إعداد:أشرف مرحلي تختلف وتتنوع أساليب التعلم، وتعتمد الأساليب التقليدية على السمع، إلا أن الطرق الحديثة تتجه إلى تحفيز حواس أخرى مثل: البصر، والتذوق، واللمس، والشم، بعد أن أكدت الدراسات أن استغلال هذه الحواس يؤدي إلى التحصيل بشكل أفضل، واستخدام الحواس هو المبدأ الذي يستند عليه منهج التعلم المتعدد الحواس، الذي جذب أعداداً كبيرة من الباحثين وخبراء التعليم حول العالم، وإذا كان هذا النهج يفيد المتعلم العادي، فإنه يعود بفائدة أكبر على المرضى وذوي الإعاقة، فقد أثبتت ليندا هيسبووير، في الولايات المتحدة، أن توفير بيئات مختلفة للتعلم تحفز حواس المتعلم، مما يساعد هذه الفئة من الأشخاص في التعلم والتواصل مع الآخرين، ويرى الخبراء أن تنوع بيئات التعلم، يقلل من مستوى التوتر لدى المتعلم ويرفع درجات المتعة والتركيز. وفي ألمانيا، تنتهج بعض المدارس أسلوب التعليم القائم على تعدد الحواس، حيث يجمع المعلمون بين الحركة والحواس المختلفة، بهدف تحفيز عملية التعلم، وثبت بالفعل أن هذه الطريقة تأتي بنتائج مبهرة، وحسنت كثيراً من قدرة الأطفال على التعلم. وبهذا المنهج يمكن التغلب على مشكلة تعلم المفردات الجديدة، إذ يوفر بيئة تعليمية مرفقة بصور تشرحها وتترجمها، بدلاً من عرضها منفردة ومجردة. ويرى أصحاب نظرية التعلم متعدد الحواس، أن الدماغ يتعلم بسهولة أكبر، عند تحفيز باقي الحواس في آن واحد، خلال عملية التعلم، وتأكدت صحة هذه النظرية بعد دراسات عديدة أجراها باحثون في معهد ماكس بلانك، لعلوم الإدراك والدماغ البشري، وهو معهد بحثي يتبع جمعية ماكس بلانك في لايبزج، في ألمانيا صحة النظرية. وفي تجاربهم، ابتكر العلماء لغة مصطنعة لغة تخترع لهدف بعينه، ومن الممكن أن تتشابه مع اللغات المعروفة، أسموها لغة فيميش، تتبع قواعد الألفاظ في اللغة الإيطالية، والسبب في اختيار اللغة رغبتهم في أن تكون غريبة بالنسبة لجميع المشاركين، فمفردات الإيطالية كانت جديدة عليهم، واستمرت الدراسة سبعة أيام، وكلف المشاركون من الذكور والإناث بحفظ معان لأسماء مجردة، وأخرى لأسماء محسوسة من اللغة المختارة، في ظروف مختلفة، ففي التجربة الأولى، سمع المشاركون مفردة من مفردات اللغة، تزامناً مع مشاهدة صورة، أو إيماءة مرتبطة مع المفردة، وفي التجربة الثانية، كلف المشاركون بالتعبير عن الكلمة التي استمعوا إليها برسمها في الهواء أو من خلال إيماءة، وبعد فترات زمنية مختلفة، أراد الباحثون معرفة ما إذا كان بوسع المشاركين تذكر المفردة، وتوصلوا إلى أن تذكر المشاركين الذين شاهدوا صورة الكلمة، وعبروا عنها بإيماءات، كان أفضل. وقد أثرت طريقة التعلم هذه في نشاط أدمغة المشاركين في التجارب، إذ لاحظ الباحثون أنه عندما عبر المشارك عن الكلمة التي تعلمها بالإيماء نشطت مناطق الدماغ المسؤولة عن الحركة، بينما نشطت مناطق الدماغ المسؤولة عن الرؤيا، عندما تعلم المشارك من خلال الصور، في إشارة واضحة إلى أن دماغ الإنسان يتعلم بسهولة أكبر، عندما ترتبط عملية التعلم بمعلومات عايشتها الحواس المختلفة. وعزا الباحثون ذلك إلى عمل الارتباطات بالحواس بشكل متبادل، لتعزيز وترسيخ المصطلح في اللغة الأصلية، إضافة إلى ترجمته بشكل أعمق في الدماغ. ويتجه العلماء إلى تنشيط العصبونات في مناطق الرؤية والحركة في الدماغ، باستخدام أقطاب كهربائية، وقياس أثرها في مخرجات التعلم، لمعرفة ما إذا كان نشاط مراكز الدماغ المسؤولة عن الحركة والرؤية هو السبب الأساسي في تحسن مخرجات التعلم. والجدير بالذكر أن مبادئ التعلم متعدد الحواس، لا تنطبق فقط على تعلم مفردات جديدة، حيث توصلت دراسات عديدة، أن الإدخال متعدد الحواس يسهل تمييز الكلمات في لغة الشخص الأصلية، وقد تصيبنا الدهشة إذا علمنا أن المشاعر، إضافة إلى الحواس، تلعب دوراً فاعلاً في عملية التعلم، وجال في بال الباحثين سؤال: هل يخضع التعلم متعدد الحواس لقاعدة بعينها، وهل تنشيط عدد أكبر من الحواس، يعطي نتائج أفضل؟ حركة الخلايا سر بقائها قد يعلم بعضنا أن الخلايا في حركة دائمة، لكن يجهل أغلبنا انتظام هذه الحركة، فليست عشوائية، لكنها متسقة ومتناسقة، تمكنها من الحصول على التغذية اللازمة، وتسير الخلايا في تحركاتها استناداً إلى حاسة شم شديدة الحساسية، تستقي من خلالها المعلومات حول محيطها، فتركز في مصدر الروائح، وبمعنى آخر، فإن حاسة الشم تمثل قدرة الخلايا على استقبال الإشارات الكيميائية ممثلة في الروائح، ومن ثم ترجمة هذه الإشارات، وخير مثال على ذلك، الخلايا العصبية لدى الإنسان، حيث تشكل امتدادات عصبية طويلة في اتجاه الإشارات القادمة من الخلايا الأخرى، لتشكل شبكة معقدة تمثل جهازنا العصبي، كما تتعرف خلايا أخرى إلى الجراثيم المضرة من رائحتها، فتتوجه إليها للتخلص منها، وظلت طريقة توجه الخلايا نحو مصادر الروائح المنتشرة في محيطها مجهولة لوقت طويل، إلا أن الباحثين تمكنوا أخيراً من فهمها، بفضل تجربة أجراها باحثون في معهد التكنولوجيا الفيدرالي في سويسرا بقيادة البروفيسور ماثياس بيتر، من معهد الكيمياء الحيوية، ودرس الباحثون خلايا الخميرة التي يمكنها التعرف إلى الإشارات الكيميائية والتعامل معها، وسلوكها تجاهها. وتوصل فريق البحث إلى أنه عندما تستشعر الخلايا وجود إشارة على مقربة منها، تبدأ على الفور في تشكيل الأداة متعددة الوظائف، وهي عبارة عن تركيبة بروتينية معقدة تتكون من أكثر من 100 مركب، يمكن رؤيتها عبر المجهر الفلوري، وتمكن الباحثون من مراقبة كيفية تحديد الأداة لمصدر الإشارة، فتتخذ من غشاء الخلية جسراً للوصول إلى الإشارة الأقوى، وتتوقف عن الحركة بمجرد وصولها إلى أشد مستوى للإشارة، بعدها تنتفخ عند هذه المنطقة، وتستمر في نموها في اتجاه مصدر الإشارة، لتندمج الخليتان معاً. وصمم الباحثون محاكاة حاسوبية لفهم الآلية الجزيئية للعملية، فتوصلوا إلى وجود مستقبِل يلتقط الإشارة، وينبه الخلية لهذه الإشارة ومكونات أخرى، مثل بروتين يعرف باسم Cdc42، ومهمته نقل المستقبل عبر الغشاء، وبروتين Cdc24، ومهمته تنظيم وظيفة البروتين الأول، ونشر البحث في مجلة ديفيولبمنت سيل، التي ذكرت أن عمل المستقبل يشبه عمل الأنف، أما بروتين Cdc42، فيعد بمثابة محرك العملية، بينما يلعب بروتين Cdc24، دور المكابح، وفي الوقت الذي تتجه فيه الأداة متعددة الوظائف نحو الإشارة الأقوى عبر غشاء الخلية، يقل عدد جزيئات بروتين Cdc24، وعند العثور على الإشارة الأقوى، يستدعي بروتين Cdc42 عدداً أكبر من جزيئات Cdc24 المخزنة في النواة، لتلتحق بالأداة، وكلما زاد عدد جزيئات Cdc24 المرتبطة معها، تقل سرعتها، وعندما يصل بروتين Cdc24 إلى مستوى معين، تتوقف الأداة تماماً وتبدأ الخلية في الانتفاخ. وتتبع العلماء حركة الأداة باستخدام المجهر الفلوري، وقاموا بمحاكاتها عبر الحاسوب، فنجحوا في وضع تصور حول كيفية التحكم في حركتها، كما تمكنوا من التوصل إلى طريقة لتغيير المكونات ومعرفة وظائفها وتأثيراتها. وفي البحث الأخير قدم الباحثون تفسيراً ووصفاً مفصلاً لطريقة تحديد الخلايا لمصدر الروائح، واعتبر البحث أساساً لمزيد من الأبحاث التي تتناول تفاعل الخلايا مع الإشارات، سواء كانت خلايا الخميرة، أو الخلايا البشرية، ويأمل الباحثون في أن تكون تلك بداية للتوصل إلى علاجات لكثير من الأمراض، وأيضاً لتصميم تطبيقات عدة.