عبد الله الحارثي الخطأ وارد سامحنا.. ماذا لو ترددت هذه العبارة على مسامعك؟.. حتما ستقول في قرارة نفسك «المسامح كريم»، ولكن عندما يكون الخطأ مزعجا ويقود لخسائر فادحة، بالتأكيد ستخضع الأمر للتفكير وتبحث عن الوسائل الممكنة لأخذ كافة حقوقك.أخطاء يومية ترتكب، يتجاوز عنها الإنسان ويتعامل معها بالتسامح، ويصل بهذا التسامح إلى تمادي الطرف الآخر، وتتحول من أخطاء إلى مزاجيات دون وجود رادع يحمى المتضرر، وهذا لا يعمم على الكل، بل على شرائح تستغل مواقعها الوظيفية.قد تقودك الصدفة لمراجعة دائرة خدمية لإنهاء معاملة أو إجراء معتاد ويقع خطأ بسيط يعطل مصالحك، ولو تنبهت مبكرا وواجهت الحالة في حينها لن تجد إلا عبارة بسيطة «سامحنا غلطنا في حقك.. الخطأ وارد»، وإذا لم تتنبه سيضعك خطأ الموظف تحت طائلة المسؤولية والعقوبة دون ذنب ارتكبته وتدخل في نفق مظلم بين البحث عن الحقوق الضائعة وإثبات الخطأ الذي ارتكب في حقك. «أبو سلطان» رجل طاعن في السن حريص على تعليم وتربية أبنائه، تخرج ابنه الكبير من الثانوية العامة وألحقه بإحدى الجامعات العربية التي تنظم الاختبارات في الداخل دون السفر والغربة بنظام التعليم عن بعد، بغية مراقبة ابنه وخوفا عليه من السفر.أراد الابن مساعدة والده في مصاريف المنزل وتحمل جزءا من المسؤولية؛ مراعاة لظروف والده وكثرة متطلبات الحياة، وفضل العمل والدراسة معا؛ لكون الأولى تتيح للطالب إكمال الدراسة، خصوصا أنها تقتصر على أداء الاختبارات في نهاية كل فصل دراسي.تفوق الابن البار بوالده في الجامعة، وحصل على الشهادة الجامعية، وزف لأهله بشرى النجاح، وتزامن مع فرحته قرار أسرته البحث له عن عروس، لتكون فرحتهم مضاعفة وهذا ما تحقق بالفعل.وفي اليوم التالي، اتجه الأب وابنه لتصديق الشهادة رسميا، لكن حدث ما لم يخطر على البال، الموظف يغادر مكتبه ويعود بعد لحظات ويطلب القبض على الطالب وإحالته لجهات الاختصاص بتهمة التزوير.أمام المحقق أنكر الطالب التهمة، كون شهادته سليمة ودرس بالجامعة وأرفق لهم النتائج الفصلية، والتي تم توثيقها في سفارة المملكة في الخارج بشكل نظامي، وهو الأمر الذي أراد من خلاله إكمال الإجراءات النظامية لتصديق الشهادة، لكن المحقق اعتبرها مبررات لدفع التهمة، وأصر الطالب على أقواله وطلب مهلة لإحضار ما يؤكد نظامية شهادته من السفارة، لكن القضية أحيلت لديوان المظالم وأخلي سبيله بالكفالة الحضورية.قرر الأب السفر، وصدم عندما وجد أن السفارة أغلقت أبوابها في ظل ظروف أمنية في تلك الدولة، واستمر الحال لفترة طويلة، دفعت القاضي لإصدار الحكم بالسجن على الطالب في التهمة المنسوبة إليه، واعترض على الحكم ليتم إحالته لمحكمة الاستئناف.بعد مراجعات ومداولات، حصل الأب على مهلة ثانية، وسافر لتوثيق الشهادة، وبالفعل صادقت السفارة على نظامية الشهادات وزود بكافة الإثباتات الرسمية مشفوعة بخطاب من الملحق الثقافي الذي يؤكد عدم وجود تزوير في تصاديق السفارة على شهادة الطالب وسجله الأكاديمي.عاد الأب يحمل دليل براءة ابنه من التهمة التي كادت تدمر مستقبله وتغتال الفرحة التي حبست على مدى عامين، وفي الدائرة المختصة حكم القاضي ببراءة الطالب وحفظ القضية لعدم وجود أدلة الإدانة.اكتفى الأب بحفظ القضية، والتي كانت بسبب خطأ موظف، أقصد مزاجية موظف، يزاول عمله دون حسيب أو رقيب، وقد تؤدي الأخطاء المرتكبة منه وممن هم على شاكلته إلى ضياع مستقبل الشباب، وهنا ماذا نقول للأب: «المسامح كريم»؟!وماذا لو عاد لنفس الموظف وإدارته المبجلة وأطلعهم على الشهادة بعد تصديقها، هل سيسمع منهم عبارة «سامحنا غلطنا في حقك.. الخطأ وارد»، أو تعترف بالواقعة وتحاسب الموظف.. نحن لا نملك إلا أن نقول: حاسبوهم، وعوضوهم عن الوقت الذي سرقتموه منهم والفرص التي أضعتموها عليهم.