×
محافظة المنطقة الشرقية

رخص قيادة للصغار

صورة الخبر

يمثل الاستهلاك المحلي المتزايد للطاقة أحد التحديات الرئيسية التي تواجه المملكة، حيث تتمثل في استهلاكنا ما لا يقل عن أربعة ملايين برميل يوميا من النفط المكافئ، وبمعدل نمو سنوي لا يقل عن 7-8 في المئة. وهو أمر غير قابل للاستمرار كونه يعد تخصيصا سيئا لاستخدام مواردنا الطبيعية، ويؤدي تدريجيا إلى انحسار ما يمكن لنا أن نصدره من نفط، وبالتالي خسارة متصاعدة تقدر بمئات البلايين من الريالات في ظل الفارق السعري الكبير بين سعر الوقود المدعوم محليا وسعر برميل النفط في الأسواق العالمية. لذا لا يمكن استمرار الوضع الحالي، وكان لزاما على كل المعنيين بهذا الاستهلاك المفرط من الطاقة، من حكومة ومنتجين ومستهلكين أن يتعاونوا لوضع حد لهذا النمو المتزايد، ومعرفة حجم المشكلة والخسائر المترتبة عليها اقتصاديا واجتماعيا وبيئيا. إذ لا يعقل ان استهلاكنا من الطاقة يزيد على ثلاثة أضعاف المعدل العالمي، ويزيد تسعة أضعاف عن معدل ما تستهلكه الدول العربية غير الخليجية، والآهلة منها بعدد كثيف من السكان مثل مصر. وبالرغم من صعوبة التحرك الفوري لمراجعة إعانات الوقود والعمل على تصحيح أسعاره بما يعكس الأسعار السائدة خليجيا على الأقل -ولا نقول عالميا- وإن كان ذلك أمرا لا بد منه عاجلا أم آجلا. فإن هنالك الكثير من البدائل الأخرى التي يمكن البدء بها للتخفيف بشكل كبير من تزايد نمو الاستهلاك المحلي من النفط، سواء في جانب الطلب أو جانب العرض من بدائل الطاقة الأخرى. أسباب نمو الاستهلاك المحلي ولو عدنا لتوضيح أسباب استهلاكنا المتزايد من الطاقة محليا لوجدنا أنها تتركز في التالي: أولا: مثل التزايد السكاني الكبير خلال السنوات العشرين الماضية سواء مواطنين أو عمالة مقيمة، جزء مهم من الطلب المحلي على الطاقة سواء في قطاع النقل أم قطاعا توليد الكهرباء وتحلية المياه، وكل هذه القطاعات تستخدم النفط كمصدر وقود رئيسي. تزامن هذا التزايد السكاني مع تزايد عائدات المملكة النفطية نتيجة للارتفاع الكبير في أسعار النفط في السنوات الأخيرة، وارتفاع معدلات الدخول الفردية نتيجة للزيادة الكبيرة في الإنفاق الحكومي على مختلف القطاعات وعلى رأسها قطاع التجهيزات الأساسية، وقيام العديد من الصناعات، والأنشطة المساعدة. ثانيا: أسعار الوقود والتعرفة الكهربائية المدعومة والمنخفضة جدا قياسا بكل الدول، عدا فنزويلا. إذ لا يعقل أن سعر ليتر من الجازولين يبلغ لدينا 13 سنتا، بينما يصل المتوسط أوروبيا أكثر من 8 دولارات، وحتى خليجيا فإن أسعار الوقود هي ضعف الأسعار لدينا. وإذا عرفنا أن مكونات برميل النفط تباع محليا في حدود 5-15 دولارا للبرميل، في حين بالإمكان بيع نفس البرميل بما لا يقل عن 100 دولار، لعرفنا حجم الخسائر الكبيرة التي يتكبدها اقتصادنا السعودي، وحجم تكلفة الفرصة الضائعة من بيع مزيد من النفط محليا بدلا من تصديره. هذه الأسعار المنخفضة جدا، شجعت وتشجع على الإسراف في استهلاك الوقود، ونجد معظم العائلات وقد اقتنت أكثر من سيارة واحدة، وانشغال سائقيهم على مدار ساعات اليقظة نهارا وليلا بمهمات مكررة لتلبية مختلف الطلبات مهما كانت صغيرة وتافهة طرأت على أحد أفراد العائلة. أما الإسراف في استهلاك الكهرباء فحدث ولا حرج، ولا نحتاج هنا الى إعطاء أمثلة فهي معروفة ونخجل من ذكر بعضها. ثالثا: النقص الواضح لتجهيزات النقل العام الأساسية، وعدم توفر شبكة قطارات داخل وبين المدن، إضافة إلى محدودية ثقافة استخدام النقل العام وارتباطه بعادات بالية لا تتماشى والعصر الحديث ومتطلباته. رابعا: الافتقار إلى ضوابط ومعايير ومقاييس ملزمة تحسن من كفاءة استخدامنا للطاقة. ونحن هنا لا نعيد اختراع العجلة -كما يقال- فمعظم دول العالم قد تبنت مثل هذه المعايير التي تعود بنفعها -حين التطبيق الجاد- على الاقتصاد والمجتمع وسلامة البيئة. أجهزة وسيارات منخفضة الكفاءة وما يزعجنا في هذا الخصوص، أنه ونظرا لعدم وجود مثل هذه المعايير في السابق، فقد أصبح سوق المملكة مردما لمختلف السيارات والأجهزة المنزلية وغيرها، ذات كفاءة منخفضة في استخدام الطاقة. فما لا يمكن بيعه دوليا يجد له سوقا تفتح لها ذراعيها بالترحاب، وما لا يمكن إنتاجه من هذه السلع دوليا، ترحب بإنتاجه بعض مصانعنا المحلية. ناهيك عن افتقارنا لثقافة الصيانة الدورية، الأمر الذي يفاقم من حجم الإسراف في استهلاك الطاقة في مختلف القطاعات. وبالرغم من إدراكنا لحجم هذه المشكلة التي نعيشها منذ فترة طويلة وأشبعناها دراسات ومقالات من الكثيرين منا، إلا أنها كانت تعامل من مختلف الأجهزة الحكومية على أنها «بعبع مخيف»، لا يحبذ متخذو القرار الاقتراب منه، وخاصة فيما يتعلق بمراجعة هيكل الأسعار المدعومة سواء للوقود أم التعرفة الكهربائية، وارتباط ذلك برفاهية المواطنين ودور الدولة الريعية مثل دولنا الخليجية في توفير رغد العيش للمواطنين قدر الإمكان. السيناريو الأسوأ وحينما دقت الدراسات الدولية ناقوس الخطر وذهبت الى تبني السيناريو الأسوأ وهو احتمال تحول المملكة الى دولة مستوردة للنفط بحلول عام 2035، إذ استمر استهلاك الطاقة بمعدلات النمو المرتفعة الحالية، بدأت مختلف فئات المجتمع تتنبه بشكل أكبر لحجم المشكلة، وكأن «زامر الحي لا يطرب». وللأسف فلم يبق في أذهان بعضنا إلا ان نجيب على سؤاله ونطمئنه بعدم تحولنا إلى دولة مستوردة للنفط، في الوقت الذي لا يريد أن يعرف بقية الإجابة حول «لماذا وكيف» من منطلق ثقته في إجابة المختصين، غير متصور أن دوره كبير في ذلك بترشيده لاستهلاكه للطاقة. الرد على الدراسات الغربية وقد ذكرت في مقالات سابقة ردا على بعض هذه الدراسات أن تحولنا الى دولة مستوردة للنفط أمر غير وارد لسببين: 1 - أننا في أي وقت نستطيع زيادة طاقتنا الإنتاجية من النفط، وبالتالي فافتراض هذه الدراسات ثبات الطاقة الإنتاجية عند مستوى 12.5 مليون برميل يوميا، يعد افتراضا غير واقعي. 2 - الافتراض غير الواقعي الآخر هو أن المملكة لم ولن تتخذ إجراءات للحد من معدلات النمو المرتفعة في استهلاك الطاقة، وأننا سنستمر في اسرافنا في الاستهلاك الى ما لا نهاية دون ضوابط تفرض، أو وعي ينمو ويتحسن، أو ظروف مالية تتبدل سواء على المستوى الفردي أو الحكومي. وهو أيضا افتراض غير واقعي، حيث هنالك الكثير من الإجراءات التي بدأت تأخذ طريقها الى التطبيق سواء ما يتعلق منها بجانب الطلب على الطاقة المحلية أو جانب العرض وتنويع مصادر الطاقة المستخدمة محليا. ففي جانب الطلب: أولا: بدأ مركز ترشيد استخدام الطاقة الذي تم إنشاؤه منذ أكثر من عامين، بداية في الاتجاه الصحيح نحو رفع مستوى كفاءة استخدام الطاقة، ووضع المعايير الإلزامية والمقاييس والمواصفات اللازمة لتحقيق مستوى عال من كفاءة الطاقة. هذه المبادرة سريعة المردود التي أطلقتها الحكومة تمثل تكلفة محدودة لكن مردودها عال جدا منذ اليوم الأول للتطبيق. ووضع المركز هدفا واضحا لما يطمح الوصول إليه وهو تحسين كفاءة استخدام الطاقة بما لا يقل عن 30 في المئة خلال السنوات العشر المقبلة. تحسين كفاءة الطاقة وفي رأيي فإن هذا الهدف واقعي في ظل تدني كفاءة استخدام الطاقة -كنقطة بداية- في مختلف القطاعات الاقتصادية في المملكة. وخطوة منعنا ان تكون المملكة مردما للسلع المستوردة ذات الكفاءة المنخفضة ستحقق نصيبا كبيرا من هذه النسبة، عدا تبني كودا خاصا للمباني الخضراء وغيرها من معايير كفاءة استخدام الطاقة والمعروفة دوليا. ثانيا: ظهرت خطوات فعلية وجادة في مجال تحقيق توسع كبير في قطاع النقل العام بكافة أنواعه من شبكات داخلية للميترو وأتوبيسات على طراز حديث، الى شبكة قطارات بين المدن مثل قطار الشمال الجنوب وقطار الحرمين وقطار المشاعر، وغيرها إضافة الى التحرير التدريجي المنتظر للطيران الداخلي. في تصوري أن فائدة هذا التوسع في النقل العام ليست فقط في تخفيف الازدحام المروري داخل المدن، وتخفيف الضغط على الخطوط السعودية، ونقل المعادن من مناجمها الى حيث أماكن تصنيعها أو تصديرها، بل هي خطوة هامة نحو ترشيد استخدام الطاقة. فإيجاد البديل للسيارات الخاصة وتوفير نقل عام حديث يربط بين مختلف النقاط داخل المدينة وبين مختلف المدن، يتيح الفرصة لعدم استخدام السيارات الخاصة إلا في حال عدم توفر هذا البديل، كما يتيح الفرصة للحكومة أن تراجع مسألة دعم الوقود لتراجع الضرر المحتمل على بعض الفئات التي تتأثر من جراء ارتفاع أسعار الوقود. وكما ذكرنا في البداية فخطوة التصحيح السعري هذه لا بد منها عاجلا أم آجلا في ظل ما ينتج عنها من إعانة تقدم للمحتاج وغير المحتاج، وأيضا نظرا للعبء المالي الكبير على الحكومة نظير الاستمرار في تقديم هذه الإعانة (أكثر من 160 بليون ريال سنويا، تمثل أكثر من 40 في المئة من إجمالي الإعانات التي تقدمها الحكومة). مراجعة الدعم الحكومي عملية مراجعة الدعم الحكومي المقدم لقطاع الطاقة لا بد وأن تأخذ في الاعتبار تجارب الآخرين ومحاولة إيجاد بدائل تعويض – غير نقدي – للفئات التي ستتأثر جراء التصحيح السعري المحتمل. رابعا: لا بد من القيام بحملات توعية مدعومة بالأرقام لوضع الطاقة الحالي في المملكة وما سنكون عليه في الفترة القادمة، وحجم الخسائر المتوقعة لاقتصادنا السعودي نتيجة هذا الإسراف غير المبرر في استهلاك الطاقة. هذه الحملة الإعلامية التوعوية لا بد أن لا ترتبط بفترة معينة مثل بعض حملات التوعية، وأن تكون شاملة وهادفة وتخاطب كل العقول في مملكتنا الحبيبة. أما في جانب العرض: فالمملكة تحتل المركز التسعين في مؤشر «أمن الطاقة»، فهي تعتمد اعتمادا مطلقا على الطاقة الأحفورية (نفط وغاز)، وبالتالي فهي من أقل الدول أمنا في مصادر الطاقة. ولن ترتقي المملكة صعودا في هذا المؤشر إلا بتحقيق تنويع وتطوير مصادر الطاقة الأخرى، وهو ما يوفر ليس فقط مزيدا من النفط للتصدير، بل أيضا يساهم في تحقيق التنويع الاقتصادي الذي ننشده عبر العقود الماضية وما زلنا. وقد نصبح مستقبلا مصدرا للطاقة وليس فقط مصدرا للنفط. وبإنشاء مدينة الملك عبدالله للطاقة النووية والمتجددة، نكون قد رسمنا إطارا مؤسسيا يتم بموجبه توحيد الجهود الرامية لتطوير مصادر الطاقة المتجددة والآمنة، واستحداث الإطار التنظيمي لشركات قادمة بين القطاعين العام والخاص. ولا يزال المستثمرون في انتظار الظهور الرسمي للتنظيمات التي تحدد هذه العلاقة، والتي فرغت المدينة من إعدادها منذ فترة. ويبدو أن التركيز في المرحلة الأولى سيكون على الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وطاقة حرارة الأرض. فعلى سبيل المثال، تخطط مدينة الملك عبدالله للطاقة النووية والمتجددة، لاستثمار ما لا يقل عن 109 بلايين دولار لتوليد 65 ميغاوات من الطاقة الشمسية خلال السنوات العشر القادمة، وهي خطة طموحة -لكنها ضرورية- تتطلب خطوات (المسار السريع) بعيدا عن التعقيدات البيروقراطية وتنازع الصلاحيات بين مختلف جهات التنفيذ. وفي الختام، فإن المملكة بدأت تسير في الطريق الصحيح نحو التعامل مع النمو المتزايد في استهلاك الطاقة محليا، بتبني مسار «الاقتصاد الأخضر» في جانبي العرض والطلب على الطاقة، وهو ما يحقق لنا مزايا اقتصاديةعديدة في طريق تحقيق تخصيص واستخدام أفضل لمواردنا الطبيعية، وخطوة رئيسية في طريق التنويع الاقتصادي، ناهيك عن المزايا البيئية التي طالما نتحدث عنها ولا نسير نحوها. * مستشار اقتصادي ونفطي