×
محافظة مكة المكرمة

الطائف .. ضبط سعودي متهم بالنصب على عدد من المواطنين والمقيمين

صورة الخبر

لم يكن صباح 24 تموز (يوليو) 2015، يوماً عادياً في حياة الممرضة رسل. السيدة التي تبلغ من العمر 32 سنة والتي تعمل في المستشفى الرئيسي بمحافظة واسط في العراق، أصيبت في شكل مفاجئ بالتهاب الكبد الفيروسي نوع (B) عندما كانت تغرز حقنة لمريضة مسنَّةٍ خرجت للتو من صالة العمليات وأُدخلت ردهة الباطنية. «كانت الأوردة في يدها ضيقة ومترهلة. ما إن وخزتها حتى ارتعشت يدها ودفعتني بقوة لتدخل الإبرة في ساعدي»، تتحدث رسل عن لحظة انتقال الفيروس إليها. الطاقم الطبي الذي أشرف على علاج المرأة المسنّة في مستشفى الزهراء وسط مدينة الكوت (مركز محافظة واسط) لم يكتشف في البداية اِصابتها بأي فيروس معدٍ. احتاجت المسألة ثلاثة أيام قبل أن يأتي موظّف في قسم التحليلات إلى رسل ومعه الخبر المشؤوم. «انتابتني حالة من الذعر والانهيار العصبي. هرولت إلى المختبر وطلبت منهم إخضاعي لكافة الفحوصات فوقعت النتيجة كالصاعقة على رأسي». عندما انتقل المرض إلى رسل كانت حاملاً في شهرها الرابع على مشارف الحصول على إجازة الأمومة، لكن فداحة خبر الإصابة وانعكاساته النفسية جعلاها تفقد وليدها المنتظر بإسقاط جنيني مروع. «رسل» واحدة فقط من بين مئات يصابون سنوياً بالتهاب الكبد الفيروسي في محافظة واسط. ما حصل معها يمكن اعتباره أحد الأخطاء الجسيمة التي يدرج الحديث عنها في مستشفياتٍ عديدة جنوب العراق، لا تتوافر فيها ضمانات صحية للكوادر ولا للمرضى، بوجود عوامل عديدة تُساهم بانتقال العدوى من المصابين، بدءاً من إهمال المستشفيات وتلوثها وصولاً لتلوث مياه الشرب وإمكانية نقلها للأمراض الوبائية، وليس انتهاءً بالأخطاء المخبرية، وهو ما سيكشف عنه هذا التحقيق.   السرطان أو تليف الكبد يعرّف المختصون التهاب الكبد الفيروسي بأنه إصابة في خلايا الكبد ناتجة من انتقال أحد الفيروسات المسببة له، وهي على أنواع مختلفة لكن الشائع منها والأكثر خطورة هو A،B،C،D. وفي حال تفاقمه يؤدي إلى تليف الكبد وسرطان الكبد وصولاً إلى الوفاة خصوصاً في النوعين B وC، إذ غالباً ما يدرك المريض إصابته بعد فترة طويلة، ولا تتوافر علاجات ناجعة وسريعة للمرض، غير أن نسبة كبيرة من المرضى يتماثلون للشفاء تدريجياً وإلا سيكون الموت في انتظارها. ووفق منظمة الصحة العالمية فإن التهاب الكبد من النوع C ينتقل من طريق الدم أو الاتصال الجنسي فيما تتسبب عمليات نقل الدم أو الوخز بالإبر الصينية أو الوشم أو شفرات الحلاقة أو معدات الأسنان والغسيل الكلوي واستعمال المناظير الداخلية والحقن غير الملوثة بانتقال النوع B، أما النوع A فهو الأقل خطورة وينتقل في شكل رئيس من خلال تناول الأطعمة والمشروبات غير النظيفة. وفي حالة الممرضة «رسل» المصابة بالفيروس B، فيقول الأطباء إن تماثلها للشفاء التام بطيء جداً، وهي تخضع لمراقبة مشددة لكي لا يتطور المرض، فيما ترافق جسدها آلام في العضلات والمفاصل، وحكة جلدية وشعور بالغثيان وفقدان كامل للشهية.   مستشفى أم سوق خضار؟ ما أنْ تدخل مبنى رئاسة الصحة في محافظة واسط حتى تفاجأ بانتشار الملصقات التحذيرية من خطر الإصابة بالتهاب الكبد الفيروسي، تحذيرات تبدو بلا نتيجة مع الارتفاع المتزايد في نسب المصابين بالمقارنة مع المحافظات المجاورة. زيارة ميدانية لأروقة المستشفيات الحكومية الثلاثة الواقعة في مدينة الكوت، وهي: مستشفى الزهراء والكرامة والطوارئ، تكشف عن «جنّة» لمختلف أنواع الفيروسات. حاويات النفايات في الخارج لم يتم إفراغها منذ مدة. الأكياس والضمادات الملوثة وبقايا الأوساخ تفيض على الجوانب. وعلب وأعقاب السجائر تفرش أرضيات الساحات والردهات. اتساخ طلاء الجدران وتراكم الأتربة وانتشار الروائح الكريهة التي تشير الى تسرب مزمن لمياه المجاري في الأرضيات ما يمثل مصدر خطر دائم. هذا الوضع يمتد على بعض أسرّة المرضى التي غزاها الصدأ والبقع داكنة اللون. عند تفحص المناور الهوائية التي تطل عليها شبابيك غرف المرضى لاستنشاق الهواء النقي تفاجأ بتحولها الى مكب للخردة والأجهزة الصحيّة المعطلة. الممرضون يتزاحمون في صالات العمليات من دون كمامات صحية وتنتشر في بعض الزوايا أسطوانات الأوكسجين الصدئة غير مغطاة. هذه المشاهد وغيرها تزيد آلام ومحنة الراقدين هنا. أحد الزائرين كان يشتكي من اتساخ الوسادة والأغطية حيث تنام زوجته تحت مفعول المخدّر. «هل هذا مستشفى أم سوق لبيع الخضار؟» كان يتساءل متذمّراً. يقول أحد الأطباء في مستشفى الزهراء إن «قِدمْ مباني المؤسسات الصحية وتآكلها من الداخل وتسرّب مياه المجاري أجبرت الإدارة على إغلاق صالة العمليات لأكثر من مرة». الطبيب يؤكد أنَّ مياه المجاري تتسرب من الأرضيات مسببة روائح كريهة. ويتابع: «هذه البيئة الملوثة سبب في الإصابة بمختلف الأمراض. حتى حياتنا نحن الأطباء أصبحت عرضة للتهديد. نحن نضطر لإعطاء المرضى مضادات لمعالجة الالتهابات في شكل دائم كوننا غير متأكدين من خلو أروقة المستشفيات من الفيروسات».   الرقم 48 قد تكون المستشفيات الثلاثة في مركز المحافظة أفضل حالاً من خمسة أخرى تتوزع في الأقضية والنواحي وتحتوي جميعها على قرابة مئة ألف سرير، تقدم خدماتها العلاجية بأسعار زهيدة لأكثر من مليون ومئتي فردٍ هم عدد سكان المحافظة. خلال ثلاثة أشهر من البحث تم رصد حالات مختلفة من الإصابة بالتهاب الكبد الفيروسي عبر لقاءات مباشرة مع المرضى، وسط رفض تام من قبل المعنيين في مديرية صحة واسط الكشف عن الإحصاءات الدقيقة للإصابات. السؤال عن أعداد الإصابات أثار انزعاج العاملين في مختبرات التحليل في مستشفيات مركز الكوت الثلاثة، واستوجب في أحد المختبرات إخفاء السجلات الرسمية التي قدمنا طلباً للاطلاع عليها، وهو ما علمناه من مصدر داخل المختبر حاول بدوره مساعدتنا للوصول إلى الأرقام الدقيقة. أما في المستشفيين الآخرين فرفض المسؤولون إطلاعنا على البيانات من دون توضيح الأسباب. الطلب الرسمي الذي قدمناه الى المدير العام لصحة واسط، قام المسؤول الحكومي بتحويله إلى مديرة الصحة العامة التي ارتأت الحديث مع المدير العام في شكل شخصي قبل إعطاء أية معلومة. بعد سلسلة اتصالات، اكتفى مدير إعلام الصحة بالقول: «المدير يبلغكم تحياته ويقول: 48». لم يكن ناقل الرسالة يعرف دلالة الرقم. هل هو عدد الإصابات؟ في أي نوع؟ وفي أي عام؟ اكتفى المسؤول الحكومي بهذا وغادر دائرته ولم يرد على الاتصالات المتكررة. بعد محاولات حثيثة جرت مع كوادر صحية تم الحصول على نسخة من الإحصاءات المرفوعة من قسم الصحة العامة في محافظة واسط إلى وزارة الصحة في بغداد. هذه النسخة لم يسبق تعميمها أو نشرها في وسائل الإعلام. رغم ذلك، أكد المصدر الذي سرّبها بأنها غير دقيقة. «هي ترفع بهذا الشكل إلى وزارة الصحة بسبب خشية المسؤولين من ثبوت تقصيرهم. الأرقام ربما أكبر بكثير». تشير الإحصاءات المسرّبة إلى أن المستشفيات سجّلت خلال العام 2013، 151 إصابة من النوع (B)، و61 من النوع (C). وهي تخصّ فقط الأشخاص الذين راجعوا المستشفيات الحكومية وأجروا الفحوصات اللازمة ولا تشمل المصابين بالمرض في عموم المحافظة. ويلاحظ من خلال المعطيات أن عدد الإصابات ارتفع في العام 2014 ليصل إلى 261 ضمن النوع (B) و95 ضمن النوع (C)، وسجل في العام 2015، 181 من النوع (B) و(42) من النوع (C). وعلى رغم الشك بدقة هذه الأرقام، تبقى أكبر بكثير من مثيلتها في محافظات مجاورة، كذي قار مثلاً التي سجلت في العام الماضي 67 إصابة فقط من النوع (B) وأربع حالات فقط من النوع (C).   خُمس المراجعين مصاب للخروج من عقدة أرقام الجهات الصحية، جرى التواصل مع مصادر أخرى للحصول على تقرير الإحصاءات البيئية الصادر عن الجهاز المركزي للإحصاء. التقرير أظهر ارتفاع نسب الإصابة بالمرض في واسط إلى أكثر من ثلاثة أضعاف خلال عامين فقط. التقرير المصادق عليه في شكل رسمي من وزارة التخطيط، يبيّن أن واسط سجلت خلال العام 2013 ضمن الأنواع الأربعة من الفيروس حصيلة إصابات وصلت الى 1146 في صفوف الذكور والإناث. بينما يقدر عدد الإصابات في العام 2014 بـ 3757 مقسَمة مناصفة بين الذكور والإناث. ولم يصدر الجهاز المركزي للإحصاء تقريراً إحصائياً للعام 2015 بسبب الاضطرابات الأمنية التي شهدها العراق. ومرة أخرى، هذه الأرقام تمثل عدد الذين خضعوا للفحوصات المخبرية الجرثومية والفيروسية في المستشفيات وليس عدد المصابين في عموم المحافظة. مؤيد سلام، موظف في قسم التحليلات في مستشفى الكرامة يرى أن أرقام الإصابات «تدل على أن المرض بات يشكل تهديداً لصحة المجتمع... إذا علمنا أن عدد الذين خضعوا لفحوصات الفيروسات خلال العام 2014 بلغ حوالى 18 ألف مراجع، فإن نسبة الإصابة بين صفوف المراجعين للمستشفيات الحكومية في العام ذاته بلغت حوالى 20 في المئة، وهي نسبة مرتفعة جداً بالمقارنة مع دول أخرى». ووفقاً لما يقوله الدكتور صادق جار الله عضو لجنة مكافحة التهاب الكبد الفيروسي في محافظة ذي قار فإن العيادات الخاصة تكتشف يومياً المزيد من الاصابات «لكن المريض لا يتعامل معها بجديّة ولا يسعى الى تسجيل نفسه كمصاب خشية من أن يتعرض للعزل الاجتماعي من محيطه وأقاربه، وهو ما يعقد مسؤولية الجهات الصحية الحكومية».   كل شيء على ما يرام! يلحظ المخبري الواسطي مؤيد سلام، انتشار الفيروس من النوع (A) في الفحوصات التي تجري في مخبره، مشيراً الى أن «الأطفال هم الأكثر عرضة للإصابة». ويعزو ذلك إلى مسببات الإصابة التي تتلخص باستعمال الأدوات الخاصة بالآخرين وتناول الأطعمة والعصائر في الأسواق. وفي معظم الحالات يكون تلوث المياه هو السبب الأساسي وراء نقل المرض. الحديث المتكرر لأطباء ومخبرين عن المياه الملوثة كأحد أسباب انتشار المرض، دفعنا للتأكد من سلامة مياه الشرب في المحافظة، فتم سحب ثلاث عينات من مناطق مختلفة من مدينة الكوت التي تضم نحو 10 مجمعات مائية. بعد رفض مختبر الصحة العامة إجراء الفحوصات الجرثومية اضطررنا إلى إجراء فحوصات فيزيائية في المختبرات الأهلية. بعد أربعة أيام وصلت نتائج العينات وكانت ضمن الحدود المسموح بها تماماً. «كل شيء على ما يرام»، قال لنا موظف المختبر عندما طلبنا منه توضيحاً للنتائج. لكن المفاجأة كانت عندما أخضعنا ذات العينات لفحص آخر في العاصمة بغداد، فتبين وجود فرق واضح في النتائج. بخلاف السابقة في الكوت، كشفت فحوصات بغداد عن زيادة هائلة في نسبة الأملاح الكلية في مياه الشرب تفوق الحد المقرر بثلاث مرات. وبلغت نسبة المواد الطينية الراكدة ضعف الحد المقرر. وتجاوزت نسبه أيون الكلورايد الحد المسموح به. يعلّق مخبري من الكوت على اختلاف النتائج بين المحافظتين بالقول إن العاملين في مختبر الكوت «يريدون تجنب أوجاع الرأس». ويوضح: «يا عزيزي، لا يوجد مختبر واحد هنا يمكن أن يعطيك معلومة صحيحة إذا ما تعلق الأمر بقضايا الصحة العامة، فهذا يسبب لهم متاعب هم في غنى عنها، ويثير غضب المسؤولين، بل إنه يكلفهم أحياناً غلق المختبر». نقلنا نتائج تحليلات مختبر بغداد إلى مختصين في الصحة العامة، فأوضح الأخيرون بأنَّ المياه الموجودة في المجمعات غير صالحة للشرب، ويمكن أن تتسبب بأمراض مختلفة في مقدمها أمراض الكلى والقولون والتهاب الكبد الفيروسي.   أزمة مالية يرجع بعض المعنيين بالواقع الصحي في محافظة واسط، التردي الصحي في المحافظة، الى الأزمة المالية التي تعيشها البلاد بسبب انخفاض أسعار النفط وارتفاع تكاليف الحرب على تنظيم «داعش» الى جانب استمرار الفساد وسوء الادارة. «انعكاسات الأزمة المالية وصلت إلى أسرّة المرضى» تقول الدكتورة سندس اللامي رئيس قسم الصحة العامة في واسط مستاءة من شح الموازنة التي بحوزة مؤسستها. تكشف اللامي أنَّ نقص الأموال أوقف عمل شركات التنظيف داخل المستشفيات قبل نحو عام، فاضطرت الأخيرة للاستعانة بعمال الأجر اليومي. لكن حتى هؤلاء تركوا العمل بسبب تأخر صرف مستحقاتهم المالية على رغم أجورهم البسيطة التي تتراوح ما بين 150 إلى 300 ألف دينار عراقي، وهو ما يفسر انتشار النفايات الطبية والأوساخ في ردهات المستشفيات. تضيف اللامي أن «‏الإجراءات الوقائية الصحية كرشّ مبيدات القوارض ومكافحة الحشرات وحبة بغداد توقفت نتيجة عجزنا عن صرف مستحقات العمال ودفع إيجار العجلات الخاصة، وهناك تلكؤ واضح في تقديم وجبات الطعام للمرضى والأطباء المقيمين». الدكتور تحسين سعيد، يعرض جانباً آخر من الأزمة: «المطهرات اللازمة لغسيل الفرش والأغطية قليلة جداً، وصالات العمليات تعاني من شح المطهرات ومواد التعفير». ويوضح الطبيب أن عدم توافر المبالغ المالية الكافية ساهم بتعطّل المصاعد الكهربائية داخل مستشفى الزهراء لأكثر من مرة، والسبب ذاته يحول دون إصلاح عطل الأنابيب التي تتسرب منها المياه داخل إحدى صالات العمليات ما يجعلها ملوثة في شكل كامل. المدير العام للصحة في واسط الدكتور جبار الياسري، أفاد من جهته بأن الديون المترتبة على الموازنة التشغيلية لوزارة الصحة بلغت حوالى ثلاثة ملايين ونصف المليون دولار، أما الموازنة الاستثمارية فديونها أكبر وهي تتراكم منذ سنوات «لذلك اضطررنا لأن نوقف العديد من المشاريع الصحية». وتابع: «في الشهر الأول من العام الحالي كان التمويل صفر في المئة وفي الشهر الثاني أيضاً، وفي الشهر السادس لم يتم تزويدنا الا بـ 7 ملايين دينار عراقي (حوالى ستة آلاف دولار أميركي) وهي لا تكفي لشراء الأوكسجين والأدوية ومواد التعقيم». لكن حجي جمال، السبعيني الذي كان خارجاً لتوه من مستشفى حكومي وهو يمسك بيد حفيده قال: «لم نحصل على الأدوية التي جئت من أجلها، يقولون إنها غير متوافرة بسبب الأزمة المالية». لكن حفيده قاطعه «الخدمات الصحية تزداد سوءاً، لكن الحكومة غير مهتمة، قبل فترة كان علينا إجراء فحوصات مخبرية عاجلة فقيل لنا ان الفحوصات متوقفة... زيارة بعض المستشفيات صارت تهدد صحتنا».   نتائج خاطئة على رغم رفض المسؤولين في واسط تقديم إحصاءات دقيقة عن نسبة المصابين بالتهاب الكبد الفيروسي، لكنهم يؤكدون ارتفاعها بسبب الأزمة المالية وضعف الإجراءات الوقائية في المستشفيات. حتى المدير العام للصحة أبدى خشيته من انتشار الفيروس فيما لو استمر العجز المادي حائلاً دون تطبيق البرامج التوعوية. مصادر في مختبرات المستشفيات الثلاثة أكدت توقفها في بعض الأحيان ولأيام عن إجراء الفحوصات الفيروسية بسبب التقشف المالي الذي تعاني منه المؤسسات الصحية، سوى حالات خاصة جداً. «نحن نكتفي عادةً بالفحوصات البكتيرية وهي الأهم» كما يقول أحد المصادر في مستشفى الزهراء. فيما يكشف طبيب آخر في مستشفى الطوارئ وسط المدينة عن نقص حاد في توفير المواد الأولية لإجراء فحوصات مخبرية للأمراض الانتقالية منبهاً إلى أنَّ الكوادر الطبية تضطر في بعض الأحيان إلى ايقاف العمل لأيام معدودة. بيد أن الأخطر وفق كلام الطبيب هو أن الأجهزة المخبرية نفسها في حاجة الى إصلاح أو استبدال، فقد تجاوز بعضها عمره الافتراضي»، مبيناً أن «الشرائح المجهرية تعطينا أحياناً نتائج غير دقيقة كونها أصلاً غير خاضعة للفحص عند دخولها العراق». قصة «أم جواد» تشكّل أنموذجاً عن الأخطاء الحاصلة في نتائج التحليلات المرضية بسبب رداءة الأجهزة المخبرية، وهي قصة تتكرر في المستشفيات الحكومية. السيدة التي تبلغ من العمر 65 سنة دخلت مستشفى الزهراء لإجراء عملية جراحية لعيونها. وبعدما أُحيلت إلى قسم المختبرات أخبروها بإصابتها بالتهاب الكبد الفيروسي (C) فامتنع الطبيب الجراح عن إجراء العملية. «عاشت عائلتي أياماً صعبة بعد ذلك الخبر، وبدأت رحلة علاجي في المستشفيات الخاصة متنقلة بين المحافظات العراقية، وبعد مضي أسابيع أجريت فحوصات في محافظة النجف فتبين أنَّ تلك التي أجريت لي في مستشفى الزهراء غير دقيقة وإنني غير مصابة بالتهاب الكبد الفيروسي أصلاً». السيدة التي وقعت ضحية خطأ طبي تقول: «لو أنَّ الطاقم الطبي أجرى لي عملية العيون في وقتها لأعطت نتائج طبية أفضل».   المحسوبية مع كثرة التحذيرات من خطورة مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) إلا أنَّ منظمة الصحة العالمية تعدّ التهاب الكبد الفيروسي أشدّ فتكاً. ويقول الدكتور علي محمد الموسوي وهو متخصص في أمراض الدم بأن خطورة التهاب الكبد تكمن في قدرته الكبيرة على إحداث العدوى التي تفوق قدرة فيروس الإيدز بمئة مرة، إذ يمكن لفيروس الكبد أنْ يعيش في البيئة غير الملائمة لفترات أطول. ويتضح من حديث الخبراء أنَّ لانتقال العدوى في العراق أسباباً أخرى منها المعدات والأدوات التي يستخدمها الحلاقون والممرضون من دون اللجوء إلى استبدالها بين الحين والآخر، والاستخدام غير الصحيح لجهاز فحص السكر اليدوي وعدم استبدال الإبرة الواخزة عند فحص أشخاص متعددين. كما يساهم غياب الإجراءات الرقابية والوقائية في المنافذ والمطارات العراقية على الداخلين إلى البلاد في رفع نسبة الإصابات. أما في محافظة واسط تحديداً، فإن المحسوبية والتأثيرات السياسية والعشائرية تلعب دوراً كبيراً في انتشار المرض، فقد اكتشفنا حالات عديدة لتمرير معاملات المتزوجين الجدد من دون إجراء الفحوصات المطلوبة، بتوصية من ذوي العروسين أو من شخصيات نافذة. هذا حصل مع «هدى»، ذات التسعة عشر عاماً التي تمت مراسم زواجها بسرعة فائقة من دون إجراء الموافقات الرسمية في الدوائر المختصة، بما في ذلك فحوصات تطابق الدم وخلوه من الإصابة بالأمراض الانتقالية. وقد تبين بعد زواجها إصابتها بالتهاب الكبد الفيروسي من نوع (C) وهو ما قلب حياتها الى معاناة طويلة.   الحل في بغداد وفق الدكتور سلام الصفار، إختصاصي التحليلات البكتريولوجية في مستشفى الزهراء التعليمي وسط الكوت، فإن اتساع ظاهرة الزواج خارج المؤسسات الحكومية ساهم بازدياد حالات الإصابة بمختلف الأمراض الوبائية. في حين علق المتحدث باسم وزارة الصحة العراقية الدكتور أحمد الرديني على حالة «هدى» بالقول إنَّ «آلاف الزيجات تتم بعيداً حتى من المحاكم وهذا يعد تحدياً كبيراً في عملنا كوزارة». «هدى» لم تكن الحالة الوحيدة التي تحطم حلم زواجها بسبب هذا المرض. فقد التقينا خلال إعداد التحقيق بالعديد من المصابين بعضهم كان يطلب التحفظ عن هويته خشية من انتشار الخبر وبعضهم على العكس، كان يروي كل التفاصيل بل ويطالب بمحاكمة الأطباء والمستشفيات ويحملها المسؤولية. من بين هؤلاء كان أحمد عبدالهادي (29 سنة) وهو من سكان قضاء الصويرة الذي يحمل اليوم الفيروس (B) الأمر الذي دفعه لإلغاء مراسيم زفافه والتفرغ لرحلة العلاج الطويلة. ومن بينهم أيضاً «خلود» 26 سنة التي خضعت لعملية نقل دم ملوث ما زال الأطباء ينكرون حصولها. عشرات المصابين بالمرض تغيرت خلال لحظات حياتهم وخططهم للمستقبل. المخبري مؤيد سلام يعلق على قصة هؤلاء المرضى بالقول إن «البرامج التوعوية وحدها ليست كافية، المشكلة تجذرت في واسط، صار يمكن اعتبار المحافظة بالكامل بيئة حاضنة للأمراض والأوبئة، بدءاً من المرافق الصحية وصولاً إلى المياه الملوثة، مروراً بانعدام الرقابة الصحية على المواد الغذائية وفي المعابر الحدودية». وكما العديد من المشكلات الأخرى التي تواجهها البلاد، يرى سلام ومعه آخرون التقيناهم، أن المشكلة تبدأ دوماً من بغداد، ومن الأنظمة والاجراءات التي تطبقها، والحل أيضاً ينبغي أن يبدأ من هناك.     * أنجزت هذا التحقيق شبكة «نيريج» للصحافة الاستقصائية، تحت إشراف كمي الملحم.