انتظر الصحفيون في العراق أن يكون إدراج مبادرة الخدمة الصحفية خطوة تهدف لمكافأة للصحفيين بعد زخم المعانات والتحديات والأزمات التي شهدها القطاع منذ عقود وحتى اليوم. لكن تفعيل هذه الخطوة كشف النقاب عن معطيات وتفاصيل كانت في مجملها صادمة لقطاع قدم الكثير من التضحيات، وقتل المئات من العاملين فيه في خضم قيامهم بعملهم دون أن تحرك سلطات الإشراف ساكنا أو تكشف ملابسات مقتل أي صحفي لا سيما في السنوات العجاف الأخيرة التي يعيش على وقعها العراق. وانتظر الصحفيون أن تكون بادرة الخدمة الصحفية فرصة لاستعادة حقوقهم واسترجاع الحد الأدنى من مستحقاتهم الضائعة طيلة هذه السنوات، أو تكريما لجهود بذلت، ولكنها جاءت فاقدة لكل ذلك بل ودون قيمة تذكر حسب تقديرات عدد من الصحفيين العراقيين. وفي تعليقه له قال الصحفي إياد جاعد "سررنا لإضافة الخدمة الصحفية بعد أن انتظرناها كل هذه السنوات حتى تكون الخطوة الكفيلة بإعادة حقوقنا، ومنحنا المكانة التي تليق بنا، ولكن خطوات إضافة الخدمة لم تكن في مستوى انتظاراتنا لاسيما بعد اكتشاف أننا نتحمل التوقيفات التقاعدية بمبلغ التعين في المؤسسات الجديدة". وأضاف "كنا نأمل أن تحول نقابة الصحفيين رسوم تجديد الهويات الباهظ لصندوق التقاعد كما هو الحال مع نقابة المحاميين التي تبنت توقيفات التقاعد الخاصة بالمحاميين، ولم يتكفلوا بدفع أي مبالغ عندما أضيفت الخدمة، علما أننا ندفع مبلغ يضاهي مبلغ تجديد هوياتهم وندفع اعتماد المؤسسات التي نعمل بها، فضلا عن وجود صندوق تقاعد خاص بالنقابة، لكن حدث العكس ووجدنا أنفسنا مجبرين على دفع توقيفات التقاعد". ومن جانبه يقول الصحفي ياسر مصطفى انه قد خضع للأمر بأن يدفع التوقيفات التقاعدية والتي بلغ مليوني دينار عن خدمة ست أعوام، لكنه يشتكي أكثر من مسألة المراجعات التي تتسم بالفوضى وازدحامها الدوائر بالطوابير والصفوف التي تشبه حسب توصيفه "فضاء توزيع مجاني للمواد الغذائية أو توزيع رواتب". فضلا عن ضياع كبير في الملفات والمعاملات بسبب استهتار موظفي الدوائر وتقصيرهم في أداء مهامهم، وسوء تعاطيهم مع المراجعين. وأما الصحفية فرح جمال فسرعان ما تلاشت فرحتها بإضافة خدمتها الصحفية لمجرد أن اكتشافها أنها مجبرة على دفع التوقيفات التقاعدية بصك دفعة واحدة كاملة رغم اقتطاعهم لـ10 بالمئة من راتب تعيينها الأول في المؤسسة. وقالت "كيف لي دفع هذا المبلغ ونحن نعيش على راتبي؟ "، ودعت نقابة الصحفيين العراقيين إلى ضرورة الاضطلاع بمهمتها في الدفاع عن الصحفيين وأن لا يختصر دورها على الانتماء الشكلي لا غير، ومشاركته مشاكله و"عدم تركه في مواجهة الويلات في حين ينعم أعضائها في الرخاء". وفي تعليقها عن ردود الفعل الرافضة لآليات تطبيق الخدمة الصحفية تقول صديقة كاظم مدير القسم البديل "هناك من يعترض وخاصة الصحفيين، لكن نحن نطبق قرارات وزارة المالية، وكل المسائل تطبق وفق سياقات قرارات قانون التقاعد وإضافة الخدمة التي ترد من المديرية العامة للتقاعد، ولا توجد لدينا أي صلاحيات فنحن نطبق القرارات والقوانين حسب اللوائح المعمول بها، ونعتمد على 10 بالمئة من أول تعيين له في الدائرة الرسمية للشهر ونطلب تسليمها للمصرف ويقوم المصرف بتحرير صك لدائرتنا". وبهذا يكون الصحفي العراقي الذي يتحرك داخل سياقات وأوضاع أمنية وسياسية حرجة للغاية، قد فقد مجرد تقنين آليات حقيقية ومنصفة تضمن حقوقه بطرق تحاكي في الحد الأدنى القطاعات الأخرى في البلاد. وفضلا عن تحمل سلط الإشراف لمسؤولية عدم الالتفات لهذا التفصيل، وسنها قوانين تثقل كاهل الصحفيين عوض التخفيف عنهم، إلا أن نقابة الصحفيين تبقى الجهة الملامة أكثر من غيرها نظرا لفشلها في الاضطلاع بمهامها كمدافع عن حقوق الصحفيين والوقوف أمام بعض التشريعات التي من شأنها إثقال كاهلهم.