هل صار العمل السياسي يعني استنهاض الطائفية والمناطقية في اليمن جاء ومن خلال بحث حمل عنوان الطّائفية وسيلة النّخبة السّياسية اليمنية الجديدة لميساء شجاع الدّين، أنّ مذهبي الشافعية والزيدية، يحملان انقساما قبليا ومناطقيا أيضا في اليمن، وقد انسحب هذا الأمر على العمل السياسي لدى الأحزاب اليمنية، ويتبين ذلك في كتاب اليمن من الإمامة إلى عاصفة الحزم، الصادر عن مركز المسبار للدراسات والبحوث بدبي. العرب [نُشرفي2016/10/21، العدد: 10431، ص(13)] عربة اسمها المنطقة وأخرى اسمها المذهب تجران النخب السياسية في اليمن صنعاء - لا توجد إحصائيات أو نسب دقيقة حول أتباع المذاهب باليمن، تقديرياً الشافعية تشكل الثلثين، بينما الزيدية الثلث، مع أقلية صغيرة من الإسماعيليين، بينما لم يتبق سوى العشرات من اليهود بعد عمليات الرحيل والترحيل المتعاقبة منذ عام 1948. إذن، تتكون اليمن من طائفتين أساسيتين: الشافعية والزيدية، وهذا الانقسام المذهبي هو أيضاً مناطقي وقبلي، فهو انقسام بين ما يعرف باليمن الأعلى، وهو شمال جبال سمارة في وسط اليمن، وتقع في محافظة إب، واليمن الأسفل أي جنوب جبال سمارة. وهذا أمر يختلف عن تقسيم اليمن السياسي الحديث لشمال وجنوب، هذا الخط الانقسامي المذهبي- المناطقي يقع في ما كان يعرف بـ”اليمن الشمالي”، قبل الوحدة عام 1990، وهو انقسام يسبق الإسلام. هذا الانقسام المناطقي- المذهبي هو أيضاً قبلي بين قبائل همدان التي تتضمن “حاشد” و”بكيل” في الشمال، وقبائل “مذحج” في جنوب اليمن ووسطه. المذهب الزيدي يميل البعض إلى تسميته بالمذهب الخامس، بمعنى أنه خامس المذاهب السنية الأربعة، أو وصفه بسنة الشيعة وشيعة السنة، في إشارة إلى تقارب المذهب الشيعي للسنة أو العكس. ينطلق المذهب الزيدي ككل المذاهب الشيعية من فكرة أحقية الإمامة لعلي بن أبي طالب، لكنه يحاول ألا يصطدم بالصحابة، وهذا له علاقة بارتباط المذهب الزيدي بفكر المعتزلة منذ البداية، لهذا كان موقفه المعتدل من الصحابة -بشكل ما- هو ما أعطى الزيدية سمعتها الوسطية. الإمامة فكرة محورية لدى الزيدية ككل المذاهب الشيعية أيضاً، لكن نظريتها تختلف عن المذهب الشيعي الاثني عشري الأكثر انتشاراً. الإمامة لدى الزيدية تقوم على فكرة الخروج، أي الثورة أو التمرد المسلح على الحاكم الظالم، تطبيقاً لمبدأي “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” و”العدل”، وهما أصلان من أصول المعتزلة الخمسة. هما فكرتان محوريتان لدى الزيدية لتبرير فكرة القتال ضد الحاكم الظالم، التي تميّزت بها عن كل المذاهب السنية التي تدعو إلى طاعة ولي الأمر بشكل عام، وعن أتباع الاثني عشرية الذين يدعون إلى التقية حتى ظهور المهدي المنتظر، ثم تغيّر الحال بعد تبلور فكرة ولاية الفقيه. إذن، الزيدية دعوة قتال لأجل الحكم لا ينبغي أن تتحقق إلا من خلال وجود إمام مستوفٍ لكل الشروط الاثني عشر للإمامة؛ وعلى رأسها أن يكون فاطمياً وعالماً وعادلاً. اليمن يتكون من طائفتين أساسيتين: الشافعية والزيدية، وهذا الانقسام المذهبي هو أيضا انقسام مناطقي- وقبلي أثناء التطبيق أخذت الإمامة الزيدية طابعاً وراثياً أكثر من مرة، لكن الوراثة كانت تخل بشرعية الإمام عادة، وقد يظهر له عدة منافسين. وفكرة الخروج المسلح ضد الحاكم الظالم لا يمكنها أن تكون مناسبة إلا لبيئة قبلية لديها الاستعداد للقتال تحت مسميات عديدة وبدوافع عقائدية ظاهرياً، لكنها قد تكون اقتصادية في حقيقتها. على الرغم من إدانة الزيدية للبعض من العادات القبلية، وعدم ثقة الأئمة في القبائل بسبب قتالها الدائم وغزواتها المتكررة للمناطق الأكثر خصوبة، حتى وصلت خشيته من تمردها المستمر إلى تبني فكرة الرهائن، أي أخذ أولاد شيوخ القبائل رهائن لدى الإمام، فهذا لا يمنع القول “إنه لولا القبيلة لما كانت الإمامة”. لقد استعارت الزيدية البعض من العادات القبلية حتى أصبحت جزءاً أصيلاً من إرث الإمامة؛ مثل تدمير المنازل، فالقبائل تدمر منزل من لا ينتمي إليها إذا أخل بعرفها، وهذا يعني الرحيل من أراضيها من دون السماح بالعودة له بعد مخالفته للقبيلة وأعرافها. هذه عادة استعارتها الزيدية أيضاً في حروبها الإمامية -حروب الحوثي حالياً- وهي تدمير منازل الخصوم، وهي عادة بدأها الإمام الهادي مؤسس أول إمامة في اليمن قبل ما يزيد على ألف عام، لكن بمفهوم عقائدي يهدف إلى التنكيل بخصوم الإمام، حيث تستهدف كل خصومه بغض النظر عن وجودهم في مناطقهم أم لا. هذه الانقسامات المذهبية والمناطقية والقبلية لا تعني الصراع، حيث يغلب التعايش في فترات الاستقرار السياسي، بينما تطفو على السطح كل هذه الانقسامات وقت الصراعات السياسية كأي مجتمع، حيث لا وجود لمجتمع متجانس بالكامل، كما أن هذه الانقسامات ليست قطعية وحادة حتى تخلق عمليات انقسام دائمة ومستقرة، تؤسس لثقافات وشعوب متباينة بشدة. طبيعة المشكلة الطائفية لا تخلقها المجتمعات التي تميل إلى التعايش دوماً، وتوجد مناطق في اليمن تتعايش فيها المذاهب الثلاثة: الشافعي والزيدي والإسماعيلي، دون أي فرز أو تقسيم على مستوى المساجد أو الزواج، لكن طبيعة الحكم هي التي تخلق هذه المشكلة. كانت الدول في السابق تقوم على مفهوم الغلبة الذي يتطلب عصبية، ومن ثم تأسست أنظمة عربية حديثة بطابع استبدادي، لتلعب العصبية مجدداً دوراً محورياً. ظل الاختلال المناطقي- المذهبي بيناً في تركيبة الجيش اليمني، حتى تولّى علي عبدالله صالح الحكم عام 1978، حيث أصبحت قيادات الجيش حكراً على أبناء قبيلته (سنحان) في معظم الوقت، وهي إحدى قبائل حاشد. كأي حاكم عربي تحول الحكم في عهده إلى مزرعة أسرية. وكانت لقطاعي الأمن والجيش أهمية بالغة، ولأن الهدف منهما تأمين النظام وليس الدولة والشعب، كان اختيار القيادات يتم بناء على الأكثر ثقة لدى الحاكم وليس الأكثر كفاءة، بالتالي ليس من باب العجب أن تتصدر عصبية الرئيس القبلية والمناطقية تلك الأجهزة، خاصة مع بدء مشروع التوريث لابنه عام 2000. بدأت الجمهورية اليمنية الحديثة العهد في تعريف نفسها بالهوية القحطانية، أي نسل عرب الجنوب، في تمايز واضح عن عرب الشمال الذين جاءت منهم قريش والنبوة. ولهذا أهمية بالغة في مسألة الإمامة التي تعتمد منظومتها على تراتبية طبقية اجتماعية صارمة، يعتليها السادة الهاشميون كأصحاب حق حصري بالحكم. لذا، يمكن القول: إن النزعة القحطانية ظهرت كردّ فعل لهذا الامتياز الهاشمي، وتعبيراً عن مظلومية يمنية قديمة في بداية الإسلام، وهذا الخطاب الذي لا يعبر عن وطنية جامعة بعيدة عن السلالية، هو تعبير عن أزمة خلفاء الإمامة الذين اتهموها بالرجعية والكهنوتية الدينية، في وقت لم يكن النظام اللاحق -تحديداً نظام صالح- تقدمياً أو علمانياً، وإن كان النظام الجمهوري قد فتح لليمن آفاقاً جديدة بعد أن كانت قابعة في القرون الوسطى قبله. هكذا كان تماهي المنظومة السابقة واللاحقة مع تقليديتهما سبباً في تصعيد خطاب الهوية غير الوطنية في البعض من الأحيان، وبالتالي حلت القحطانية محل الهاشمية. :: اقرأ أيضاً استراتيجية الخليج الجديدة تؤتي ثمارها في محاصرة الإرهاب