×
محافظة المدينة المنورة

صرف 5 ملايين ريال إعانات للمرضى بصحة المدينة

صورة الخبر

بعد تسع سنوات من حادثة إفلاس البنك الأميركي الأشهر ليمان براذرز، يظهر في الأفق حادثة تعيد ذكريات واحدة من أكبر المآسي الاقتصادية التي شهدها العالم في ظل قطاع مصرفي يعترف الجميع بـ«هشاشته»، حيث تطارد أشباح عام 2008 أي أزمة خلال السنوات الأخيرة، وتؤجج الذعر في أنحاء النظام المالي العالمي، خصوصا في ظل ما يعانيه البنك الألماني العملاق «دويتشه بنك».. ورغم أنه من الإنصاف الاعتراف بأن القطاع المصرفي الأوروبي لم يشهد «فترة جيدة» خلال السنوات القليلة الماضية، فيبقى من المشروع التساؤل حول مدى التشابه بين واقع الحال في القصتين، وذلك في محاولة من «الشرق الأوسط» الوصول إلى إجابة للسؤال الحائر: «هل يجب أن يستعد العالم لكارثة مالية جديدة في العقد نفسه؟». وتواجه البنوكَ الأوروبية منذ منتصف الشهر الماضي رياح معاكسة، كان لها أثر واضح بتوقع أن الأزمة المصرفية المقبلة ستكون «أوروبية» بامتياز، الأمر الذي يذكر بالآثار المترتبة للأزمة المالية العالمية في عام 2008، مما يزيد من تخوفات لكساد جديد وانهيار الثلاثية الاقتصادية «التجارة والاستثمار والاستهلاك»، الأمر الذي ربما يفقد الثقة في النظام المالي العالمي. ورغم أن ألمانيا تعترف بكونها القوة الاقتصادية والسياسية الأبرز في أوروبا، فإنها لا تمتلك الصيت ذاته في قطاعها المصرفي، فقد تحولت سلسلة مشكلات «دويتشه بنك» إلى قضية سياسية، نظرا لما تحاوله الحكومة الألمانية من إيجاد حلول لإنقاذ القطاع المصرفي. سلسلة من المشكلات في أكتوبر (تشرين الأول) 2015. عوقب البنك بغرامة قدرت بنحو 2.5 مليار دولار لتورطه في فضيحة ليبور (هي سلسلة أعمال احتيالية متصلة بسعر الفائدة بين بنوك لندن أو الإنتربنك)، وفي يناير (كانون الثاني) 2016. أعلن البنك عن خسائر قياسية بلغت أكثر من 6 مليارات دولار في عام 2015، الذي يعد انقلابا اقتصاديا مذهلا بعد أرباح قدرها 1.6 مليار دولار في 2014. وفضلا عن تأثيرات الانفصال البريطاني (البريكسيت)، لكون البنك يستمد ما يقرب من 20 في المائة من إيراداته من المملكة المتحدة، فإن البنك يواجه أكبر مشكلاته مع الإفراط في الاستدانة في ميزانيته العمومية، فأصبح من المؤكد أن عليه في نهاية المطاف أن يزيد رأس المال لحل المعضلة التي وقع فيها مستثمرو أسهم البنك. وأبرز تقييم السوق للبنك تشاؤما ابتداء من 15 يونيو (حزيران) الماضي، حين جرى تداول أسهم البنك عند 27 في المائة من قيمتها الدفترية.. الأمر الذي يعني أن السهم جرى تداوله بأقل مما يعرف بمفهوم «قيمة تصفيته». ورغم أن «موجة تفاؤلية» سادت بين أوساط الخبراء والمستثمرين على نطاق واسع خلال الأسابيع الماضية بأن مشكلات البنك يمكن التغلب عليها «على الأرجح»، فإن هذه الموجة لم تدم طويلا، مع إعلان مجلس الاحتياطي الاتحادي أن البنك الألماني قد فشل في اختبارات التحمل للسنة الثانية على التوالي. ورغم أن التقارير المالية تؤكد تأثير مخاطر أزمة أكبر بنك أوروبي على النظام المالي العالمي، فقد تم تحديد المخاطر النظامية باعتبارها العامل الرئيسي في الأزمة المالية العالمية، وهذا هو الأساس من تخوفات خطر العدوى كتأثير «الدمينو»، حيث إن فشل شركة واحدة كبيرة قد يؤدي إلى فشل جميع أقرانها في الصناعة. والشهر الماضي، أمرت وزارة العدل الأميركية البنك بدفع غرامة بنحو 14 مليار دولار، لتسوية مطالبات من السندات المدعومة بالرهن العقاري، وأثار الأمر تساؤلات حول مستقبل أكبر بنك في ألمانيا، الذي تقدر قيمته السوقية بنحو 18 مليار دولار، فانتظار غرامة بهذا القدر ليست علامة جيدة. وكافح البنك، الذي لم يبق في حوزته سوى 6 مليارات دولار في احتياطي التقاضي، كما أعلن بنفسه، حتى يقلص الغرامة بقدر الإمكان.. حيث إن دفع غرامة بنحو 14 مليار دولار من شأنه أن يؤثر بشكل كبير على هيكل رأس المال للبنك. في الوقت ذاته، قالت مصادر مصرفية لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) الخميس الماضي إن «دويتشه بنك» قرر تجميد عمليات التوظيف الجديدة في إطار جهود خفض الإنفاق واستعادة ثقة المستثمرين في سهم البنك، في ظل الاضطرابات المالية التي يواجهها واعتزامها تنفيذ عملية إعادة هيكلة مؤسسة شاملة. وقال البنك الموجود في مدينة فرانكفورت في مذكرة لمديريه يوم الأربعاء الماضي، إنهم لن يستطيعوا تعيين موظفين جدد في الوقت الحالي، ولن يتم شغل أي وظيفة تخلو في البنك من خلال عمليات إحلال داخلية، والاستثناء الوحيد سيكون قطاع الإلزام في البنك حيث يعتزم البنك زيادة عدد العاملين فيه. ويستهدف «دويتشه بنك» خفض قوة العمل لديه، البالغة مائة ألف موظف، بمقدار 9 آلاف موظف. وتقليص أصوله الاستثمارية، والانسحاب من 10 أسواق عالمية بهدف تعزيز قاعدته الرأسمالية وتحسين ربحيته بحلول عام 2018. وحتى الآن لا توجد إشارة للإفلاس، رغم ارتفاع تكاليف التمويل وانخفاض هوامش الربح. وخسر السهم أكثر من نصف قيمته، كما هو حال البنوك الكبرى الأخرى مثل بنك يوني كريديت الذي تداول بأقل من نصف قيمته الدفترية، ولا يزال المستثمرين يراهنون على رفع دويتشه بنك رأس ماله، بينما يحاول البنك مماطلتهم حتى يستقر السعر، كالحال في البنوك الصغيرة الإيطالية، الذي كسر التدخل الحكومي هذه الدائرة المفرغة. محاولات التسوية يوم الأربعاء الماضي، وافق مصرف «دويتشه بنك» على سداد 9.5 مليون دولار غرامة لتسوية اتهامه بانتهاك قواعد تحليل الأسهم أثناء الأزمة المالية، في الوقت الذي يتفاوض فيه على تسوية ثانية بمليارات الدولارات مع السلطات الأميركية. وقالت هيئة سوق المال الأميركية إن أكبر بنك في ألمانيا وافق على دفع الغرامة بعد إدانته بالفشل في حماية «معلومات سرية» ونشر تقرير بحثي بطريقة غير مناسبة، وكذلك الفشل في الاحتفاظ بالسجلات الإلكترونية وتوفيرها للسلطات الرقابية الاتحادية. ومن بين الاتهامات التي سبق توجيهها للبنك الألماني، أنه أصدر عام 2012 تقريرا بحثيا يصنف سهم سلسلة متاجر التجزئة «بيغ لوتس» باعتباره صالحا للشراء، رغم أن محللا في البنك أبلغ زملاءه بأنه تجنب خفض التصنيف بسبب علاقات مع إدارة السلسلة. وقد عقدت هيئة سوق المال تسوية مع المحلل في فبراير (شباط) الماضي، حيث لم يعترف بارتكاب خطأ؛ لكن تم حرمانه من العمل في قطاع الأوراق المالية لمدة عام. وقال إنطونيا شيون، المدير المشارك لقطاع تطبيق القانون في هيئة سوق المال الأميركية، في بيان، إن «المعلومات التي وفرتها التحليلات البحثية - مثل التقييمات والآراء والتقديرات وتوصيات التداول - يمكن أن تحرك السوق في اتجاه معين». وأضاف أن «الوسطاء والمتعاملين يجب أن يحافظوا ويطبقوا السياسات والإجراءات الموضوعة بشكل مسؤول في ضوء طبيعة نشاطهم، لمنع إساءة استعمال هذه المعلومات». وفشل الرئيس التنفيذي، جون كرين، في التوصل إلى اتفاق مع السلطات الأميركية لتقليص المبلغ، الأمر الذي أدى إلى سقوط سهم البنك بنحو 3 في المائة يوم الاثنين الماضي. ولم يعترف البنك الألماني - أو ينفي - ارتكاب أي أخطاء، لكنه وافق على منع أي انتهاكات مستقبلية. وعلق وزير المالية الهولندي، ورئيس مجموعة اليورو، يروين ديبلسوم، قائلا إن الغرامة مرتفعة للغاية، وإنها «ستسبب اضطرابات غير مستقرة للأسواق»، محاولا بذلك أن يرسل رسالة واضحة للسلطات في الولايات المتحدة ومسؤولي دويتشه بنك بسرعة حل المشكلة القائمة. الإصلاح رغم كل تلك الضجة، يعتقد معظم المحللين أن الإنقاذ ليس ضروريا في الوقت الراهن من دون خطة إعادة هيكلة من البنك.. وقال الرئيس التنفيذي، جون كراين، في تصريح سابق، إن متطلبات إعادة الهيكلة على الطريق الصحيح. وأظهر استطلاع رأي حديث داخل ألمانيا أن 69 في المائة من المستطلعين يعارضون أي نوع من المساعدات الحكومية لدويتشه بنك، مع 24 في المائة لصالح المساعدات.. لكن يبقى الواقع أن القضايا المحلية، وبخاصة في القطاع المالي، تضيف مزيدا من القلق على قائمة المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، التي تواجه مشكلات مالية أكبر في الوقت الراهن، تتعلق بإيطاليا واليونان. وفي واقع الأمر، تواجه البنوك الأوروبية جميعها سياسات أسعار الفائدة «فائقة الانخفاض»، في الوقت الذي يحاول فيه وزراء مالية الاتحاد الأوروبي تخفيف المخاوف بشأن «دويتشه بنك». ويقول وزير مالية سلوفاكيا، بيتر كازيمير، الذي ترأس اجتماعا لوزراء المالية في لوكسمبورغ يوم الثلاثاء الماضي، إنه «ليس هناك تهديد معين.. لا في هذا البنك ولا على البنوك الأخرى». في حين قال وزير المالية الفرنسي، ميشيل سابين، قبيل الاجتماع إن «البنوك الألمانية فقدت ما يقرب من نصف قيمتها منذ بداية العام، وأصبح معدل اقتراضها الآن أعلى من البنوك الأوروبية». خوف صحي أم تضخيم؟ وقال أحد ممثلي الاتحاد الأوروبي عن دولة فرنسا لـ«الشرق الأوسط»، طالبا عدم ذكر اسمه، إن «دويتشه بنك في وضع أفضل بكثير من ليمان براذرز في عام 2008»، مضيفا أن «الأسواق لا ينبغي أن يسيطر عليها القلق.. أنا مندهش من رد فعل السوق منذ الإعلان عن الغرامة، وقد تكون هناك حاجة لخفض حجم بعض الأنشطة في بنك دويتشه بنك، ولكن لا يوجد شيء يدعو للقلق». ومنذ عام 2008، يتم تجهيز النظام المصرفي بشكل أفضل ليتعامل مع المخاطر المالية، فكل بنك في الاتحاد الأوروبي لديه متطلبات رأسمال إلزامية، تصل في المتوسط إلى 14 في المائة من الأصول المرجحة للمخاطر. وأظهرت أزمة «دويتشه بنك» مدى أهمية متطلبات رأس المال لامتصاص الصدمات المالية والحفاظ على الاستقرار، وسلطت أزمة البنك الألماني الضوء على ما يسمى «اختبارات التحمل» لمزيد من التحديد في نقاط الضعف المحددة في بنوك الاتحاد الأوروبي والقطاع المصرفي. وخلال مناقشة وزراء المالية في اجتماعهم لمتطلبات «بازل 3» الدولية لنسبة رأس المال، قالوا إنهم سيعارضون أي «زيادة كبيرة» في متطلبات رأس المال، بحجة أنه يعرقل قدرة البنوك في الاتحاد النقدي لإقراض المال وبالتالي يضر بالنمو. كما اقترحت المفوضية الأوروبية تشريعات جديدة لتحسين قواعد القطاع، في الفصل بين أنشطة الإيداع وتداول البنوك بوصفها وسيلة لتقليل حجمها والحد من المخاطر، لكن الاقتراحات بقيت عالقة لأكثر من سنة في البرلمان الأوروبي بسبب الانقسامات بين «اليساريين» و«اليمنيين» على كيفية الفصل. سر القلق وتنص قواعد الاتحاد في النظام المصرفي على إنقاذ البنك «أولا»، مما يعني أن المساهمين أول الخاسرين، في الوقت الذي يمكن للنظام - الذي لم يجرب سابقا - أن يثبت عدم كفاءته في إنقاذ ثالث أكبر بنك في أوروبا. وشكك توم إيردوس، المحلل في مركز الدراسات الأوروبية، في قدرة الحكومة الألمانية على إجراء هذا الموقف، نظرا لأهمية البنك بالنسبة للاقتصاد الألماني والأوروبي، مضيفا في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «إننا نواجه مشكلات في تطبيق هذا المبدأ على البنوك الإيطالية الصغيرة، فكيف يمكننا تطبيقه على العملاق المالي دويتشه بنك؟». وتبلغ أصول «دويتشه بنك» نحو 1.6 تريليون يورو (1.46 تريليون دولار)، مقارنة بنحو 690 مليار دولار (624.5 مليار يورو)، التي كانت أصول «ليمان براذرز». ويمتلك دويتشه بنك سيولة بنحو 75 تريليون دولار، وهو مبلغ أكبر من الناتج الإجمالي الألماني بنحو 20 ضعفا. وتاريخيا يعد دويتشه بنك واحدا من أكثر البنوك احتراما في العالم، أما اليوم فيواجه البنك على نحو متزايد توقعات بأنه «على وشك الانهيار» نتيجة للتعرض المكثف للغرامات، التي تقدر بنحو 50 إلى 70 تريليون دولار، في الوقت الذي يكافح فيه البنك بشكل مستمر منذ بداية الأزمة المالية. ووصل سهم البنك إلى أدنى مستوياته في سبع سنوات أواخر يوليو (تموز) الماضي، ليصل إلى 14.57 دولار للسهم، بما يقل 10 في المائة عن ذروته في عام 2007 قبل الأزمة المالية العالمية. ورغم خفة حدة مخاطر «المدى القصير» في قطاع البنوك الأوروبي، فإن هناك تحديات كبيرة، بما في ذلك أثر أسعار الفائدة التي وصلت إلى مستويات قياسية متدنية، الأمر الذي يؤثر على صناديق التقاعد وشركات التأمين، إضافة إلى النمو السريع في قطاع الائتمان الصيني والمديونية الثقيلة لقطاع الشركات في البلدان الناشئة. وفي الوقت، ذاته حذر صندوق النقد الدولي من تأثر صناديق المعاشات التقاعدية وشركات التأمين وأنها يمكن أن «تمحى» في ظل أسعار الفائدة المنخفضة، وأكد الصندوق أن كليهما في خطر وستصبح «متعسرة» إذا استمرت أسعار الفائدة منخفضة لفترة طويلة. وبعد ما يقرب من ثماني سنوات من كارثة ليمان براذرز، لا تزال البنوك المركزية تبقى على تكاليف الاقتراض عند مستويات قياسية في محاولة لتعزيز النمو، وقال صندوق النقد الدولي إن الاعتماد المفرط على السياسة النقدية يمكن أن يكون غير مرغوب فيه بسبب الآثار الجانبية المترتبة. لماذا المقارنة؟ شبه بعض الخبراء ما يحدث في «دويتشه بنك» بما حدث في بنك «ليمان براذرز» وشركة أميركان إنترناشيونال جروب (AIG)، عندما تعرض النظام المالي للخطر بسبب الإقبال على الاستدانة في ظل مخاطر محيطة، كذلك فإن فشل دويتشه بنك في التغلب على التحديات سيكون له عواقب كارثية على النظام المصرفي في 2016. لكن يختلف الأمر بين الحادثتين لكون المخاطر النظامية المحيطة بالبنك الألماني تختلف عن حادثة ليمان برذارز، في حين تقتصر المشكلة على حاملي الأسهم، ويمكن في النهاية أن يقوم المنظمون بكفالة الدائنين، وهو ما يراه بعض الاقتصاديين أمرا إيجابيا بالنسبة للأسواق. ويقدم دويتشه بنك درسا قاسيا في «الخطر».. وقال الكاتب البريطاني مارتن وولف، في مقاله المنشور في جريدة «الفايننشال تايمز» إن «فكرة أن المساهمين يسيطرون على البنوك خرافة، فالإدارة هي المسؤولة». مؤكدا أن جميع البنوك ضعيفة، ولكن بعض البنوك أضعف من غيرها، وهذا هو الدرس الرئيسي من الاضطرابات في الأسواق المحيطة بالبنك الألماني. وشبه ولف النهج المتبع لمعاقبة البنوك لإخفاقاتهم بأنه أشبه «بإطلاق متباعد الجوانب من بندقيه»، في الوقت الذي لا يزال من الصعب إعادة رسملة البنوك دون المال العام. وبعد أكثر من تسع سنوات من بداية الأزمة المالية العالمية لا تزال المخاوف بشأن صحة النظام المالي كبيرة، خصوصا في أوروبا، الأمر الذي لا يوصف «بالمفاجئ» لكن «بالمزعج». ويعيب البنك الألماني «ضعف الهيكل» في ظل معايير عالية للاستدانة مقارنة بنظرائه فهو أحد البنوك الاستثمارية العالمية، وارتبط البنك بما يقارب من 1.8 تريليون يورو في أنشطة تجارية في محاولة للاحتفاظ بالربحية العالية، وهناك تشكك حول بعض الأصول التي يملكها البنك لكونها مبهمة أو دون أسعار السوق أيضا مقارنة بنظرائه. أما الدرس الأول المستفاد من الحادثتين، حتى بعد مرور كثير من السنوات، فهو أن البنوك التجارية ستبقى «هشة للغاية» بحكم طبيعتها، فهي كيانات عالية الاستدانة وفائقة السيولة، وهو ما يعكس اختلاف الرؤية بين متخصصي الاقتصاد، والعملاء الذين يرون البنوك عبارة عن مخازن موثقة للأموال. ويعد الدرس الثاني حول الطريقة التي عاقب بها المنظمون البنوك على أخطائهم غير المرضية، فأصبح من غير المنطقي فرض عقوبات كبيرة تعرض بقاء المؤسسة للخطر بعد حادثة كبيرة كـ«ليمان برذارز»، فأول الخاسرين كان عددا قليلا من المساهمين وبعض الموظفين؛ لكن صناع القرار الحقيقيين والمسؤولين عن الإدارة لم يتم المساس بهم. وهو الأمر الذي يرجح أن البنوك لا تزال ضعيفة ماليا نسبة إلى حجم ميزانيتها العمومية، وتفتقر إلى الوسائل الموثوقة لتصحيح هذا. خطة إنقاذ قدم الاقتصادي بمعهد أميركان إنتربرايز آدم ليرك خطة لإنقاذ البنك وتجنب مزيد من عمليات الإنقاذ الحكومية، اعتمدت على رفع رأس المال إلى مستويات كافية ومحاولة لكف الضرر عن صغار الدائنين، وباختصار لم تختلف مشكلة البنوك الإيطالية عن بنك ألمانيا الذي يتصدر الأخبار؛ فالقطاع المصرفي في نهاية الأمر يلعب «بالاستدانة» على الاقتصاد كله.. أما بين أوروبا وأميركا، فلن تؤدي مخاطر البنوك إلى أزمة كبيرة أخرى، فقد تطور النظام المصرفي بشكل كاف لتأمين رأس مال يكفي لجميع الأوقات عما سبق في أزمة ليمان براذرز.