غالبًا في فهم الأمور؛ وبالتالي ردات الفعل على أمر ما، ينقسم الناس لفئات عدة، قد تكون متناقضة تبعًا لكثير من الأمور، منها ما يتعلق بظروف معيشتهم، وثقافتهم، وقدرتهم على الحكم والنظرة المستقبلية، وغيرها كثير. وهكذا كنا في تلقي المستجدات حول وضعنا الاقتصادي! وأعني بـ(كنا) العامة من الناس فقط!! فبين خائف متلهف، ومهون هادئ، يظهر اللاهي (خارج التغطية!)، لكني أحسب أن أغلبهم بدا مصدومًا كمن استفاق مندهشًا يتساءل متلفتًا: هل نحن في أزمة فعلاً؟ خاصة مع القرارات الأخيرة التي أيقظت سباتنا، الذي غرقنا فيه زمنًا طويلاً، ونحن نعيش مستهلكين فقط، وبنَهَم شديد، ومسرفين أيضًا..! ولم نخطط لمثل هذا اليوم على مستوى الفرد والجماعة، وأصبحنا نبحث عن "تطمينات" فقط، وتخدير جديد، على الأقل على سلامة الرواتب، بعد أن تغيّرت حساباتها من إطلالة القمر إلى بزوغ الشمس! ولا أحد يلام على قلقه ومخاوفه على رزقه ورزق أطفاله، واختلال مخططاته المستقبلية، واضطراره إلى أن يعيد حساباته من جديد في كل شيء، ويرتب أجندته وأولوياته من جديد أيضًا؛ لتصبح له منهجية خاصة، كان يفترض أن يعيها وينتهجها ويربي أبناءه عليها بعد أن يعوِّد نفسه، وأهمها ترتيب الأولويات، وإعطاؤها النصيب الأكبر من التركيز والتخطيط. فأن تسعى لتوفير سكن للعائلة والتوفير لذلك أهم بكثير من السفر لأيام معدودة! ومنها كسر حدة الشغف للمظاهر، وعدم التطلع لمجاراة الآخرين في سلوكياتهم الغريبة. كما تبرز أهمية السعي لتغيير فكر الأجيال؛ ليصبح أكثر نضجًا وتعقلاً، ويترك ثقافة اللهو التي هيمنت زمنًا ليس بالقصير على أسلوب معيشة الكثير منا. لا بد من تأهيل أبنائنا، وتربيتهم من جديد على أساليب الاقتصاد الضرورية، التي كان لا بد أن تكون أسلوبًا تربويًّا ناجحًّا، غفلنا عنه كثيرًا. أحسب بكل تأكيد أن هذا الموضوع هو الدائر والمسيطر في أحاديثنا الحالية، وتكاد تنطق الجدران لكثرة ما سمعته من حواراتنا، التي منها الكثير الجاد، وبعضها هزلي، لكنه صادق على أية حال. ويمكن لأي متابع لوسائل التواصل الاجتماعي أن يرصد ذلك بكل سهولة، وما يتناقله الناس خاصة عبر رسائل الواتس والتغريدات التويترية.. لكن الملاحظ أن الجميع تقريبًا تحوَّلوا فجأة لمحللين اقتصاديين وخبراء لا يشق لهم غبار، وقد سمعوا برامج عدة، وقرؤوا بعض المقالات!! بل قدموا حلولاً مقترحة بعد أن بحثوا في الأسباب والمسببات.. وبعض الحوارات تجمع متناقضات وأضدادًا، توحي بأن الانقسام الطبقي في مجتمعنا أصبح واقعًا نعيشه ونلمسه.. ولنكن أكثر واقعية على اعتبار أن ذلك سمة المجتمعات، لكن الفارق هو حدة الانقسام أكثر من أي وقت مضى! فحين قالت إحدى الزميلات وهي تتألم: الفقراء بالأساس كيف سيتدبرون أمورهم الآن؟ ومن سيلتفت لهم؟ وأنت تسمع عن أطفال تركوا المدرسة؛ لأن أهلهم لا يملكون ثمن ملابس المدرسة وحاجياتها؟!! في الوقت الذي عرضت فيه زميلة أخرى مقطع فيديو لحفلة البارحة لعروسين من عائلتين ثريتين فيما يبدو!! وقد بدت تلك الاحتفالية خيالية في كل شيء، وكأنها من ليالي ألف ليلة وليلة! أظن أن التساؤلات السابقة أصبحت "تطن في آذانكم"! الحقيقة، إنني توقعت أن "الهياط" سيقف أو يخف على الأقل، وسيحترم مقترفوه الظروف التي نعيشها، وقد كان عهدنا بهم غير بعيد! وقد ألبسوا النياق الحلي، واغتسلوا بأطايب العود، ووسعوا دائرة الصواني، وأفردوا لها الضيف والضيفين! لكنه ما زال يطن بيننا.. الغريب حين يستغرب من يقترف إثم الإسراف الفاحش من استهجاننا؛ فهذا بفلوسه، وهو المسرف الخاسر، ولا أحد يحق له أن يحاسبه! ترى، هذا كيف سنرد عليه؟؟ وبالتالي من يوقف شغف التجار الكبار للمزيد من الثروة؟ بل حرصهم على البقاء في دائرة الغنى الفاحش، في حين يعاني الفقراء الجوع والحرمان؟ من يوقف جشعهم واحتكارهم السلع؟ من يخرج أياديهم من جيوب المواطن البسيط؟