سطور «دفاتر الأيام»، لا تتصل بمهندس مخلص فحسب، بل بأبّ وأمّ وابنة، تعلقوا ببلاد تقدّر من يقدّرها، ولا تنسى المعروف، حسب شهادات تلك العائلة، وعلى رأسها الوالد ويتمان، أحد المساهمين في إنجاز ميناء خالد، الذي عشق الإمارات، وأوصى بأن يدفن في تراب الشارقة، الإمارة التي حزنت عليه حين رحيله، حتى إنها أعلنت الحداد الرسمي عليه، وأغلقت المحال لمدة ثلاثة أيام. من رسائل الدفاتر: «إيلا.. هنا في الشارقة أجد الجمال والروعة... فبالنسبة لي تبدو وكأنها جنة صغرى». 1968 رحل ويتمان ودفن في الشارقة بالزي العربي الذي كان يعشقه ويرتديه في أوقات كثيرة. يروي الحكاية كاملة كتاب «دفاتر الأيام.. شهادات الراحل ويتمان»، الذي أعدته الابنة بترا كروسل، إذ لم تنقطع عن الإمارات بعد وفاة والدها، معتبرة إنجاز الكتاب إتماماً للمسيرة، فهي قد ورثت حب هذه الأرض الطيبة عن والديها كما صرحت في آخر كلمات الكتاب الذي ترجمه التجاني حسب الرسول، وصدر عن دائرة الثقافة والإعلام، في 218 صفحة. البداية من عام 1964؛ إذ قدم المهندس بيرنارد ويتمان إلى الشارقة لإنجاز بعض المشروعات، وعلى رأسها الميناء، ويفصّل في رسائله إلى زوجته (إيلا) يومياته، وكيفية وصوله إلى الإمارة، وانطباعاته الأولى عنها، و«القرية الألمانية» التي أنشأوها في منطقة ميسلون، ومن خطاب أول: «عزيزتي إيلا.. كل ما يمكنني قوله إن السيد هوسمان كان واهماً عندما حدثنا من قبل عن البيئة التي سنعيش فيها لإنجاز مهمتنا. فقد أبلغنا بصراحة بأننا سوف نعمل ونقيم في آخر بقعة من العالم، وأننا لن نستمتع بالعيش هناك. إيلا.. هنا في الشارقة أجد الجمال والروعة.. فبالنسبة لي تبدو الشارقة وكأنها جنة صغرى». كما يحدث ويتمان زوجته عن دبي التي تستريح على ضفتي الخور، والمراكب الخشبية (العبرات) التي «تجري فوق الماء بواسطة محركات وموجهات.. حقيقة كلما ذهبت إلى دبي للتسوق يدهشني جمال الشرق الخلاب، فالميناء والمدينة والمساكن العربية تعلوها أبراج الهواء الشهيرة». ولا تغيب تفاصيل الحياة عن الرسائل الحميمية، فالوالد يعدّد في إحداها الحيوانات التي وجدها بالشارقة، رداً على سؤال للابنة (معدة الكتاب) بترا، ويوضح مواعيد العمل. وتنتقل الرسائل إلى بدايات ميناء خالد في اللية، والتحديات التي واجهت فريق العمل، وصعوبات الطقس. وتتزين صفحات الكتاب بصور توثّق حكاية ويتمان والشارقة، بينما تعلو غلافه صورة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، خلال زيارة لرصيف الميناء عام 1966. ويركّز «دفاتر الأيام» على كيف عمل المهندس الألماني بإخلاص لإنجاز الميناء، ومحبته للمكان وأهله، حتى إنه كان يرتدي الزي العربي نظراً لتعلقه بهذه البيئة، كما أوصى بأن يدفن فيها. وتروي الابنة الأيام الأخيرة لوالدها، والأزمة القلبية التي تعرّض لها، واستدعاء الطبيب من دبي لإسعافه، ورغبة الأب المريض في الذهاب إلى سمو الحاكم لتهنئته بالعيد المبارك، رغم ظروفه الصحية، إلا أنه فوجئ بأن المغفور له الشيخ خالد القاسمي قد أتى إليه بنفسه حينما علم بمرضه، وبعدها بأيام في يناير 1968، ودّعت الابنة والدها، وغادرت إلى ألمانيا، إلا أنها فوجئت حين وصولها ببرقيتين أولهما من سمو الحاكم، والثانية من «بيتون ومونيربو»، «وكلتا البرقيتين تفيد بوفاة والدي في اليوم نفسه الذي عدت فيه لألمانيا». فقررت العودة «كان جثمان والدي قد أودع الثرى في مقبرة صغيرة.. الظروف المناخية اقتضت الإسراع في دفن الجثمان؛ كان والدي قد أُلبس الدشداشة التي يحبها، كما أن جثمانه قد أودع الثرى في الشارقة التي ظل يعشقها حتى وافته المنية. كان نعش والدي قد تمت تغطيته بالعلم الألماني وعلم محبوبته الشارقة. وكان أحد من حملوا الغطاء الشيخ خالد القاسمي.. وكان ذلك شرفاً عظيماً وتكريماً لأبي من سمو الحاكم الذي أصرّ على تكريم صديقه الراحل بالاعتكاف في المجلس للدعاء له والترحم عليه.. بعد ذلك أمر بإغلاق المحال التجارية في الشارقة وإعلان حداد رسمي لمدة ثلاثة أيام في إمارة الشارقة. وحسبما فهمت فهذا الشرف العظيم الذي أحيط به المتوفى والدي لم يعط لأي شخصية غربية من قبل». للإطلاع على الموضوع كاملا يرجى الضغط على هذا الرابط.