×
محافظة المنطقة الشرقية

لجنة تحكيم «جائزة بيت الشعر» للكتاب الأول تعلن عن الفائزين الثلاثة

صورة الخبر

الرجل كتلة من التناقضات، فهو متحدّر من إحدى أكثر العائلات الكولومبية نفوذاً ولديه شهادات من أبرز الجامعات الأميركية والإنكليزية، إنه الرئيس خوان مانويل سانتوس الذي كان بوسعه تتويج مسيرته في أعرق المؤسسات الدولية أو في إحدى أكبر الشركات العملاقة. إلا أنه اختار السياسة في بلد تسيطر عليه حيتان المال مع حرب أهلية أزهقت في نصف قرن ما يربو على الـ260 ألف قتيل و7 ملايين نازح. لم يتردّد المعتدل هذا في أن يكون وزيراً للدفاع في منتصف سنوات الألفين في ولاية سلفه العدائي، ألفارو أوريب. ولكن المحارب سانتوس كان صقراً يحلم بالتحوّل إلى حمامةً يوماً ما. أصبح رئيساً ثم أعيد انتخابه ليقطع الوصل مع سياسة أوريب ذي «يد الحديد» وليفتتح في كوبا مفاوضات طويلة مع قادة القوات الثورية. في نهاية سبتمبر وبعد سنوات أربع من المحادثات وقّع مع القوات المسلحة الثورية الكولومبية (الفارك) اتفاقية سلام قبل أن يخضعها لاستفتاء. في الثاني من أكتوبر الجاري صوّت الكولومبيون ضدّ خطته الوطنية بعد حملة شعواء من معسكر مؤيدي الرفض لخطته بقيادة خصمه اللدود الرئيس السابق ألفارو أوريب. خال البعض أن الرئيس تلقى ضربة قاصمة. ولكن بعد خمس يخيل إلينا أن أعصابك قوية فخلال الأسبوع المنصرم تعرضت لمحنٍ كبرى.. (مبتسماً) يساعدني التأمل في الحفاظ على هدوئي. اعترف بأنني ما كنت أتخيّل انتصار الـ«لا» في الاستفتاء حول اتفاقية السلام. ولكنّ العناصر المعاكسة كلها تضافرت ضدّ الاتفاق حتى الإعصار ماثيو الذي ضرب الكاريبي فمنع المنطقة المؤيدة لي من الذهاب للتصويت وإلا لكان الأخير اتخذ منحىً آخر. أنا ديمقراطي بطبعي لذلك اعترفت بخسارتي بسرعة البرق. ثم وبعد المفاجأة البشعة هذه تلقيت مفاجأة سارة بعد خمسة أيام، أي حصولي على نوبل السلام، وفي ذلك فرح عارم لبلادي خصوصاً لضحايا السنوات الخمسين من الحرب. ولا شك في أن تلك الرسالة الواضحة من المجتمع الدولي تمدّنا بدفعٍ كبير إلى الأمام حتى بلوغ المرحلة الأخيرة من اتفاقية السلام. أنت ذائع الصيت كلاعب بارع في «البوكر»، ولكن يبدو أن ألفارو أوريب ورافضي خطتك الوطنية كانوا يملكون الورقة الرابحة. ما هي أوراقك الرابحة الآن خصوصاً مع النوبل؟ مع النوبل تراني مغادراً طاولة اللعب ولكن اللعبة تستمرّ طبعاً. علينا الإصغاء إلى مصوتي الـ«لا». يجهل معظمهم فحوى الاتفاقية، أي ينبذون ما يجهلون مضمونه. قال لي بعضهم إنه غُرّر به أو حصل على معلوماتٍ خاطئة، في حين أخبرني البعض الآخر أنه ما كان يصوّت ضد الاتفاقية بل ضدّ «الفارك» التي تسببت بآلام كبيرة وعذاب شديد. أما اليوم فإنّ التظاهرات السلمية التي عمّت البلاد تجعل لزاماً علينا تجسيد اتفاقية السلام هذه بأية وسيلة ممكنة. أوراقي مكشوفة ولكن الكذب مستمر بين الأطراف. لا أكذب بل أوراقي مكشوفة. أما بالنسبة إلى المصوتين ضدّ الاتفاقية فأقول لهم: أمامكم فرصة لا تقدر بثمن. لا تخادعوا ولا تضعوا العصي في الدواليب، فإن أردتم السلام يمكنكم أن تكونوا على قاب قوسين منه. فلنجد حلاً سريعاً واتفاقاً الآن. حلّ يضمن تمثيلاً سياسياً للفارك التي يعارضها أوريب والمصوتون بـ»لا». نعم، لأن تلك الفكرة الأساسية من عملية السلام: أي تخلي «الفارك» عن أسلحتها والاستمرار بأفكارها ومعتقداتها في إطار قانوني عبر المشاركة السياسية. يخيّل لنا أن هذا السلام رهن أولاً بنزع فتيل العدائية بينك وبين الرئيس السابق ألفارو أوريب أكثر مما هو اتفاق سلام بين الحكومة وبين «الفارك». لا أعتقد ذلك لهذه الدرجة. طبعاً من الأفضل عقد الاتفاق برضا أوريب وليس من دونه. في نهاية المطاف، تصافحنا أنا وهو قبل بضعة أيام للمرة الأولى منذ خمس سنوات. آمل أن يكون صادقاً وأنه يريد فعلاً المساعدة على المصالحة الوطنية. تقول انغريد بيتانكور إنّ «الفارك» تستحق نوبل السلام هذه بدورها. ما رأيك؟ أحترم قرار لجنة النوبل. ولكن هذه الجائزة هي فعلياً للكولومبيين جميعهم. هي ملك الأطراف كلها وملك كل وفد، فما نحتفل به هي عملية سلام فريدة من نوعها في العالم. ولكنك غامرت باسمك وبرصيدك السياسي في الاستفتاء هذا فهل كان يستحق الأمر ذلك. ألست نادماً؟ طالما نصحني البعض بعدم الدفع باتجاه مفاوضات السلام، بل الاستمرار بالحرب. اُنتخبت لأنني عرفت النجاح في حروبي ولكنني كنت مدركاً أن الطريق الصواب تمرّ بالسلام. الأمر نفسه ينطبق على الاستفتاء. كنت على يقين بضرورة عرض كل اتفاق سلام على الشعب لينال رضاه رغم غياب أي إطار قانوني يلزم بذلك. كان الكلّ معارضاً لذلك ولكنني فعلت الصواب ولست نادماً على ذلك. كولومبيا تفرض نفسها أما من تناقض في حصول وزير دفاع شرس سابق وناجح على جائزة نوبل للسلام؟ لا. بكل بساطة لأنه للأسف ينبغي المرور بالحرب كي نصل إلى السلام. ما كان بوسعنا الحصول على هذا الاتفاق لو لم نكن في موقع قوة. كان ذلك شرطاً أساسياً. الشرط الثاني كان عقد سلام مع جيراننا الذين قطعنا العلاقات الدبلوماسية معهم ومع من كنا معهم على شفير حرب، وهذا ضرب من الجنون. لذا عقدت سلاماً مع تشافيز، مع البرازيل. وصفت بالخائن لهذا السبب من البعض، ولكنني لم أخن أحداً بل مهّدت الظروف الضرورية التي تؤدي بنا إلى النجاح. ما عادت كولومبيا ابن المنطقة الضال بل باتت تفرض نفسها في المحافل الدولية كلها. حصل محاربون آخرون على نوبل للسلام تحديداً رابين، بيريز وعرفات من دون أن يحققوا السلام المنشود ويضعوا حداً للحرب. كان شيمون بيريز صديقاً لكولومبيا، أخبرني أنه في شبابه كاد يموت في رحلة من بوغوتا إلى برانكيلا. كانت عملية السلام في بلادنا تهمّه للغاية وأسدى لي أكثر من نصيحة في هذا المجال. أما رابين فغالباً ما أتذكر ما قاله: «أفاوض مع الإرهابيين وكأنّ الحرب غير موجودة ولكني أحارب الإرهاب وكأنّ محادثات السلام غير قائمة». رددت هذه المقولة على مسامع «الفارك»، ولكن لكل حرب ظروفها طبعاً. في أية مرحلة من مسيرتك السياسية أدركت أنّه لا يتوافر حل عسكري للحرب في كولومبيا؟ في مرحلةٍ مبكرة جداً. لا يسعك إنهاء حرب عصابات في بلد بالغ التعقيد جغرافياً وتشكّل فيه تجارة المخدرات فتيلاً للاقتتال الدائم. كنت مقتنعاً بضرورة التفاوض ولكنّ الحل الأوحد كان عبر تعزيز قدرات الجيش. الطريقة الأخرى كانت تقضي بإقناع القادة المحاربين أنفسهم شخصياً بأن المضي بالمفاوضات يعود بفائدة أكبر عليهم من الاستمرار بالحرب. وفي تلك الحقبة بالذات، قمت بتعديلات في جهاز المخابرات وبدأنا نوجه ضرباتٍ قاسية إلى «الفارك» على المستوى القيادي. وكان لبعض النشاطات التي قمنا بها صدى دولي كبير أسوة بعملية «جاك» التي أدّت إلى تحرير عدد من الأسرى ومن بينهم إنغريد بيتانكور من دون أي سفك للدماء، وهي إحدى أكثر العمليات التي أعتزّ بها في حياتي. صرّحت بأنك ستهدي ضحايا النزاع مبلغ «النوبل»، هل كنت مضطراً إلى ذلك؟ ناقشت الموضوع مع عائلتي واتخذنا قراراً مشتركاً وافقني عليه أولادي الذين سألتهم رأيهم. برودة أعصاب... ومثال أعلى خوان مانويل سانتوس ذائع الصيت لبرودة أعصابه، فمن أين يستمدّ هذا الهدوء كله؟ يقول في هذا الشأن: «ربما لأنني أقرأ كثيراً من السير الذاتية، وعلمتني أن اليأس لا ينفع بل المثابرة ضرورية وبأنّ الإحباط لا يؤدي إلا إلى نتائج سلبية». يتابع: «في المقابل، يُعرف عني عدم تحمّلي بعض أنواع الضعف البشري كالخيانة وعدم الإخلاص مثلاً». وحول مثاله الأعلى ممّن سبق وحصلوا على جائزة نوبل للسلام، يقول: «نلسون مانديلا مثالي الأعلى. كان لي شرف اللقاء به. تحدثنا مطولاً عن فرص السلام في كولومبيا. واستوحينا كثيراً من السلام الجنوب أفريقي، وبشكل أخص ذلك المجهود الجبار لجمع أطراف متناقضة بالتفكير حول طاولة واحدة تُرسم عليها رؤية واحدة وسيناريو واحد لبلدٍ متناحر».