في إحدى المرات التي سافرت فيها داخل الولايات المتحدة سرحت بنظري من شباك الطائرة وكانت قد ارتفعت ما قبل الوصول للغيوم، مما أتاح لي رؤية التفاصيل الجغرافية ملتصقة جنباً إلى جنب كقطع ليغو، البيوت والسيارات والشوارع والبحيرات وتصغر كل الأشياء كلما ارتفعنا، فصرت أمرر إصبعي على الشباك متخيلةً أني أعبث بالأرض وما فيها حقاً، فكرت بالتفاصيل هذه وأين أنا منها؛ لأصحو من خيالي على صوتي الباطني وهو يقول لي أنتِ من كل هذا الكون مجرد نُقطة. ما الهدف مني كنقطة في هذه الصورة المتكاملة، وما هي علاقتي بالله العظيم حينما يراني فقط نقطة، هل أنا النقطة أؤثر على الله؟ أم أن الله بعظمته وجلاله فعلاً يهتم بي أنا اللاشيء ويؤثر عليَّ؟! أيجعلني هذا الشيء أشعر بالحرية أم بالانكماش؟ أيشعرني بالغرور أم التواضع؟ أيشعرني بالخوف أو الأمان؟ بالأحرى ماذا يجب عليَّ أن أشعر وهل الشعور هنا مقترن بالمكان! عشت أول 16 سنة في بلد عربي، كان مفهوم الله واضحاً بقالب معين أمامي، أنا إنسان محصور في مكان ما، أسمع النصائح الدينية التي تؤثر بي، يلتصق في ذهني أننا خُلقنا للعبادة فقط والتفكر، أخلاقي يجب أن تظهر لأنني مسلمة، أبتعد عن المعاصي لأنني مسلمة، أُطيع أُمي لأن ديني أمرني بذلك، فصار كل شيء حسن مقروناً بالدِّين، وكان هذا أول خطأ فادح أدركته حينما عشت في أميركا. إن التنشئة الإسلامية البحتة لن تَخلق منا أنبياء ولا أولاداً بارين ولا أشخاصاً يتركون مجالس الفجور، التربية الإسلامية البحتة يمكنها أن تقودني إلى أن أصير آلة جيدة يُساء استخدامها بسهولة. إذن ما القوام الصحيح للتنشئة؟ سأذكر بعض المفارقات، صديقتي المسيحية تمتنع عن لبس القصير لأنها تفعل هذا حياءً منها، بينما صديقتي المسلمة اتجهت لطريق الإلحاد بعدما انفصل والداها، وتقول إنها الآن تحررت رغم أنها درست في مدرسة إسلامية، صديقي الملحد لا يخالف أوامر والدته حُباً فيها، رغم أنه لم يسمع بآية "وبالوالدين إحساناً". مديرة عربية تستغل حاجة موظفة عربية أخرى فقيرة فتُرسل لها الشيك ناقصاً، بينما مديرة أميركية تُرسل شيكاً مالياً كاملاً كما هو مُتفق عليه، وكِلتاهما تعمل في نفس المكان، يأتي الشاب الأميركي يرتبط رسمياً بحبيبته رغم أنها مصابة بالسرطان، ويأتي الشاب العربي يتزوج الفتاة الأميركية لإكمال أوراق الجنسية، ومن ثم يطلقها بدون أن يُدرك أنها إنسانة ولها شعور، ما سبب كل هذا؟ ما الذي حصل؟ أفعلاً رب أميركا مختلف عن ربكم في البلاد العربية؛ لذلك تحملون ربكم إلى أميركا وتمارسون شُحّكم الديني اللاأخلاقي في بلاد الغرب؟! تعاملت مع العرب كثيراً هنا وتعاملت مع الأجانب، الفرق كان واضحاً، هذا يتصرف بجوع ونهم في كل شيء، وذاك الآخر لا أريد أن أضع لائحة صفات للمديح، لكن يكفيني قول إن الله في قلبه. تشقون على أنفسكم فتظنون أن الله يشد عليكم، رأفة الله في القوم لحسن أخلاقهم، لا لحسن عبادتهم، أذهبُ إلى بلد عربي أُسرق، يُتحرش بي كلامياً وغيري أكثر، أُهان في الدوائر الحكومية، وبعدها نسأل لِم كل هذه الشِدة يا الله؟! في بلد عربي ركضت وراء معاملة حكومية أكاد وصفها بالتافهة والسهلة، لكنها أخذت أياماً وأسابيع وسافرت ولم تتم، في أميركا أخرجت الجواز الأميركي بيومين؛ حيث أرسلت الطلب في البريد، وجاءني الجواز بعد يومين في البريد. وبعد كل هذا يأتي شخص يركض وراء حكومته التي نهبته وأكلت من لحمه وشربت من دمه ويرفع يديه للسماء، ويقول: اللهم دمر أميركا، لو أحسنت وضوءك وصليت قيام الليل كاملاً وأنت تدعو على دولة فيها من الإحسان ما يكفي ويزيد فلن يُقبل منك، فاسترِح. لا أستغرب من الحُكام الطُّغَاة أنهم طغاة طالما أن الشعب خانع وطاغٍ في حق بعضه، ولا أستهجن دماراً أكثر طالما أن الشعب مشغول في الحقد على بعضه، بنفس الوقت أتمنى أن يعبد الناس الرب الذي رأيته في أميركا، رب الرحمة لا رب التسلط، رب الحب لا رب الحرب، رب القلوب لا رب الذنوب، اعبدوه في خارج المساجد كما تعبدونه داخلها، اعبدوه كما شئتم فكما تعبدونه تجدونه. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.