من يتمعن في تعقب خفايا ومضامين ما يجري من سيناريوهات خطيرة في المنطقة، لابد وان يتوصل الى حقيقة مفادها أن هناك ما يشبه الإنقلاب الكوني، يشير بوضوح الى إن الولايات المتحدة والغرب عموما وحتى روسيا، تسعى الى إعطاء إيران دور إقليمي في المنطقة، يتناغم مع رغباتها، في أن تكون شرطي المنطقة. لدى إيران الثروة القومية وهي النفط، والطموح الإقليمي، لكي يجد فيها الغرب ضالته، في أن تكون إيران البديل الأمثل لتحقيق طموحاته في رسم خارطة جديدة للمنطقة، تتحول فيها الدول العربية الى كانتونات طائفية تتقاتل فيما بينها. ومن مميزات هذا الدور أن الغرب ترك لإيران مهمة تنصيب الزعامات العربية وهي من تختار لهم أعمدة الحكم، بعد إن أضحى الحكام العرب جميعا، كما يبدو قاصرين ليس أمامهم أية فرصة، سوى أن تعلن إيران وصايتها على مقدرات دولهم وشعوبهم، بدعم من الولايات المتحدة، التي تريد إعطاء دور إقليمي لإيران بهدف توريطها في حروب، تخرج منها إيران خاسرة في نهاية المطاف! قبل سنوات، كانت إيران هي من تنصب رؤساء الوزارات في العراق، بل هي من تقبل تنصيب رؤساء الجمهورية ورؤساء مجلس النواب، بالرغم من أن منصبي الجمهورية والنواب أقل أهمية من منصب رئيس الوزراء بكثير، وبقيت هي من تمسك بالعصا من وسطها، لتنهd وتأمر وترضى وتغضب، ومن لا ينفذ أوامر طهران من الاطراف والقوى العراقية يكون مصيره في خبر كان. وفي سوريا تحكم إيران قبضتها على مقدرات هذا البلد، وهي من حمت نظام بشار الأسد من السقوط. وقبضت إيران ثمن كل ما قدمته لدمشق بأن تولت هي الوصاية على مقدرات الدولة السورية، وهي من تحكم هناك، وتدير دفة السلطة وتدير المعارك والحروب، وتهدم بيوت السوريين على رؤوسهم، في حمص وحماه وحلب وكل مدن سوريا الرافضة للهيمنة الايرانية على مقدرات سوريا. وفي اليمن لإيران القدح المعلى في أن المعادلة السياسية ما زالت في قبضتها، وهي من ترسم خطط المعارك وتوجه سيناريوهاتها، وهي من تقبل من سيكون على رأس اليمن، بل وشكل الحكم والشخصيات التي يتم ترشيحها وطريقة التناوب على مناصب الحكم الرئيسة، وأن يكون للحوثيين سلطة هذه المرة وتتحدث عن توازنات، لتكون هي من تحكم على رأس السلطة، ولا بد من أن يكون العراق أنموذجها الذي ترغب أن يسود في أي إختيار المناصب الرئاسية الثلاث في اليمن. وعلى مقربة من إيران فتحت طهران النار على دول الخليج، وإختارت ان تكون ندا للسعودية وخصما عنيدا وقد قبلت التحدي في المواجهة مع السعودية، على أمل ان تصفي معها الحساب إقليميا، وتجتاح دول الخليج في مستقبل قريب. وفي ضوء النتائج المتوقعة للهيمنة الإيرانية المستقبلية، تكون شكل السيناريوهات المرتقبة لـ إعلان الحرب على السعودية ودول الخليج قد إكتمل تنفيذ مخططها. إيران تنطلق في توجهاتها هذه، في ان يكون لها اليد الطولى في المنطقة، وهي من تقرر مستقبلها، وهي من ترسم خارطة صراعاتها، في ظل غياب مؤقت للولايات المتحدة قبلته على مضض، في أن تعطي مثل هذا الدور لايران في ترويض العرب والسيطرة على مقدرات دولهم وشعوبهم وثرواتهم وتؤجل المعركة معها، لحن اختيار رئيس جديد للولايات المتحدة نهاية العام، ومن ثم وقد يتم تمديد الولاية الإيرانية على دول المنطقة، لسنوات مقبلة، إذ ان الولايات وجدت في طموحات إيران من يكون البديل الأفضل الذي ينوب عن الولايات المتحدة في تفكيك الدول العربية والاسهام بإنشطارها الى دول وكيانات طائفية، لأنه ليس لدى الحاكمين الجدد في أميركا ولا لشعب الولايات المتحدة القدرة على خوض غمار حروب ومعارك في المنطقة العربية راحت تكلفها المال والأرواح، والنفقات الباهضة، فوجدت في إيران المتنفس الباحث عن دور إقليمي. ولهذا شجعت الولايات المتحدة إيران، لتكون هي المضرب الذي يحرك الجيوش ويحرك توجهات المنطقة تحت أطر طائفية ومذهبية، دون أن تخسر الولايات المتحدة نفقات باهظة في انها تصل الى هدفها بأرخص التكاليف وأكثرها ضمانا لأمنها وأمن إسرائيل في المقام الأول، وفي ان تستحوذ شركاتها العملاقة على نفط المنطقة وثرواتها، ولتذهب السعودية ودول الخليج الى الجحيم. ما يشجع الولايات المتحدة سعيها إعطاء دور إقليمي لإيران في المقام الاول، هي رغبة الولايات المتحدة في ان تضطر إيران للانفاق الباهظ على خوضها حروب إقليمية في المنطقة، وبالتالي تؤدي هذه الحروب الى تبديد ثرواتها على شاكلة ما حرضت عليه العراق في التسعينات، لكي تنهك إيران وتنهي ثورتها، وحكم رجال الدين فيها، وتخرج إيران من هذه الحرب، وهي تئن من وطأة ديون ثقيلة عليها، وسعي غربي للعودة مجددا الى مواجهة الخطر الإيراني وتسعى لتمزيق كياناتها القومية. وتكون ايران بعد ان ورطها الغرب في تلك الحروب ونفقاتها الباهظة وتدهور أوضاعها الاقتصادية ومعاناتها من نقص كبير في أسعار النفط لتكون إيران هذه المرة لقمة سائغة للولايات المتحدة وحتى لروسيا، لكي يكون بمقدورهما ابتلاعها وتفكيكها الى كيانات قومية في الوقت المناسب. بل أن الولايات المتحدة تخلت عن دورها الإقليمي والدولي حتى لصالح روسيا وقد وجدت في الطموحات الروسية المتواضعة، وفي قدرتها على ترويض أنظمة العرب والانتقام منهم،وبخاصة في سوريا، فرصة ان يتم إجراء توزيع للأدوار المستقبلية بين الولايات المتحدة وروسيا والغرب عموما، تعيدنا الى اتفاقات سايكس بيكو جديدة، يتم من خلالها رسم خرائط جديدة للمنطقة، تظهر فيها دولا جديدة، لم تكن ضمن النظام الدولي الحالي، وتتشكل معالم خارطة جديدة للمنطقة، تتحول فيها دول المنطقة الى مجموعة كانتونات طائفية وأتينية وقومية لا يستبعد ان تكون الدولة الكردية الجديدة من بينها. وتبقى الحروب والصراعات هي السمة السائدة بين تلك الأنظمة والكيانات غير الشرعية، حتى ان المخابرات الأميركية قد بشرت العرب ودول المنطقة قبل أشهر من أنهم مقدمون على عشرة حروب مقبلة، بعد ان تنتهي المواجهة مع صنيعتها داعش تبقى أتون نيرانها تشتعل لسنوات طوال. هذه خلاصة لأبرز السيناريوهات التي يتم رسمها للمنطقة، وقد كانت إيران إحدى أدوات هذا السيناريو الخبيث، وما درت طهران أنها ستكون الضحية المقبلة في نهاية المطاف. لكن الغرب أتقن اللعبة، ووجد في إيران الضمانة الأكثر ربحا والأقل خسارات، في أنها سوف تحقق له،ما سيتم رسمه من سيناريوهات، وتبقى دول المنطقة بضمنها إيران، مسرحا لـ هيمنة غربية روسية، كانت إيران احد أدواتها على كل حال. وهنا تذكرنا إيران بالمثل القائل "من حفر بئرا لأخيه وقع فيه". ولكن الله يمهل ولا يهمل و"يمكر ويمكرون..والله خير الماكرين"! حامد شهاب