إلياس سحّاب الأخبار القادمة من الأراضي الفلسطينية المحتلة في الفترة الأخيرة، على درجة عالية من التخبط والتناقض مع واقع المواجهة القائمة يومياً بين أهلنا في تلك الأراضي المحتلة، وسلطات الاحتلال والاستيطان الصهيوني. ففي لحظة سياسية معينة يبدو كأن الموضوع الأهم في الأراضي الفلسطينية المحتلة هو الانتخابات البلدية ثم التشريعية. تارة يبدو كأن هذه الانتخابات ستجرى في الأراضي المحتلة عام 1967 (أي في الضفة وغزة معاً). وتارة أخرى يأتي الخبر بأن الانتخابات ستجرى في الضفة الغربية وحدها، بينما تؤجل في قطاع غزة. وفي حالة أخرى تأتي الأخبار بما يفيد بأن الانتخابات مؤجلة في المنطقتين في الوقت الحاضر. وفي لحظة سياسية أخرى تطفو على السطح أخبار أخرى تشير إلى أن الأهمية القصوى حالياً في الأراضي الفلسطينية المحتلة ليست للانتخابات بل لقضية أخرى تماماً هي خلافة محمود عباس (أبو مازن) على رأس السلطة الفلسطينية، لكن الأشد غرابة في هذه المسألة أن جميع الأسماء المرشحة لخلافة محمود عباس (والمتداول منها حتى الآن ثلاثة)، لم يحدد أصحابها أي موقف من طرح أسمائهم، بحيث يبدو الأمر أشبه بجس نبض أو محاولة لإرباك الساحة الفلسطينية بقضية خلافة عباس في حين هناك قضايا أهم مثل مواجهة الاحتلال واستمرار الانتفاضة والوحدة الوطنية. من دون أي استبعاد لوجود وزن في بعض الأحيان لرغبات السلطات الإسرائيلية المحتلة، تحبذ أحدهم، وتستبعد آخر، أو أكثر. إن كلا الخبرين، خبر الانتخابات الفلسطينية (حال هي معجلة أم مؤجلة)، وخبر خلافة أبو مازن، من الأخبار الباهتة أمام حالات التهويد التي تخضع لها كل من القدس العربية، وبقية أجزاء الضفة الغربية، وأمام أخبار الحصار الخانق لقطاع غزة المستمر والمتواصل منذ سنوات عشر. كذلك يبدو هذان الخبران أدنى قيمة، أمام أخبار الهبة الشعبية التي يطلقها أبطال فلسطين في وجه سلطات الاحتلال، بلا هوادة ولا توقف. إن الهوة السحيقة التي جرّ إليها تطبيق اتفاقيات أوسلو الحالة العامة لمسيرة قضية فلسطين الأساسية، هي الخبر الأهم الذي يتطلب التوقف عنده، وضرورة استيعاب أن مخاطره قد وصلت إلى حد إنجاز تصفية نهائية لقضية فلسطين الأساسية، بما لا ينفع معه أو في الخروج منه، إجراء أو عدم إجراء الانتخابات في الضفة وغزة، والاتفاق أو عدم الاتفاق على خليفة لمحمود عباس، على رأس السلطة. لقد تحولت تطبيقات اتفاقية أوسلو، إلى هوة سحيقة انحدرت إليها القضية الفلسطينية، والمطلوب هو تحول جذري في مسار العمل الفلسطيني العام، يضع حداً نهائياً لكل قيود اتفاقية أوسلو، عن طريق الاتفاق الفلسطيني العام على برنامج وطني يعود إلى التصدي لأصل قضية فلسطين منذ عام 1948. وذلك باعتماد برنامج جديد للعمل الوطني يتجاوز كل الخلافات التفصيلية بين مختلف المنظمات الفلسطينية في الضفة الغربية وفي غزة، ولا يبدو أمامنا شيء ملموس في هذا المجال، سوى الوثيقة الشهيرة التي تضمنت، منذ سنوات، البرنامج الوطني الفلسطيني الذي اتفق عليه الأسرى المنتمون إلى كل الفصائل الفلسطينية، بمختلف اتجاهاتها. فهذا البرنامج هو وحده الصالح لتجديد أشكال نهائية لمسألة الانتخابات، ومسألة خلافة أبو مازن، بل للعودة إلى جذور القضية التي طمستها طمساً كاملاً، اتفاقيات أوسلو ومجرياتها.