لماذا نضطر إلى كتابة مفردات -أصبحت مصطلحات دولية تتشاركها الإنسانية جمعاء- بحرف لا يشبه أصلها؟ هل هو عجز في لغتنا؟ أم شعور بالعظمة؟ أم قصور في استيعابنا لتطور العصر؟ العربوليد علاء الدين [نُشرفي2016/10/16، العدد: 10426، ص(11)] أرى دائمًا في الحكاية المشهورة عن محاولة منح “الساندويتش” اسمًا عربيًا، دليلًا على العقلية التي تحكم علاقة فقهائنا باللغة العربية، ينظرون إليها باعتبارها كائنًا مقدسًا وُلد مكتمل النمو، وكأن اللغة ليست صنيعة الحياة. على أيدي هؤلاء الفقهاء، بدت اللغة العربية وكأنها كائن أحاديّ الخلية، يتكاثر عبر الانقسام فلا يُنتج غيرَ صور مكررة من ذاته، تبقى على حالها مهما بدت مُنبتّة الصلة بمحيطها، أو كأنها كائن نادر الوجود لا يتكاثر سوى من داخل نوعه وجنسه ولونه، فلا يكتسب صفة إضافية أو ميزة نسبية أو يتخلص من ضعف جيني عبر التلاقح مع أشباهه من لغات العالم. للأسف، لا زالت هذه العقلية تتحكم في اللغة العربية، معتقدةً أنها بذلك تحمي “اللغة المقدسة” من التشوّه، في حين أنها حرمتها وتحرمها من التطور، بل جعلت منها موضع استهجان من أهلها أنفسهم قبل الآخرين، لأنها لا تقبل منهم ما تقترحه عليهم الحياة من تطوّرات تلقائية وطبيعية وحتمية سواء على صعيد الصوت، أو الشكل، أو القواعد. تتطور اللغة على ألسنة الناطقين بها بسرعة وحيوية يوازيان سرعة وانطلاق الحياة، إلا أن أثر ذلك على “اللغة الرسمية” يظل بطيئًا ومنقوصًا ومشوّهًا، فقط لأن سدنة معابدها يظنون أنهم بذلك يحفظون لها قدسيتها. هل يعدّ استخدام العرب أسماءَ آلات أو أدوات من لغات أخرى نقصًا أو عيبًا؟ سؤال يفرض نفسه كلّما وقعت عيناي على محاولة بائسة للصق اسم عربي بآلة غربية الأصل والفصل، مثل الكمبيوتر مثلًا الذي فشلت كل المحاولات عديمة الفائدة في نزع اسمه الأصيل عنه، فلا هو بحاسوب أو حاسب آلي ولن يكون، كما أن التليفون لن يكون هاتفًا إلا في الملصقات الرسمية، والتلفزيون لن يكون مرناة حتى لو وزعوه مجانًا.. قائمة طويلة من محاولات فكاهية لنزع الأسماء الأصيلة عن مسمياتها، محاولات تشبه إصرار رجل على مناداة ابن ضيفه الأجنبي بـ”يوسف” غير منتبه إلى أنه يهينه ويهين ابنه الذي أسماه الرجل بنفسه “جوزيف”. شيء يشبه ذلك الإحساس ينتابني عندما تطالعني عناوين لوحات بعض المحلات في شوارعنا، وقد لوت أعناق الحروف وأفسدت الأسماء الأجنبية، لمجرد أن العربية لم تتكرم بالاعتراف بأن هناك أصواتًا أخرى ينطقها البشر (عرب وغير عرب) بخلاف الأصوات التي تتضمنها حروف العربية كما أغلق الفقهاء أبوابها. من ذلك حرف “الجيم” كما ينطقه أهل مصر واليمن والعراق وبعض الدول العربية الأخرى، وهو حرف شائع التكرار في لغات أجنبية عدة، ولكننا في العربية ما زلنا نرفض الاعتراف به، رغم أننا نجيد نطقه. لماذا نضطر إلى كتابة مفردات -أصبحت مصطلحات دولية تتشاركها الإنسانية جمعاء- بحرف لا يشبه أصلها؟ هل هو عجز في لغتنا؟ أم شعور بالعظمة؟ أم قصور في استيعابنا لتطور العصر؟ إذا كانت مفردة “group” مثلًا لم تعد مجرد كلمة إنكليزية تعني مجموعة، بل هي مصطلح يستخدم في وسائل التواصل الحديثة في “الإنترنت”، فلماذا نضطر أبناءنا إلى كتابته مرة “قروب” وأخرى “غروب”؟ إذا كانت كلمة مثل “tag” تحوّلت هي الأخرى إلى مصطلح يحمل دلالاته الخاصة في تلك المساحة الحديثة من تواصل البشر، فلِمَ الإصرار على كتابتها مرة “تاغ” وأخرى “تاق”؟ إذا كان هدف اللغة الأصيل هو التواصل، فهل من المستحيل أن نصل إلى شكل حرف جديد يُضاف إلى لغتنا العربية يُنطق “جيم” خفيفة ليتمكن البشر من التواصل من خلاله، حتى لا يبدو ارتباكنا بين حرفي الغين والقاف مضحكًا، وكأننا خرجنا للتوّ من متحف الحضارة الإنسانية؟ شاعر من مصر مقيم في الإمارات وليد علاء الدين :: مقالات أخرى لـ وليد علاء الدين أزمة لغة أم أزمة عصر أم أزمة تفكير, 2016/10/16 الشجرة قبل الثمرة, 2016/09/25 أسئلة الثقافة العربية أمام اليونسكو, 2016/08/28 أدب تدمير الطفل, 2016/08/21 سطوة النموذج, 2016/08/13 أرشيف الكاتب