمهارات والوظائف المطلوبة وقياس الإنتاجية على مستوى البلد، وكل هذه الأمور لا يمكن أن تتم دون وجود إحصاءات تساعد في إجراء دراسات لهذا النوع من القضايا. إلى أين وصلت دولة قطر في مجال الإحصاءات وربطه بالبيانات؟ - في الحقيقة دولة قطر لها تجارِب جيدة في هذا المضمار، بالإضافة إلى مبادرتها في استضافة «المنتدى العربي حول بناء القدرات الإحصائية من أجل ثورة البيانات» مؤخرا، إذ إنه الأول من نوعه الذي يعقد في المنطقة، وهناك تجرِبة ممتازة لها في تعداد السكان، التي تقوم بإصدارها شهريا وبسرعة فائقة، نتيجة الربط الآلي بين وزارة التخطيط والإحصاء مع الجهات المعنية بإحصاءات السكان في دولة قطر، وهذا يعتبر نموذجا مميزا نفتخر به، حيث تمكنت الدولة من إعداد مؤشرات مهمة وأساسية. مؤخرا، تم اختيار قطر دولة رائدة في تنفيذ برنامج التحول في نظامها الإحصائي من قبل شعبة الإحصاء في الأمم المتحدة، برأيك ما الأسس التي قد بُنِي عليها ذلك الاختيار؟ - إن دولة قطر حققت نهضة في مجالات عدة، اقتصادية واجتماعية وغيرها، ولم تقتصر على الإحصاء فقط، إلا أنها في الأخير لديها مبادرة نعتبرها من أوائل مبادرات مجلس التعاون، تتمثل في مشاركة مستخدم الإحصاءات في صنع القرار، فوضعت خطة استراتيجية بعيدة المدى ومدخلاتها من المستفيدين من الإحصاءات سواء في القطاع الحكومي أو الخاص أو القطاع الأكاديمي، بالتالي فهي وضعت خطة في متناول اليد وقابلة للتنفيذ وليست مجرد حبر على ورق، وضعت لها أهدافا ومسارات، ومن ثَمَّ بدأت بالتنفيذ. في الواقع، إن ما تجريه دولة قطر في هذا المجال هو بناء على الخطة المدروسة التي وضعت بشكل صحيح، ولا شك أن الدول الأخرى تستفيد من تجرِبتها في ذلك المضمار، وكانت مشاركة دول مجلس التعاون في منتدى الدوحة لتبادل الخبرات والأفكار والآراء بما يخدم العمل الإحصائي، بالتالي العمل التنموي في كل تلك الدول. كيف لدول مجلس التعاون ودولة قطر أن تستثمر التحول الإحصائي في مستقبلها الاقتصادي، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية التي تعم على المنطقة بشكل عام؟ - إن التحديات الاقتصادية الأخيرة بلا شك ستؤثر في الموارد المالية المتاحة للعمل الإحصائي، لكن ينبغي ألا تشكل أزمة، بل يجب أن تكون فرصة في متناول اليد لتوفير أجهزة إحصائية ذات كفاءة من خلال الإفادة من ثورة البيانات المتوفرة بشكل كبير وتوظيفها بالشكل الصحيح، بالتالي أعتقد حاليا مع التوجه لتخفيض الموارد المالية أنه يتوجب أن تسعى للإفادة القصوى من البيانات الضخمة التي تمتلكها، فبرأيي تخفيض تلك الموارد لن يكون سببا في تقليص العمل الإحصائي، بل العكس ربما سيزيد في كفاءته. ما مقدار إفادة دولة قطر من العمل الإحصائي المرتبط بثورة البيانات؟ لا سيما أنها مقبلة على مشاريع كبرى مثل بطولة كأس العالم لكرة القدم عام 2022 بالإضافة إلى مواصلتها في استضافة مؤتمرات على مستوى إقليمي وعالمي. - إن بناء القدرات الإحصائية يهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة، فالأرقام تساعد على التخطيط السليم، ومن ثم في متابعته وإعادة التوجيه في حالة وجود النواقص في بعض المحطات، فالتخطيط الحاصل حاليا في دولة قطر والتنمية الكبيرة التي تشهدها يلعب فيها الإحصاء دورا مهما من حيث رسم السياسات المتعلقة بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية وغيرها، وتصحيح وتصويب المسارات إن كان هناك ثمة تحديات محددة. إن دولة قطر لديها استثمارات ضخمة واستغلت إيرادات النفط بالشكل الأمثل، بالتالي وفرتْ نوعاً من التنويع الاقتصادي الذي بات مثالا يحتذى به، وعملت على بناء اقتصاد غير قائم على النفط إنما على موارد أخرى، واختلقت صناعات جديدة لتكون بديلة عنه، كذلك توجهت نحو اقتصاد مفتوح مبني على الخدمات، كما أن حكومتها تدرك تماما أن النفط سلعة ناضبة، لهذا السبب وضعت خططا طويلة الأمد فيما يخص التنويع الاقتصادي، بشكل يمكِّنها من تنفيذ مشاريعها المستقبلية بسلاسة.;