كنت فرحاً جداً في أول قصة قصيرة أكتبها في سنتي الجامعية الأولى ،قاصداً ان أشارك بها بمسابقة أدبية على مستوى الجامعات الأردنية، قدّمتها مطبوعة على الآلة الكاتبة - كان الكمبيوتر ترفاً آنذاك لا نقدر عليه- ووضعتها بين يدي المشرف الثقافي في الجامعة، المشرف الثقافي رفعها لعميد شؤون الطلبة ، فاستدعاني الأخير للحضور إلى مكتبه على وجه السرعة..دخلت مكتب العميد كان يضع القصة جانباً ،عندما رآني تناولها وقال لي بالحرف الواحد : « اسمع يا زعبي إذا القصة سارقها..قِرّ من هسع..لأنه هناك بيقرؤوا..بلاش تفضحنا وتفضح حالك»..فأكّدت له أنها من تأليفي..فلم يبد أي دهشة تذكر ..بينما رد بعبارة أكثر حيادية وتنبيهاً : «ذنبك ع جنبك»..فكان أول جرعة إحباط رسمية أتلقاها في قفاي المصون... فازت القصة بالمركز الأول على مستوى الجامعات..ولم يعترف العميد بي ولا بالقصة حتى اللحظة!. كلما قرأت خبراً عن تكريم جديد لأردني أو جائزة نالها شاب او شابة من طينة هذا الأرض حتى يقفز قلبي فرحاً، لأنني أؤمن أن في هذا الوطن ما يستحق الإبداع...وأن في هذا الوطن من العقول والكفاءات ما نفاخر به العالم...لكن مسؤولنا الرخامي ما زال متحجراً على كرسيه لا يؤمن بهذه الطاقات ولا يريد ان يراها تتحرك في فضاء الانجاز يريدها مثله تماماً ان تتبدد في دخان الروتين اليومي ... في الأسبوعين الأخيرين قرأنا عن انجازات لشابات وشباب أردنيين نالوا فيه تكريما من أهم شخصيات العالم في مجال بحوثهم بينما لم يسمع بهم المسؤول «تبع ذنبك ع جنبك» حتى الآن ..قرأنا عن المهندسة سهير المهيرات التي حازت على جائزة «محترف تطوير طاقة على المستوى الدولي» وتم تكريمها أمام أكثر من أربعة ألاف شخصية معنية في الطاقة بأمريكا لكنها لم تتلق «صفط ناشد» في وطنها، وقرأنا عن الدكتورة رنا الدجاني وفوزها بجائزة صانعي التغيير الدولية والدكتورة الدجاني عملت على كثير من المشاريع التي تركز على الجينات ومرض السكري ومرض السرطان ولم تتلق باكيت «سلفانة»... الشاب سديم قديسات، الذي يشارك حالياً في برنامج نجوم العلوم بجهازه جينومك (GenomiQ) لمساعدة مرضى السرطان من خلال أتمتة الفحوصات الجينية لزيادة دقتها والحصول على النتائج في وقت أقصر هو الاخر ما زال مبنياً للمجهول ولم يحصل حتى على «دزينة ملاقط» من المسؤول الأردني ...قبل شهرين أيضا ذكرنا المبدعة آيات عامر التي تبنّت وكالة ناسا مشروعها ، والتي صممت «روبوتاً» لاستشكاف كوكب «بلوتو»..وكتبنا عن م. احمد شبلي الجوارنة..الذي تلقى عروضاَ عالمية بعد ان اخترع شاحناً متعدد الأغراض يعمل على الطاقة الشمسية وقبلهم جميعاً الدكتور العبابنة الذي يعمل في ناسا ايضاَ...وغيرهم العشرات الذين يهربون من الضوء كي لا تتعقد أمورهم، وكي لا يقف المسؤول حجراً في طريق نجاحهم... ترى ماذا نخسر لو خرجت مبادرة رسمية بتكريم رفيع المستوى في عيد الاستقلال من كل عام... ..لنجوم الأردن وفرسان استقلالها في العلم والأدب والعمل التطوعي الذين وصلوا للمستوى الدولي في ذلك العام...هؤلاء هم فرسان التقدم وعربة الاستقلال الحقيقية.. و هؤلاء هم الذين لم يجدوا مسؤولاً واحداً يقول لهم «رائع..وااااو..أبدعتم..رفعتم رؤوسنا عالياً»...هؤلاء لا يريدون جوائز مالية ..هؤلاء يريدون كلمة «شكراً» صادقة تخرج من قلب مسؤول همّه الأردن أولاً وثانياً وعاشراً وأخيراً...كلمة شكراً لا تكلّف الخزينة شيئاً ولا ترهق المسؤول..سوى بعض الزفير القليل وطباق خفيف لأسنانه الكريمة!!.. يااااه كم نستمتع بإحباط المتفائلين!. الراي