شكلت ثاني انتخابات برلمانية بعد دستور 2011 والتي أجريت في 7 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري محطة مهمة في تسويق «الاستثناء المغربي». فقد تصدر النتائج الحزب الإسلامي الذي تولى الحكومة، في سباق انتخابي تباينت فيه برامج الأحزاب السياسية تجاه قضايا الشباب ومشكلاتهم في شكل خاص. وقال الباحث في علم الاجتماع محمد المباركي إن فترة الحملة الانتخابية كانت فرصة لبروز «شباب مناضل مؤمن يدافع عن برامج بعض الأحزاب، واثبتوا علو كعبهم في الالتزام والتضحية ونكران الذات والتطوع والقدرة على التواصل تحت إشراف إدارة تطوعية تشتغل بإمكانيات مالية ولوجستية متواضعة». ويقارن المباركي بين هؤلاء وشبان «من «مأجوري الانتخابات» الذين استعانت بهم بعض الأحزاب موقتاً، غير مبالين لا بالبرنامج ولا بشعار الحزب، همهم الوحيد هو التعويض المادي بعد تشتيت الأوراق وتلويث الأزقة والشوارع بها». وإلى هاتين الفئتين، يستغل بعض الأحزاب احتياجات «الشباب العاطلين من العمل أو ذوي السوابق الجنائية ومدمني المخدرات في التهديد وترويع المواطنين من أجل التصويت لمرشحيهم مقابل تعويض رمزي لا يتعدى 200 درهم مغربي» بحسب المباركي، لافتاً إلى أن النتائج التي انتهت بتصدر حزب استغل الدين والعاطفة وتبعه حزب استغل المال والأعيان لا يعكس إطلاقاً واقع البنية الشبابية في المغرب ولا تطلعاتها وحضورها المجتمعي، موضحاً أن ذلك راجع لأسباب بنيوية في العملية الانتخابية برمتها ابتداء من صيغة التسجيل وتعقيداتها. وربما يكون التساؤل الواجب البحث في دواعيه هو عن وضع الأشخاص غير المسجلين والمقاطعين ومن بينهم فئة عريضة من الشباب هو مؤشر صريح عن إقصاء هذه الفئة. وبحسب وزارة الداخلية صوت في الانتخابات الأخيرة 6 ملايين و750 ألفاً فقط من أصل قرابة 16 مليون مغربي مسجل في اللوائح التي من بينها 30 في المئة من الناخبين تقل أعمارهم عن 35 سنة، مقابل 43 في المئة تتراوح أعمارهم بين 35 و54 سنة و27 في المئة تفوق أعمارهم 54 سنة. واعتبر كثيرون أن الشباب اثبتوا وجودهم في اقتحام المعركة الانتخابية الرقمية التي وظف من خلالها مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية في الترويج لبرامج الأحزاب والتي فطنت لهذه النافذة التواصلية المؤثرة في الشباب من خلال التعريف بمحطاتها وأيديولوجيتها، فيما برزت قوة دخول «فيديرالية اليسار الديموقراطي» المعترك السياسي بعد سنوات من المقاطعة للعملية الانتخابية. وتعزز ذلك الدخول بفئة شبابية آتية من دروب الحراك الميداني والنضال الجماهيري على مختلف الصعد، بعكس جهات لجأت إلى اقتراض بعض ذوي الجاه والنفوذ ممن يعتبرون نماذج حية في الترحال السياسي والفساد، في وقت عملت جهات أخرى على «التحزيب الإجباري» لنخب لا تتقن غير لغة المال والأعمال، لتحقيق تحالف البزنس السياسي والبزنس الاقتصادي. وتقول لمياء العلباوي إحدى الشابات المترشحات على أن حزبها اليساري أخذ في الاعتبار قضايا الشباب بالدرجة الأولى من خلال تشخيص وضعيته السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وتقديم مقترحات في البرنامج الانتخابي عبر دراسات ميدانية وذلك بإشراك الشباب في تقوية المشاركة السياسية والتعاطي الموضوعي مع قضاياهم. وتقول: «مستقبل المغرب رهن بالنهوض بالوضعية المجتمعية للشباب، فهؤلاء لهم انتظارات وعلى الأحزاب السياسية أن تكون في المستوى المطلوب لتحقيق مطالبهم». وأضافت وصيفة مرشح اللائحة المحلية لدائرة مديونة بالدار البيضاء، أن حزبها يفتخر بالتمييز الإيجابي على مستوى الترشيحات إذ تقارب 90 في المئة كلها من فئة الشباب. وكذلك التقدم الوازن لفيديرالية اليسار الديموقراطي على الأحزاب اليسارية التقليدية (الاتحاد الاشتراكي، والتقدم والاشتراكية) على مستوى أهم المدن الرئيسية للمملكة في ما يخص عدد الأصوات التي حصل عليها، ما منح الفيديرالية الصدارة على تلك الأحزاب وجعلها القوة اليسارية الأولى في أهم المدن الكبرى في المغرب. إلا أن الواقع الذي يمكن للمراقب أن يلامسه من خلال التحركات أثناء الحملة الانتخابية بعيد كل البعد عن الشعارات التي تنشد الديموقراطية والشفافية، إذ استغلت بعض الأحزاب المنافسة في التهديد والتهويل والوعيد، ويبدو أن الممارسة السياسية لبعض ممثلي الأحزاب لا علاقة لها بالسلوك الانتخابي المسؤول وهذا ما يزيد الهوة الكبيرة في نسبة العزوف عن المشاركة في المحطات الانتخابية المفصلية. إضافة إلى أن النتائج، والتي كانت نتيجة لاستعمال المال والدين في العملية الانتخابية، ساهمت في تشويه هذه المحطة الانتخابية التي فضحتها مواقع التواصل الاجتماعي. وفي السياق عبرت مجموعة من الأحزاب السياسية عن قلقها الكبير من تراجع نسبة المشاركة 43 في المئة مقارنة مع 45.40 في المئة عام 2011، مشددة على أن ذلك يستدعي التعاطي مع هذا الموضوع بالجدية اللازمة من قبل الجميع، وذلك لتعزيز مشروعية المؤسسات المنتخبة بصفة عامة، مطالبين بإحداث هيئة مستقلة للإشراف على الانتخابات بالنظر إلى واقع الممارسة الانتخابية التي كشفت عن تسجيل خروقات وتجاوزات. وكشف المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ضمن خلاصاته الأولية حول مسار عملية ملاحظة الانتخابات التشريعية، أبرز حالات الخرق التي شابت فترتي الحملة الانتخابية ويوم الاقتراع، من خلال تسجيل مجموعة من حالات تسخير وسائل الإدارات والهيئات العامة، في حين سجل حفظ حوالى 66 في المئة من الشكاوى الموجهة للنيابة العامة من مجموع 77 شكوى انتخابية، مع تسجيل 38 حالة عنف جسدي من ضمن 248 حالة تم رصدها، ما يشكل نسبة 15.32 في المئة، في حين بلغت حالات العنف اللفظي 210، إضافة إلى الانتشار «المقلق» للعنف اللفظي بأشكاله المختلفة خلال فترة الحملة الانتخابية، وفي مقدمها القذف والوشاية والتعابير المتضمنة للتمييز. وإلى ذلك تم تسجيل 134 شعاراً ذا طبيعة تمييزية، من بينها 67 حول الانتماء الجهوي، و55 بسبب الأصول؛ فيما سجل ملاحظو المجلس 14 حالة تتعلق بالتمييز العقدي، والعدد نفسه بالنسبة للتمييز بسبب الجنس، إضافة إلى حالات تمييز أخرى بلغ عددها 45 حالة.