إعادة فكرة مقال لا تعني نضوب أفكار الكاتب، ولكن اعتقاده بأن الظروف قد تكون مواتية لمناقشتها، وهذا ما آمله من وزارة الصحة بإدارتها الجديدة. الخدمات الصحية تقدمها وزارات وجهات عدة، كالصحة والدفاع والحرس والأمن والجامعات وغيرها، إضافة للقطاع الخاص. وزارة الصحة يبدو أنها تعمل على رؤية جديدة، وهي المعنية بما نسبته 60 % من الخدمات، وتدرك أن جزءًا من صعوباتها السابقة تكمن في عدم القدرة على طرح رؤية وطنية، تلزم بها جميع القطاعات الصحية، إضافة إلى اختلاط أدوارها كمشرع ومراقب ومنفذ في وقت واحد؛ لذا أكرر فكرة تأسيس هيئة مستقلة لتنظيم الخدمات الصحية، لها مجلس إدارة أعلى، تشارك فيه الجهات ذات العلاقة. الهيئة يمكنها لعب أدوار عديدة، نقترح منها الآتي:- أولاً: التنسيق والتشريع على مستوى الأنظمة الوظيفية، المشتريات، المعلومات الصحية، التخطيط الاستراتيجي، الجودة وغيرها. على أن الهدف هنا هو التكامل والتنسيق وتبادل المعلومات والاستفادة من الموارد المختلفة، وليس المركزية أو التحكم من قبل جهة واحدة. ثانيًا: التنسيق على مستوى الكوادر البشرية. مثال: الأطباء نريد أن نرى عملهم ذا جدوى اقتصادية ومهنية؛ فيُستفاد منهم عبر أكثر من قطاع وعلى مختلف المستويات الخدمية والتدريبية. بمعنى آخر، نريد نظامًا مرنًا، يجعل من الطبيب قيمة يستفاد منها وطنيًّا، بغض النظر عن مرجعيته المؤسسية. حاليًا، رغم قلة الأطباء، هناك هدر في الاستفادة منهم بشكل أمثل؛ فمنهم صاحب التخصص النادر في مستشفى لا يستفاد منه كما يجب في الخدمة وفي التدريب، ومنهم أصحاب تخصصات نادرة متفرقون بين أكثر من مؤسسة بشكل يقلل الاستفادة منهم. وهناك جهات لا تقدر التخصص الطبي كالآخرين؛ فيهرب منها المتميزون، ويتكدسون في مؤسسات محددة، وغير ذلك من أوجه الهدر المهني والاقتصادي. ثالثًا: التنسيق على مستوى الخدمة السريرية بإيجاد مظلة تنظيمية، تنظر للخدمة الصحية من منظور التكامل الرأسي على مستوى الرعاية من أساسية إلى متقدمة، والأفقي على مستوى توزيع ونوعية العيادات والمراكز وتكاملها، بدلاً من تكرارها بشكل يخل بأدائها. ويشمل ذلك تطوير التعامل مع الأمراض، وتسهيل انتقال الملف الطبي من مستوى إلى آخر، ومن مؤسسة إلى أخرى. بمعنى آخر، التأكد من تقليص الفجوة والفراغ والتكرار في الفحوصات والاختبارات والخدمات الذي يحدثه وجود جهات أشبه بجزر معزولة عن بعضها في تعاملها، كل مع الأخرى. نريد أن تركز وزارة الصحة على تقديم الخدمة بقطاعاتها والقطاع الخاص والإشراف عليها، وتترك للهيئة المقترحة الأمور التنظيمية والتنسيقية والتشريعية لجميع القطاعات الصحية. أخيرًا، البعض يرى أن وجود المجلس الصحي الحالي يكفي إذا ربط بمجلس الوزراء. الإشكالية ليست المرجعية فقط، ولكن التركيبة التوافقية الهشة الممثلة للقطاعات الصحية التي أثبتت عدم فاعليتها، بعكس الهيئة التي أقترحها مظلة عليا مستقلة عن جميع المؤسسات الصحية.